إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الثالث والأخير

الفصل الخامس
مخطط الأخوان المسلمين لاحتواء نظام مايو


ورأس السهم في مخطط الاحتواء هذا إنما هو العمل، من جديد، من جانب الصادق والترابي، وقبيليهما، في سبيل (الدستور الإسلامي "المزيف") الذي اسميناه، هنا، الدستور الطائفي، وقلنا إنه ليس هو دستورا، وليس إسلاميا، على الاطلاق.. (وقد تحدثنا في مقدمة الجزء الأول من هذا الكتاب عن قضية تطوير التشريع الإسلامي، وعن الدستور الإسلامي بتفصيل يغنى عن الإعادة هنا).. ويكفي أن نشير هنا إلى أن الدستور الإسلامي لا يلتمس في الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا اليوم، وإنما يلتمس في القرآن، على أن يفهم القرآن فهما جديدا يبعث آياته التي كانت منسوخة في القرن السابع – (الآيات المكية) – لتكون هي صاحبة الوقت اليوم، وينسخ آياته التي كانت ناسخة، وكانت صاحبة الوقت في القرن السابع، وعليها قامت هذه الشريعة.. فانه بغير ذلك لا نصل الى الحقوق الاساسية، ولا دستور بغير الحقوق الاساسية، ذلك بأن آيات الحقوق الأساسية منسوخة بآيات (الاكراه)، وآيات (الوصاية).. فاذا انبعثت الآيات المنسوخة فقد ارتفعنا بالإسلام، من مستوى العقيدة إلى مستوى العلم، وفى هذا المستوى الناس لا يتفاضلون بالعقيدة، أو الجنس (من ذكورة وانوثة)، كما هو الأمر في الشريعة الموروثة، وانما يتفاضلون بالعقل، والخلق.. فلا يسأل الانسان عن عقيدته، وإنما يسأل عن صفاء الفكر، واحسان العمل.. ومن ههنا لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه، أو بسبب جنسه.. وهذا الدستور لا يسمى إسلاميا لأنه لا يسعى لإقامة حكومة دينية، وانما يسعى لإقامة حكومة انسانية يلتقي عندها، ويستظل بظلها كل البشر، بصرف النظر عن الوانهم، والسنتهم، ومعتقداتهم، على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.. فليس هناك، إذا، دستور (إسلامي) بغير تطوير التشريع الإسلامي بانتقال العمل من الفروع – القرآن المدني – الى الاصول – القرآن المكي.... هذا هو الطريق الى الدستور الإسلامي، لأنه دعوة الى فهم الدين فهما جديدا به ينبعث الدستور الإسلامي، مقعدا، وممددا، من كتاب الأجيال – من القرآن – وبغير هذا الفهم الجديد للقرآن فلن يكون هناك دستور إسلامي!!
ولكن سبيل الطائفية الوحيد إلى احراز السلطة، اليوم، إنما هو الدعوة إلى ذلك الدستور الطائفي، مرة باسم (المنهج الإسلامي) كما يقول الترابي، ومرة باسم (إسلامية التشريع) كما يقول الصادق – كما سنرى – فإن الطائفية كانت، ولا تزال، تسعى إلى توسيع نفوذها عن طريق تضليل الشعب، وفرض الارهاب على خصومها، باسم الدين!! ومن ههنا يبرز الخطر الحقيقي على الدين، وعلى مكتسبات الشعب التقدمية، من جديد، بعد أن وضعت ثورة مايو حدا لهذا الخطر بقيامها عام 1969. والبلاد، بلا أدنى ريب، معرضة إلى خطر عظيم، إذا قدّر للفهم المتخلّف للدين، المزيّف له، أن يقنن نفسه فيسيطر على أوجه الحياة المتطورة في بلادنا.. والسير في الاتجاه الخطير لمحاولات تحكيم الشريعة، من غير الفكرة الدينية التطويرية، إنما هو، بجانب مجافاته لمراد الدين بالحياة المعاصرة، إنما يمهد الفرصة كاملة لهذه العناصر الطائفية لتبرز إلى سطح الحياة السياسية، من جديد، في بلادنا.. وقد بنت كل ماضيها السياسي، قبل ثورة مايو، على هذا الفهم المتخلّف للدين الذي يخدم أغراضها السياسية في ابقاء الشعب مجمّد الوعي، تحت الوصاية الطائفية، وفى فرض صور التخلّف على حياته باسم الدين.. ولو قدّر لهذه العناصر الطائفية أن تحقق هذا المخطط فان ثورة مايو ستجد نفسها في مواجهة محتومة مع قوى ذات قاعدة طائفية مضلّلة عريضة.. وستجد أنها وكأنها إنما تواجه كخصم لها الدعوة المزيفة لتحكيم الشريعة مما يشل حركتها في المواجهة الحاسمة لها ... بينما هي ستواجه، في حقيقة الأمر، الزعامات الطائفية ورصيدها الجاهز من الأخوان المسلمين وسائر سدنة التفكير الديني المتخلّف، ذلك بأن هذه العناصر ستكون قد تسلّقت إلى السلطة لتطبق الصور المتخلّفة التي تنسبها إلى الدين. فيومئذ ستكون هذه العناصر، بما لها من مظهر إسلامي خادع، وتبعية عريضة من المضلّلين دينيا، أجدر بالسلطة من قيادات مايو.. ومما ستعتمد عليه الطائفية في تنفيذ مخططها هذا، باسم تحكيم الشريعة، السند الذي ستجده من بعض الانظمة العربية التي كانت سندا للجبهة الوطنية في بعض المراحل، والتي لها مصلحة في قيام نظام ذي مظهر إسلامي في السودان مشابه لنظامها، وموال له... وذلك عن طريق المساعدات المباشرة لهذه العناصر، أو عن طريق ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام مايو. فان هذه الانظمة، بحكم تكوينها الديني المتخلف، لا تجد في التعامل مع نظام ديني متخلف، على شاكلتها، كالذي يدعو اليه الصادق والترابي، هذا التناقض في التعامل الذي تجده مع نظام مايو ذي الاتجاه الاشتراكي التقدمي!! كما أن (رجال الدين) في المؤسسات الدينية، بحكم تفكيرهم الديني، أيضا، وبحكم ملتقياتهم السابقة مع الاحزاب الطائفية في الدعوة إلى الدستور الإسلامي (المزيف)، إنما هم أقرب، في التجانس، والتعامل، إلى الترابي والصادق وقبيليهما، مع نظام مايو بمبادئه، ومنجزاته التقدمية، مما يرشحهم كعنصر ضغط على السلطة لصالح مخطط الاحتواء الطائفي..
هذا هو رأس السهم في مخطط الأخوان المسلمين لاحتواء نظام مايو، فانهم، هم، إنما يريدون ان (ينفخوا) فيما أعلنه الرئيس نميري، في برنامج الولاية الثانية من التزام أخلاقي، إسلامي، في سيرته، وفى سيرة اعوانه، وفى سيرة الشعب... وذلك حتى (يتضخم) هذا الاتجاه ليصبح في حجم دعوتهم التقليدية الى الدستور الإسلامي (المزيف).. وذلك عن طريق تحريك الاجهزة الشعبية، والرسمية، التي يفلحون في احتوائها، كالنقابات والاتحادات.. وتوجيه وسائل الاعلام، والمساجد، والمؤسسات الدينية، والشخصيات الدينية، لتكون، جميعا، عناصر ضغط على السلطة تضطرها الى تبني الدستور الطائفي، شيئا فشيئا، بعد أن يبدو هذا الدستور وكأنه مطلب شعبي لا مناص للسلطة من الاستجابة له – كما رأينا في حملتهم من أجل هذا الدستور قبل ثورة مايو.. وتنظيم الأخوان المسلمين، اليوم، كثير الحديث عن الدستور الراهن!! ذلك بأن نيتهم المبيتة هي تعديل هذا الدستور، شيئا فشيئا، حتى يتحول الى الدستور الطائفي الذي سعوا إليه قبل ثورة مايو.. ألم يقل الترابي في الندوة الاخيرة بجامعة الخرطوم يوم 14/12/1978، وهو يدعو الطلاب إلى انتهاج نهج المشاركة في السلطة: (أدعوكم إخوتي الشباب أن تدخلوا هذا التنظيم. إن لم يعجبكم اسمه بدّلوه... إن لم يعجبكم ميثاقه غيروه.. إن لم يعجبكم دستوره غيروه)!! هل يستخف بأمر هذا الدستور، بهذه الصورة، رجل اقسم قسم الولاء له بقوله:
(اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا وصادقا لثورة مايو الاشتراكية وأن ادعم تحالف قوى الشعب العاملة وتنظيمها القائد الاتحاد الاشتراكي السوداني وأن احمي الدستور ...)، الاّ إذا كان يبيت النية لتبديله بدستور آخر؟؟ وأكثر ما يؤكد عمل الأخوان المسلمين في سبيل فرض الدستور الإسلامي (المزيف) بديلا لهذا الدستور هو ما طالب به رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، في تلك الندوة، وهو يتحدث كعضو في تنظيم الأخوان المسلمين، فيما نشرته جريدة الايام بتاريخ 15/12/1978: (وطالب بإعادة النظر في قانون امن الدولة والنظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي وميثاق العمل الوطني، وطرح الدستور للنقاش)!! وهو يعني الدستور الذي اقسم الترابي بأن يحميه!!

الرئيس نميري لا يعني الدستور الطائفي!!


والصادق يرى أن ينص في الدستور على (إسلامية التشريع)، وهذا هو رأس سهم المخطط لتحويل الدستور الراهن إلى الدستور الإسلامي (المزيف) الدستور الطائفي.. قال ذلك في محاضرته بدار اتحاد طلاب جامعة ام درمان الإسلامية بتاريخ 27/10/1978 وقد صدرت مؤخرا في كتيب بعنوان (المصالحة الوطنية).. كما قال في تلك المحاضرة (وثمة عامل آخر كان سببا في التقارب الفكري ذلك العامل هو ان المعارضة كانت تتجه اتجاها إسلاميا وبعد اعوام من قيامه ظهرت دلائل اتجاه إسلامي في النظام)!! وقال الصادق ايضا (وواضح ان البرنامج الوفاقى قام على بعض المعادلات الاساسية) ثم ذكر منها (معادلة فكرية بين الإسلام باجتهاد عصري والاشتراكية في منطلقات مؤصلة)، وهنا يبرز التمويه والتخليط في تفكير الصادق الديني بصورة واضحة.. فهو لم يقدم لنا أي صورة (للاجتهاد العصري) الذي يراه في الإسلام لندرك مدى جدية هذه الدعوة العريضةََ!! وهو يتحدث، عن (معادلة فكرية) بين الإسلام والاشتراكية، وكأنهما نقيضان!! مع انه، لدى الفهم الديني الصحيح، الذي لا يملكه الصادق، الإسلام ديمقراطي اشتراكي، بينما شريعته الماضية، ليست ديمقراطية، وليست اشتراكية، (وقد بينّا ذلك في مقدمة الجزء الاول من هذا الكتاب)..
ويتحدث الترابي أيضا، وهو والصادق فرسا رهان في هذا المضمار، عن (المنهج الإسلامي) وكأنه أحد شروط المصالحة الوطنية، فقد قال في التحقيق الصحفي معه بجريدة الايام بتاريخ 21/8/1978: (لا يتعسر على الأخوان أبدا أن يعلموا افرادا في إطار قومي إذا كانت اهدافه تتوخى المنهج الإسلامي الذي يرفض الارتماء في احضان الفكر الغازي، ويرفض الركود إلى الفكر الديني التقليدي) والترابي، في ذلك، ليس أقل قدرا في التمويه والتعمية من الصادق، فهو لم يقدّم لنا صورة لهذا (المنهج الإسلامي).. أي صورة!! ولكنه، بالطبع يقصد فكرة الأخوان المسلمين.. (وقد بينّا في الجزء الاول من هذا الكتاب مدى ضعفها في التوحيد، وتناقضها مع مراد الدين، وروح العصر). وفى الحقيقة انه (لا يتعسر على الأخوان أبدا أن يعملوا افرادا) في أي إطار سلطة يرون ان باستطاعتهم احتواءها عن طريق المشاركة فيها.. الم يشتركوا في حكومة اكتوبر الاولى التي ضمت شيوعيين ومسيحيين، متناقضين، اشد التناقض، مع ما يدّعون الدعوة إليه من تحكيم الشريعة.. إذ يقرّر مفكروهم – كسيد قطب – أن الانظمة التي تقوم في البلاد التي تسمى (إسلامية) اليوم انظمة جاهلية لأنها لا تحكم بما أنزل الله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) – كما رأينا في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وأشار الترابي، في كلمته بجريدة الايام بتاريخ 23/12/1977 الى برنامج الولاية الثانية للرئيس نميري بأنه (رسم المعالم والتزم الإسلام بوجه حاسم)!! وهنا يريد الترابي (توريط) نظام مايو للالتزام بالصورة الشائهة التي يعرفها هو للإسلام، والتى ليس لها من الإسلام الا الاسم. فان برنامج الولاية الثانية بصورته التقدمية لا يمكن ان يعنى ما يعنى الترابي من الإسلام، وقد قال الرئيس نميري في ذلك البرنامج: (تاسعا – سأحرص على ازالة المنكرات ومحو آثارها وسوف لا أمكن أحدا من التظاهر بها، ومن أظهر من ذلك شيئا سأزجره أبلغ الزجر واعاقبه أشد العقوبة حسب ما يقتضيه الشرع أو الدستور أو القانون...) وبرنامج الولاية الثانية إنما هو ملتزم بالدستور الذي يقول في المادة 38: (الناس في جمهورية السودان الديمقراطية متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الموطن المحلى أو الجنس او اللغة أو الدين) فهو لا يمكن أن يعنى الدستور الطائفي الذي يدعو له الترابي.. ومحضر مداولات اللجنة القومية للدستور – المجلد الثاني يحدثنا عن فهم الترابي للإسلام، فيقول: (السيد فيليب عباس غبوش - سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين، فقط هذا الكلام بالعكس، فهل من الممكن أن يختار في الدولة، في إطار الدولة بالذات، رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة؟؟
الدكتور حسن الترابي - لا يا سيدي الرئيس)!! هذه صورة الدستور الطائفي التي يريدها الترابي للدولة.. وهي بلا شك، ليست ما يعنى الرئيس نميري في برنامج ولايته الثانية... فان مثل هذا الفهم، الى جانب انه مناف لمراد الدين بالحياة المعاصرة فهو أيضا يشكل تهديدا للوحدة الوطنية بين الشمال والجنوب، ونذيرا بعودة الحرب الاهلية بينهما مرة اخرى!!
والصادق والترابي، بذلك، إنما يريدان ان يبدوا وكأنهما يمثلان الإسلام، وأن يبدو نظام مايو وكأنه يريد أن يعدّل سياساته ليلحق بدعوتهما للإسلام، كما عبر الصادق حين ذكر (أن المعارضة كانت تتجه اتجاها إسلاميا وبعد أعوام من قيامه ظهرت دلائل اتجاه إسلامي في النظام)!! والحقيقة ان الصادق والترابي لا يعنيان ما يدّعيان من الإسلام، على الاطلاق، فهما يعيشان في تناقض منكر مع الدين، ويمارسان خروجا صريحا عنه!! أقله إنهما قد حرضا على الفتنة، وتسببا في اقتتال وموت المسلمين، ووارد ("كل المسلم" على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، وأن يظن به ظن السوء) بل أن الصادق، والترابي، ليشكلان معوقا من المعوقات الأساسية للبعث الإسلامي الصحيح في هذه البلاد، وذلك بتزييفهما الدين، وبتضليلهما الشعب عنه، وباستغلالهما إياه، أسوأ الاستغلال، في الأغراض السياسية..

لجنة تعديل القوانين ومخطط الاحتواء


واشار الصادق، في محاضرته تلك، الى لجنة تعديل القوانين لتتناسب مع الشريعة الإسلامية، وذلك حين ذكر من ضمن ما اسماه (برنامج المصالحة): (الاصلاح القانوني – دعمت لجنة مراجعة القوانين التي عينت قبل الدخول في مشروع المصالحة).. وهذا يؤكد حرص الصادق الشديد على المشاركة في هذه اللجنة كأداة (لتوريط) النظام فيما اسماه، زيفا، (إسلامية التشريع).. حسب مخطط الاحتواء، فإن هذه اللجنة إنما يتخذها الصادق والترابي (مفرخا) لمشروعات قوانين، أو مشروعات تعديل قوانين، تحمل الصبغة الإسلامية المزيفة، لتعرض على مجلس الشعب، حيث تقوم عناصرهما، هناك، بعملية استقطاب النواب حولها، باسم (تحكيم الإسلام)، أو (تطبيق الشريعة الإسلامية في اوضاعنا القانونية) كما كان موضوع محاضرة الترابي، حول اللجنة، بجامعة الخرطوم في ديسمبر 1977 – وذلك عن طريق اثارة العاطفة الدينية، وفرض جو من الارهاب الديني على الخصوم السياسيين، وسط حملة دعائية واسعة، من اجهزة التوجيه والاعلام التي يحتوونها، وبممارسة ضغوط مركزة من الاتحادات والنقابات التي يسيطرون عليها، ومن المؤسسات الدينية، والشخصيات الدينية التي تماليهم، وبتحريك الشارع، وجمهور المساجد، وبإرسال الوفود والبرقيات!! كما رأينا في حملة حل الحزب الشيوعي، وفى حملة الدستور الإسلامي (المزيف) قبل ثورة مايو..
لقد قلنا رأينا في لجنة تعديل القوانين فور تكوينها، وذلك في كتابنا (الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي)، الذي تناولنا فيه قضية تطوير التشريع الإسلامي.. كما قلنا رأينا في أول انجازاتها، وهو مشروع قانون حظر الخمر، وذلك في كتابنا (لجنة تعديل القوانين لن تفلح إلاّ في خلق بلبلة) ... وقد اعلنت اللجنة عن فشلها الذريع في باكورة اعمالها حين (وضعت) لمن يدان بتعاطي الخمر عقوبة الجلد، أو عقوبة السجن، أو عقوبة الغرامة، او جميع هذه العقوبات، او بعضها!! فاعتبرت اللجنة ان عقوبة الخمر تعزير وليس حدّا!! اي انها عقوبة متروك للقاضي تقديرها حسب حالة المجرم، وحسب ظروف الجريمة.. فعطلت اللجنة، بذلك، (حدّا) من حدود الله تعالى، هو حد الخمر، الثابت بالسنّة المطهرة، وبأقوال، واعمال الخلفاء الراشدين، والصحابة، والتابعين، وجمهور الفقهاء، وهو أربعون جلدة. فاللجنة عطلت الحد بوضع عقوبات بديلة له.. وقد حمل الترابي، عضو اللجنة، رأى اللجنة، وأخذ ينافح عنه بضراوة، في محاضرته بجامعة الخرطوم في ديسمبر 1977 (أخرجنا حولها كتابنا "الترابي يخرج عن الشريعة باسم تحكيم الشريعة")، كما أخذ يقرّظ لجنته، مدعيا أنها ستحقق (الدين الأتم) بقوله، وهو يتحدث عن فترة الانتقال التي سيتم بعدها تطبيق قانون حظر الخمر (ثم تسامحنا فأتينا بأجل ثان، وأجل ثالث، حتى اصبح القانون يبيح أن تكون فترة الانتقال عامين اثنين، من بدء تطبيق القانون، ولربما لا يبتدئ القانون إلا بعد بضعة اشهر، فبيننا اذن وبين قيام الدين الأتم أكثر من عامين)!! وهكذا اخذت اللجنة توارى فشلها بتزييف الشريعة نفسها.. ولكن!! لأن الصادق والترابي إنما يخططان لاتخاذها مطية لاحتواء السلطة فانهما شديدا الحرص على بقائها (كمفرخ) للصور الشائهة من الدين التي يستغلانها في تنفيذ مخطط الاحتواء!! ها هو حافظ الشيخ، أحد نواب مجلس الشعب من الأخوان المسلمين، يستعجل منجزات اللجنة لتصل إلى مجلس الشعب بصورة تدعو للريبة... فيقول في جلسة المجلس يوم 12/12/1978: (بالنسبة للجنة التي أشار إليها السيد الرئيس في خطابه، لجنة مراجعة القوانين لتتناسب مع الشريعة الإسلامية فقد أعدت هذه اللجنة العديد من مشروعات القوانين ولكنها لم تصل الى هذا المجلس حتى الآن. وأكاد أقول إنها لم تجتز مجلس الوزراء حتى الآن. ولا بد أن يبين لنا السيد النائب العام الدواعي التي تؤخر تقديم هذه القوانين وقد فرغت منها اللجنة التنفيذية التي يتولى هو رئاستها من وقت طويل)!!
انظروا إلى هذه الاهمية المريبة التي يعلقها تنظيم الأخوان المسلمين على هذه اللجنة!! وانظر إلى هذا الاتهام الضاغط لمجلس الوزراء، وللنائب العام!! كأنه يسائلهما عن تأخير تقديم مشروعات قوانين (إسلامية) للمجلس!! هذا هو اسلوب الأخوان المسلمين في (توريط) المسئولين في مخططهم لفرض جو من الارهاب باسم الدين!!
الأخوان المسلمون ومجلس الشعب:
وعمل الأخوان المسلمين، من داخل مجلس الشعب، الذي تذاع جلساته يوميا على الشعب، إنما يمثل أحد أركان مخططهم لكسب الرأي العام السوداني، عن طريق تبنى القضايا ذات الاثارة الخاصة للظهور بمظهر الحرص على مصالح المواطنين.. ومن جهة أخرى فإنهم، بذلك، إنما يبذرون بذور التشكيك في سياسة الدولة وذلك لإضعاف رصيدها الشعبي من داخل اجهزتها، مع الاحتفاظ بمظهر شكلي من الولاء لها، تنفيذا لمخطط الاحتواء.. ونقدم هنا مثلين لسلوك نواب الأخوان المسلمين داخل مجلس الشعب، هما يس عمر الامام، وعلى عثمان محمد طه، للتدليل على ما ذهبنا إليه من أن عمل الأخوان المسلمين، من داخل هذا المجلس، إنما هو مقصود به إلى أحداث آثار مخططة خارج المجلس..
ها هو السيد يس عمر الامام يقول، في تعليقه على اتفاقية بين الدولة وبعض الاطراف الاجنبية، على قرض بالفائدة، في جلسة المجلس بتاريخ 26 أبريل 1978: (أولا اعتقد انه يتضح للناس من هذه الاتفاقية لماذا حرم الله الربا، ولا أريد ان يقال لي أنك وافقت على اتفاقية وكان فيها ربا، لكن حتى الحرام ذاتو خشم بيوت)!! راجع محضر هذه الجلسة – 26 ابريل هذا القول، لأحد كبار زعماء الأخوان المسلمين إنما يدل، دلالة واضحة، على عدم جدية هذا التنظيم في الدعوة الدينية، كما يدل على النزوع إلى الاثارة، واصطناع الحرص على المصلحة العامة.. فهو أولا يعترف بأنه وافق على بعض اتفاقيات سابقة كان فيها ربا!! ذلك مع اقراره بتحريم الربا!! واعتراضه، هنا، ليس على العملية الربوية نفسها، وإنما على نسبة الفائدة الكبيرة في هذه الاتفاقية.. فحرمة الربا، عنده، (خشوم بيوت) يعنى أنها تتفاوت حسب نسبة الفائدة.. فمن الربا عنده ما يقبل، ومنه ما يرفض، (خشوم بيوت)!!
هكذا يستخف هذا الرجل، ويستهتر، بحكم من احكام الإسلام الصريحة، القاطعة، بلا أدنى مسكة من ورع، حتى أنه ليهوى إلى هذا الدرك السحيق من الحديث السوقي المسف (الحرام ذاتو خشوم بيوت)!!
فقد اغلظ الله النذارة، وشدّد النكير، على أكل الربا، بصورة لا تذر أدني لبس حول امر تحريمه، كثيره، وقليله، سواء بسواء.. فقال في آية الربا: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله، وذروا ما بقى من الربا، ان كنتم مؤمنين* فان لم تفعلوا فآذنوا بحرب من الله، ورسوله، وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون..)... وجاء في تفسير (ابن كثير) - الجزء الاول -: (عن ابن عباس قال: آخر ما نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، آية الربا) ... وبذلك نزلت آية الربا هذه ناسخة لسائر آيات الربا الاخرى، فحرّمت الربا، أكثره، وأيسره.. وجاء في هذا التفسير:
(ثم قال تعالى "وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم، لا تظلمون "أي بأخذ الزيادة، ولا تظلمون "أي بوضع رؤوس الاموال أيضا، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه، ولا نقص منه) وفى هذا تحديد قاطع لتحريم أي زيادة ربوية، مهما قلّت، على رأس المال.. وجاء في هذا التفسير ايضا: (خطب رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، في حجة الوداع، فقال: "ألا أن كل ربا في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رؤوس، أموالكم، لا تظلمون، ولا تظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب، موضوع كله"!!) هذا لتأكيد تحريم الربا كله، أكثره، وأيسره... ويمضي هذا التفسير في هذا التأكيد ليقول: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلّم: "الربا سبعون جزءا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه!!") هذا ليصرف، صرفا تاما، وينفر تنفيرا شديدا، عن أيسر الربا!! ومع ذلك يقول أحد زعماء الأخوان المسلمين عن حرمة الربا (الحرام ذاتو خشوم بيوت!!) ... تتفاوت حرمته حسب نسبة فائدته، حتى انها، عنده، لترفع تماما عند نسبة معينة من الفائدة!! وفى الحقيقة ان مثل هذا الاستهتار بحرمات الإسلام، وهذه الجرأة على الخروج عن احكام الإسلام، لهى السمة الغالبة على زعماء هذا التنظيم.. ألم يفت الدكتور الترابي بجواز الاقتراض الربوي شرعا؟؟ بلى!! فانه قد قال، في محاضرته بجامعة الخرطوم، في ديسمبر 1977: (ولو ان السودان الجأته الضرورة الملّحة الى أن يقترض، ولو لم يجد الاّ موردا يقرضه بالربا عندئذ نطبق الإسلام، وواحد من مبادئ الإسلام يقوم على طريق الضرورة وذلك أمر تقديري نقدره إن شاء الله..)!! وقال أيضا: (بالطبع يحدثني الناس أن السودان يتعامل بالربا مع الدول الاجنبية وبالطبع هذه ضرورات)!! قال الترابي هذا بغير سند شرعي، وهو يعلم أن الضرورة الملجئة في الشريعة إنما هي حالة الاشراف على الموت..
وها هو على عثمان محمد طه يقدم اقتراحا في جلسة المجلس يوم 19/6/1978 من شأنه، لو قدر له أن يفوز، أن يسقط الميزانية، كما افتى النائب العام يومئذ.. ولكن العضو يصر على تقديمه قائلا: (إنني لا أهدف من هذا الاقتراح إلى أن أسقط الميزانية العامة)!! واستغرق نقاش الاقتراح جلستين ليومين، أعطى فيهما العضو الفرصة كاملة لتوضيح وجهة نظره.. وردّ عليه رائد المجلس، ووزير التخطيط، ورئيس لجنة الاقتصاد والخطة والموازنة، بما يفند الأسباب التي ابداها لتقديم الاقتراح.. وعند التصويت على الاقتراح، طلب رئيس المجلس من العضو قراءة اقتراحه بصورة موجزة، كما تنص لائحة المجلس، قبل اجراء التصويت عليه، فأصرّ العضو على أن يقدم الاقتراح مع مسبباته بصورة مطولة، وأخيرا، وعند تقيد رئيس المجلس باللائحة، في عدم اعطائه الفرصة لتقديم اقتراحه بصورة مطولة، في هذه المرحلة، بعد أن أعطى الفرصة مرات، من قبل، لتوضيح اقتراحه، وطرح مسبباته، بصورة واسعة، تلى اقتراحه، وأعلن في نهايته سحبه احتجاجا، كما ذكر، على عدم اعطائه فرصة كافية لتوضيح اقتراحه!! فرفض رئيس المجلس سحب الاقتراح لهذا السبب الذي ابداه العضو.. ولقد كان لا يزال يملك حق سحب اقتراحه لسبب آخر، كاقتناعه بما تلقاه من الردود، أو لأنه لا يريد اسقاط الميزانية، كما زعم!! وعند اجراء عملية التصويت صوت العضو ضد اقتراحه، وسقط الاقتراح بما يشبه الاجماع!! وهنا ابدى بعض الاعضاء استنكاره لهذا الموقف، مشيرا إلى عدم جدية العضو في تقديم اقتراحه الذي استغرق نقاشه، من زمن المجلس، جلستين.. فليس هناك عرف برلماني، يحترمه العقل، يمكن أن يقر أن يقف أحد النواب ضد اقتراحه، عند التصويت عليه، وهو يملك فرصة سحبه قبلها لأسباب موضوعية.. ويبدو، واضحا أن تصرف هذا العضو إنما هو، من أساسه، قد قصد به خلق مادة للإثارة، والظهور بمظهر المصادمة للنظام من جهة، مع التظاهر بأبداء حسن النية نحو الحكومة من جهة اخرى!! هذا!! وليس السلوك المجافي للتقاليد المرعية في هذه المؤسسات، وليس اسلوب المناورة و(التشكيك) من اخلاق الدين في شيء!! ولقد وصف رائد المجلس الدافع الذي دفع للاقتراح بأنه (التعجل للنقد والانتقاد، والتعجّل للتشكيك..)!! راجع محضر جلستي 19 و20/6/1978 فإنك واجد فيها رأى بعض أعضاء المجلس عن هذا الموقف الغريب، المريب!!
وكل عناصر (الجبهة الوطنية) إنما تستغل مجلس الشعب كمنبر لعملها الدعائي وسط الشعب وفق مخططها لتقويض النظام!! فالدكتور عمر نور الدائم قد حاول أن ينقل كل محتويات كتاب الصادق (المصالحة الوطنية) نقلا يكاد يكون حرفيا، في جلسة المجلس يوم 5/12/1978، وذلك ليجد فرصته في تضليل الشعب عن طريق تلك الجلسة المذاعة.. وقد رأينا حافظ الشيخ وهو (يضغط) لاستعجال عرض منجزات لجنة تعديل القوانين على المجلس لتحريك الشعب في اتجاهها باسم تحكيم الشريعة تضليلا وتزييفا.

جامعة الخرطوم ومخطط الأخوان المسلمين لاحتواء السلطة


سيطرة الأخوان المسلمين على قيادة الحركة الطلابية
يشكل الوسط الطلابي مركز الثقل لنشاط تنظيم الأخوان المسلمين، فهذا التنظيم، كما رأينا في الجزء الثاني من هذا الكتاب، إنما يعوزهم الوجود السياسي بين صفوف المواطنين، مما اضطرهم الى التحالف مع الطائفية، والعمل تحت مظلتها، وفق مخطط واحد في السعي للسلطة، يتقاسمون معها ادوارها، لا سيما انهم هم والطائفية على وحدة في المنطلقات الفكرية.. وقد استطاع تنظيم الأخوان المسلمين أن يسيطر على اتحادات الطلاب في المدارس، والمعاهد، والجامعات، وان يستغل، عن طريق هذه الاتحادات، الحركة الطلابية في خدمة المخططات السياسية للطائفية، كما حدث في شعبان، وقد اوكلت (الجبهة الوطنية)، كما رأينا، أمر (تحريك) الطلاب للإخوان المسلمين، وذلك عند توزيع الأدوار بين عناصرها في مواجهاتها لنظام مايو.. كيف استطاع الأخوان المسلمون السيطرة على قيادة الحركة الطلابية بهذه الصورة؟؟ هذا ما سنحلله هنا..
يبدأ احتواء الأخوان المسلمين للحركة الطلابية منذ المدرسة الثانوية العليا.. وتأخذ عملية الاحتواء شكلين: تجنيد بعض الطلاب كأعضاء ملتزمين في التنظيم، وتكتيل بقية الطلاب حول حركتهم قيادة اتحادهم.. ويعتمد الأخوان المسلمون في ذلك على العوامل الآتية:
1) الظهور بمظهر الجماعة المتمسكة بالدين لاستقطاب عناصر الطلاب ذات النزعات الدينية..
2) يشرف على حركة الأخوان المسلمين بالمدارس معلمون من الأخوان المسلمين ويتعاطف معهم المعلمون ذوو الاختصاصات الدينية كمعلمي الدين، واللغة العربية..
3) يتبنى الأخوان المسلمون قضايا الطلاب في نزاعاتهم مع ادارات المدارس..
4) افتعال المصادمات مع ادارات المدارس، والسلطة، للظهور بمظهر البطولة الذي يثير اعجاب الطلاب في هذه المرحلة من العمر التي يغلب عليها روح التمرد، والرفض للسلطة، في كل اشكالها..
5) بروز الأخوان المسلمين كبديل للشيوعيين، مما يكسبهم تأييد سائر الطلاب المناوئين للشيوعيين..
6) فرض صور الارهاب على الطلاب من عنف، وتشهير..
7) السيطرة على المساجد، وكل المناشط ذات الصبغة الدينية في المدارس، كالجمعيات، والجرائد الحائطية..
8) وجودهم التنظيمي في الوسط الطلابي غير المنتمي تنظيميا يعطيهم فعالية الحركة، والتأثير..
9) تمجيد زعمائهم وابرازهم في صورة نضالية..
10) دعوة زعمائهم واشياعهم ليخاطبوا الطلاب بما يرّسخ اقدامهم في الوسط الطلابي.
هذه هي العوامل التي تهيئ لتنظيم الأخوان المسلمين الظروف لقيادة الحركة الطلابية في المدارس.. وهي نفسها العوامل التي يستغلها هذا التنظيم لمصلحته، الى ابعد حد، في المعاهد والجامعات.. مع الاخذ في الاعتبار ان هذه العوامل إنما تتجسد في المؤسسات التعليمية العليا بقدر ما يتاح فيها للطلاب من حرية التعبير، والحركة..
وسنرصد، فيما يلي، مواقف تنظيم الأخوان المسلمين في جامعة الخرطوم، كنموذج للمؤسسات التعليمية العليا، وذلك من التاريخ القريب، في هذه الجامعة، التي يديرون، عن طريقها، العمل التنظيمي في المدارس، والمعاهد، والجامعات الأخرى..

1- صور الوصاية على الطلاب:


أ- استطاع الأخوان المسلمون السيطرة على الاتحاد بعد تعديل اسلوب الانتخاب، من (التمثيل النسبي)، إلى (الحر المباشر)، عن طريق استفتاء الجمعية العمومية للطلاب.. فانفرد بذلك تنظيمهم بالاتحاد، وتنكر لبقية التنظيمات الاخرى.. وصاروا يردون مذكرات التنظيمات الاخرى التي ترفع لهم، بحجة انهم لا يعترفون بالتنظيمات السياسية، رغم وعودهم التي ينشرونها في برامجهم الانتخابية وعلى رأسها الاعتراف بالحقوق السياسية للتنظيمات.. وبانفراد الأخوان بالاتحاد صارت كل امكانيات الطلاب هي امكانيات الأخوان.. واستطاعوا بذلك ممارسة الوصاية على حركة الطلاب، فلم يسمحوا بقيام (الجمعيات الفكرية)، التي كانت قائمة قبلا، وفقدت التنظيمات بذلك فرصتها في استعمال (دار الطلاب) والقاعات المختلفة لمزاولة نشاطها، واصبحت كل هذه الاماكن حكرا للإخوان المسلمين وحدهم، مما اضطر تلك التنظيمات أن تركز كل نشاطها، من جرائد، ومعارض، ومحاضرات، وأركان نقاش في (قهوة النشاط) التي فشل الأخوان في ضمها لمملكتهم..
ب – ونسبة لاحتكار كل الامكانات، والوسائل، في الجامعة بواسطة تنظيم (الأخوان) فانت لا تكاد تسمع في المواسم الثقافية، والمحاضرات، والندوات التي ينظمها الاتحاد، غير الفكر الطائفي، السلفي، يستجلب له السلفيون، والرجعيون من خارج الجامعة، ومن خارج السودان أحيانا.. مما يجسد أبشع صور الوصاية على عقول الطلاب في محاولة يائسة لتوجيه ثقافتهم واهتماماتهم الوجهة التي يريدها تنظيم الأخوان المسلمين..
ج – ولقد بلغت وصايتهم على الطلاب حدا جعلهم يحددون لهم ما يقرأون، بعد ان استطاعوا ان يحددوا لهم ما يسمعون، فامتدت ايديهم لتخرج بعض الكتب وتبعدها من (دار الكتب) بالجامعة بحجة أنها كتب الحادية تضر بعقول الطلاب.. فهم بذلك إنما يقولون لقد قرأنا تلك الكتب ولأننا محصنون لم تضرنا ولكنّا نخشى على بقية الطلاب بالجامعة.. فأى وصاية أسوأ من هذه؟؟!!....

2- صور لاحتواء الطلاب


أبرز صور الاحتواء للطلاب التي يمارسها الأخوان المسلمون هي ظهورهم بمظهر المصادمة البطولية للإدارة، وللسلطة – كما سنرى بعد قليل. كما انهم، في هذه الاتجاهات الاحتوائية، يتقدمون، قبيل الانتخابات، ببرنامج براق من الوعود المطلبية، والسياسية، التي لا يعنون من ورائها سوى السعي لكسب اصوات الطلاب، بكل الوسائل، مهما بدت متهافتة، وكاذبة، ومتناقضة، أشد التناقض، مع دعاويهم الدينية.. وفى مثل تلك الايام يقيمون المعارض التي يتظاهرون فيها بالمواقف البطولية، والتاريخ النضالي، ويمارسون، في الندوات، والمحاضرات (الانتخابية)، أسوأ صنوف التهريج السياسي، والعمل الدعائي..
وفى هذا الاتجاه المتهافت لاحتواء الطلاب يسعون لتبنى كل النشاطات الفنية في الجامعة، وذلك للظهور بمظهر (متحرر) يرضى الطلاب، حتى ان اتحادهم ليقوم بالإشراف على الحفلات الغنائية التي تقدمها الجمعيات، ويصرف عليها من مخصصاته المالية بسخاء..
ومن هذه الوعود البراقة الكاذبة التي يتملقون بها عواطف الطلاب ما ورد في البرنامج الانتخابي للاتجاه الإسلامي في دورة 77/1978 (الصفحات 8، 9، 10) – ومنها:
1) العمل على اقامة مسرح على شاطئ النيل..
2) انشاء كافتيريا على النيل مجهزة بكل معدات الترفيه والترويح لكل الطلاب (لاحظ عبارة: بكل معدات الترفيه والترويح" المعممة التي يمكن ان تضم كل وسيلة ترفيه مهما خالفت الشريعة)
3) اقامة كول بكس في وحدات الجامعة المختلفة حتى يسهل للطلاب الاتصال بذويهم وهو مشروع جاهز وفى طور التنفيذ.
4) العمل على امتداد الدار وتوسيعها ونقل النشاط الطلابي اليها.
5) مشروع النشاط الكبير.. سيسعى الاتحاد بإذن الله لتحديث النشاط وتطويره بطريقة ترضى طموح الطلاب وليكون قاعة ضخمة تعكس فيها التنظيمات الطلابية نشاطاتها وسيكون النشاط المنبر والصوت المعبّر عن تطلعات الأمة بإذن الله والمرآة الصادقة للفكر الجامعي ومكانا للراحة والاستجمام. (الملاحظ ان اتحاد الأخوان المسلمين هذا لم يأت بكرسي واحد جديد لجلوس الطلاب دع عنك ان يكون "مكانا للراحة والاستجمام")
وفيما يتعلق بداخلية الطالبات جاء من هذه الوعود البرّاقة الكاذبة قولهم:
1) العمل على ان تكون الزيارة طوال الأربع والعشرين ساعة.
2) العمل على سحب الحرس الجامعي من الداخليات) انتهى
فإلى جانب ما في هذين الوعدين من اللامعقولية، اذ لا يزال الحرس الجامعي قائما على داخلية الطالبات، والطلاب، وعلى كل مرافق الجامعة، فانه دلالة واضحة على استعداد الأخوان المسلمين بالتضحية، وببساطة شديدة، بكل دعاويهم الدينية لتحكيم الشريعة، في سبيل كسب اصوات الطلاب والطالبات في الانتخابات.. والا فكيف يجوز لهم الوعد بإتاحة زيارة داخلية الطالبات في الساعة الثانية صباحا مثلا؟؟

3- صور لأعمال العنف مع الخصوم:


أ- أعلن اتحادهم عام 1975 مقاطعة امتحانات الملاحق، فلما لم تستجب القاعدة الطلابية لهذا القرار، وجلست للامتحان، دخلوا قاعة الامتحانات ومزقوا الاوراق في وجه الممتحنين، من زملائهم!! وقد بارك اتحادهم، في منشور له، هذا العمل!!
ب – قاموا بتحطيم معرض فرع الاتحاد الاشتراكي بالجامعة حول الوحدة الوطنية، واعتدوا على اعضاء الفرع بالضرب.
ج – اعتدوا، وهم مسلحون بالسيخ وارجل الكراسي، على ندوة لرابطة الفكر الجمهوري، بداخليات البركس، وذلك عام 1976، فصدهم الأخوان الجمهوريون، بصورة حاسمة، وقد كان ذلك بأن جردوهم من سلاحهم..
د – وتعددت حوادث اعتداءاتهم الفردية على مخالفيهم في الرأي، كالاعتداء على طالب من (الجبهة الديمقراطية) بداخلية شمبات، وعلى أحد طلبة كلية الطب بحجرته، وعلى أحد الأخوان الجمهوريين وهو يقود ركن نقاش، قبيل الانتخابات الاخيرة..
هـ - ومن أعمال العنف الكبيرة التي قاموا بها مؤخرا هجومهم على (كافتيريا) النيل الازرق، في وقت متأخر من الليل، وتحطيمها بحجة انه يقام فيها الرقص وتقدم الخمور!!
و – احتلوا مؤخرا مبنى شعبة من شعب الاقتصاد، بقيادة رئيس الاتحاد نفسه، بحجة حل أزمة السكن!!

4 - صور المصادمة للسلطة:


وكان اسلوب الأخوان المسلمين في مصادمة السلطة مثلا بليغا للإسفاف، والتهريج، اللذين لا يليقان بطالب جامعي.. فكان خطيبهم (ابن عمر) يردد (سنربط رقبة نميري بمصران جعفر بخيت)!! وظلوا يقودون الحركة الطلابية، من معركة خاسرة، الى معركة خاسرة، بخلق هذا الجو من الاسفاف، والتهريج، الذي لا يترك فرصة للتفكير والحوار.. فعندما ادعوا العمل على قلب نظام الحكم في شعبان جلبوا الخطباء من جهلة السياسيين، مثل آدم عبد القادر، ومضوى محمد احمد، ليحدث الطلاب عن ان (مايو في العيش ما كويس) ومحمود برات الذي قال (ان الديمقراطية والاشتراكية كفر) ... ثم جمعوا الطلاب، وخاطبهم رئيس الاتحاد (احمد عثمان مكي) مناديا (بحكومة "لا إله الا الله"، حكومة وطنية من عناصر غير حزبية ولم تتلوث بمايو).. وكان ذلك قصارى ما عندهم عن فكرة التغيير.. وقاد الأخوان المسلمون تعبئة الطلاب، وهم يهتفون بمكبرات الصوت (سقطت سقطت سلطة مايو)، ولكن المظاهرة سرعان ما تفرقت عند مواجهة الغاز المسيل للدموع!! الى هذا المستوى من الاسفاف، والتهريج، هبط تنظيم الأخوان المسلمين بالحركة الطلابية... أكثر من ذلك!! فقد قرر رئيس اتحادهم منع رئيس الدولة من افتتاح معرض كلية الطب!! فعرضوا الحركة الطلابية للامتهان، بعد ان تم الافتتاح الرسمي كما هو مخطط له.
ان مواقف الأخوان المسلمين في مصادمة النظام، تنفيذا لمخطط (الجبهة الوطنية) بخلق جو من الاضطرابات في البلاد، إنما جرّ على الحياة الجامعية، وبصورة مبررة، كثيرا من صور التقييد للحريات، كالاعتقالات، وتعطيل نشاط التنظيمات السياسية، واغلاق الجامعة... مع ان تلك المصادمات المفتعلة لم تعد بطائل، على الاطلاق، وانما وضعت الحركة الطلابية في موضع الاستخفاف امام الشعب.. ثم ان هذه الممارسات التي (يورط) فيها الأخوان المسلمون الطلاب، إنما تضر بقضية التربية، ابلغ الضرر.. كما ان تسخير الأخوان المسلمين للحركة الطلابية لمصلحة المخططات الطائفية خارج الجامعة، إنما عطل الطالب الجامعي عن دوره الأساسي في قيادة الحركة الفكرية، وفى الاصلاح الاجتماعي في البلاد..
ومن التناقضات التي يمارسها الأخوان المسلمون بالجامعة موقفهم من الاختلاط بين الطلاب والطالبات... فبينما تدعو أسس فكرتهم، كما رأينا في مقدمة الجزء الاول من هذا الكتاب، إلى عدم الاختلاط، فانهم هم يمارسون بالجامعة الاختلاط بصورة طبيعية في الدراسة، وفى كل نشاطات الجامعة، ويرشحون الطالبات من تنظيمهم لعضوية الاتحاد (لكنهم تظاهرا بالمظهر الإسلامي الزائف لا يظهرون صور مرشحاتهم على أوراق الدعاية الانتخابية أسوة ببقية المرشحين من الطلاب!!).. ويضم المجلس الأربعيني اليوم عضوية نسائية من تنظيمهم تجتمع مختلطة مع بقية الاعضاء!! وقد خرجت عقب الانتخابات الاخيرة مظاهرة للأخوات المسلمات تجوب الشوارع بالهتاف!!