إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الثالث والأخير

جامعة الخرطوم ومخطط
الصادق، والترابي، لاحتواء السلطة:


وتشكل جامعة الخرطوم ركنا هاما من أركان مخطط الصادق، والترابي، لاحتواء السلطة.. فحرص الأخوان المسلمين على السيطرة على اتحادها إنما هو لاستخدامه كعامل ضغط على السلطة، و(كرت) مساومة لكسب مواقع النفوذ فيها، بغية احتوائها.. إذ أن الجامعة تمثل قيادة الحركة الطلابية في البلاد، والحركة الطلابية والحركة العمالية إنما تشكلان عنصري ضغط على السلطة في أي بلد.. ولذلك حرص الأخوان المسلمون، ايضا، على احتواء اهم مراكز ثقل الحركة العمالية – وهو نقابة عمال السكة الحديد، كما اسفرت عن ذلك نتيجة الانتخابات الاخيرة..
ولذلك يدعى الترابي ان تنظيم الأخوان المسلمين بالجامعة (الاتجاه الإسلامي) يتمتع باستقلال الحركة عن تنظيم الأخوان المسلمين العام، وذلك حتى يكسب له شرعية الحركة، خارج إطار المصالحة الوطنية، لتشكيل الضغط على السلطة.. فلما سئل، في التحقيق الصحفي معه بجريدة الايام بتاريخ 21/8/1978: (ما مدى صحة الحديث حول اختلاف الأخوان في المصالحة، والمشاركة، وبالتحديد أود أن أسأل عن "الاتجاه الإسلامي" بجامعة الخرطوم؟؟) قال الترابي: (اما الاتجاه الإسلامي بالجامعة فهو تاريخيا يجمع الأخوان والطلاب الإسلاميين عامة.. وظل يشكل حركة موصولة بالحركة الإسلامية فكرا، ولكنها مستقلة حركة، لأن العمل في مرحلة تربوية ينبغي الا ينصب في قالب جامد يعوق البحث الفكري والاجتهاد السياسي).. فالترابي أراد، بذلك، أن يبرر بقية المعارضة التي يمارسها تنظيم الأخوان المسلمين بالجامعة للنظام، بغية الاحتفاظ بتأييد الطلاب الذين عودهم على معارضة النظام على طول المدى، وعدم ترك مجال المعارضة للشيوعيين وحدهم خوف ان يكتسبوا الحركة الطلابية الى جانبهم.. وكيف يجوز على أحد الادعاء بأن تنظيم الأخوان المسلمين بالجامعة كان مستقلا، في حركته، عن التنظيم العام للإخوان المسلمين، وهو كما رأينا إنما كان، في المواجهات مع السلطة، ينفذ دوره الذي حددته له (الجبهة الوطنية)، تنفيذا دقيقا، وهو (تحريك) الطلاب لمصادمة النظام – كما رأينا؟؟ والترابي، بذلك، إنما يطالب لتنظيم الأخوان المسلمين بالجامعة بنوع من الحركة غير مرتبط بالمصالحة الوطنية بحجة واهية هي (أن العمل في مرحلة تربوية ينبغي الا ينصب في قالب جامد يعوق البحث الفكري والاجتهاد السياسي)!! فالعمل في هذه المرحلة التربوية إنما يقتضي الالتزام الأخلاقي بالسياسات المعلنة كالمصالحة الوطنية.. ثم!! أي (بحث فكري) وأي (اجتهاد سياسي) كان يمارسه تنظيم الأخوان المسلمين بالجامعة؟؟ ومما يؤكد رؤية الصادق، والترابي، المشتركة لدور تنظيم الأخوان المسلمين في الجامعة، في مخطط احتواء السلطة، رأى الصادق في انه قد (تمت انتخابات حرة نسبيا)، في جامعة الخرطوم، مؤخرا، وذلك في كتابه (المصالحة الوطنية) – صفحة 15.. فالصادق إنما يعلق اهمية خاصة على نتيجة الانتخابات هذه، مما يثير كثيرا من الريب..
والترابي، إذ يدعو الطلاب بالجامعة إلى الدخول في الاتحاد الاشتراكي بقوله: (ادخلوا فيه فنحن لا ننطوي على تدبير مكر، ولا نخفى شيئا ونبدي شيئا، ادخلوا فيه وغيروه – وبهذا الاخلاص يمكن أن نؤسس نظاما على اصالتنا الإسلامية)، إنما يكشف عن مخططه، تماما، لاحتواء النظام ريثما يتم تحويله إلى نظام يسيطر عليه الأخوان المسلمون.. فهو لا يعنى (بالأصالة الإسلامية) غير دعوة الأخوان المسلمين!! وتدبير المكر، واخفاء شيء وابداء شيء، الذي ينطوي عليه الترابي هو الذي جعله يسارع إلى نفيه عن نفسه!! (يكاد المريب يقول خذوني)!! فاذا كان لا يدبر مكرا، ولا يخفى شيئا، ويبدى شيئا، فلماذا لا يحل تنظيم الأخوان المسلمين في الجامعة، وغيرها، طالما انه يدعو الطلاب، بهذه الحرارة المفتعلة، إلى الاتحاد الاشتراكي كتنظيم واحد جامع؟؟ لماذا لا يحل (الاتجاه الإسلامي) بالجامعة ليضمه لفرع الاتحاد الاشتراكي بها، حتى يكون منطقيا مع نفسه، وهو أحد مساعدي الامين العام للاتحاد الاشتراكي؟؟ الحقيقة انه يريد بقاء تنظيم الأخوان المسلمين خارج الاتحاد الاشتراكي ليستخدمه كعامل ضغط ومساومة مع النظام.... أكثر من ذلك!! فانهم يريدون احتواء النظام دون ان يفرطوا في احتواء الحركة الطلابية، لان احتواء الحركة الطلابية هو صمام امانهم، ورصيدهم السياسي في مصالحتهم ومشاركتهم للنظام!!
-

بيان اتحاد الجامعة


والبيان الذي اصدره اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، الذي يسيطر عليه الأخوان المسلمون، تحت عنوان (في الذكرى الثالثة والعشرين للاستقلال)، بتاريخ يناير 1979، إنما يشير، بوضوح، الى الدور الذي يلعبه هذا التنظيم بالجامعة في إطار المخطط الطائفي لاحتواء الشعب، والسلطة..
وقدّم بيان الأخوان المسلمين هذا التقويم للحركة الوطنية: (ولدت الحركة الوطنية – مؤتمر الخريجين – لينة القناة، هشة الجانب) ... (وقمة ادبها في عالم المجاهدات المنشورات، وكلمات صحفية ملتهبة، ومظاهرات، وزيارات خفيفة للمعتقلات، فكان طبيعيا أن يكون حظها في مجابهة مشاكل ما بعد الاستقلال الفشل التام اذ أنها ذرية ضائعة لأب غير شرعي هو الاستعمار)!! هذا هو تقويم الأخوان المسلمين للحركة الوطنية!! والأخوان المسلمون هم آخر من يقدم هذا التقويم للحركة الوطنية، فقد نعينا – نحن الأخوان الجمهوريين – على الحركة الوطنية – (حركة الاحزاب السياسية) – الذيلية للطائفية، وانعدام المذهبية، وعزونا فشلها في مجابهة مشاكل ما بعد الاستقلال الى تبعيتها للطائفية، ولم يكن تنظيم الأخوان المسلمين، وعلى طول المدى، الا ذيلا للطائفية، وذلك، كما رأينا في حملة الدستور الإسلامي المزيف قبل مايو، وفى حوادث الجزيرة أبا عام 1970، وفى الغزو الأجنبي عام 1976.. ثم رأينا، في اجزاء هذا الكتاب الثلاثة، صورا غريبة من التناقضات، والمفارقات للدين التي يتورط فيها هذا التنظيم، مما يدل على الخواء الفكري، وانعدام المذهبية.. والحقيقة ان خطر الأخوان المسلمين على البلاد، وعلى الدين، إنما هو أكبر بكثير من خطر الطائفية التقليدية.. فهو، مثلها، جهل يستغل الدين في الأغراض السياسية، ولكنه جهل منظم ونشط، يحتوي المنظمات والمؤسسات الحديثة، ويضلل الشعب بإثارة العاطفة الدينية، ويفرض على الخصوم السياسيين الارهاب الديني.. ثم ما هو رصيد الأخوان المسلمين النضالي في الحركة السياسية في بلادنا؟ أليس هو الغزو الأجنبي الذي مولته دولة اجنبية ليفجع النساء والاطفال في ذويهم من ابناء الوطن الواحد والدين الواحد؟؟ وذهب البيان ليعبر عن النقد التقويضي لنظام مايو الذي يمارسه الأخوان المسلمون وفق مخطط الاحتواء.. وهو لا يرى لهذا النظام اية فضيلة.. فقال: (يطل علينا هذا العام وخريطة السياسة هي هذه، يسودها القلق والاضطراب والتوجس، ونحن، معشر السودانيين، نطمع من بعد ذلك ورغم كل ذلك في الوحدة والاستقرار والسلام لنا ولمن حولنا. فماذا فعلنا من أجل الوحدة؟؟ وماذا فعلنا من أجل السلام؟؟) فالإخوان المسلمون، هن، يغفلون ما حققه هذا النظام من وحدة وطنية بين الشمال والجنوب، ومن سلام بعد حرب أهلية دامت سبعة عشر عاما!! ويمضي البيان ليتحدث عن المصالحة الوطنية، وهو يشكك في نوايا النظام نحوها بقوله: (وهل ما فعلناه من اجل الوحدة الوطنية ينهض للتحدي المذكور ولا يجعلها ترتد إلى اداة استقطاب سالبة تمتص القدرات، وتحيّد الطاقات المصطرعة فتؤدى اما لسكون قاتل، أو لتشكّل مجهول الهوية؟؟)..
فالأخوان المسلمون يخشون من أن تتحول المصالحة الوطنية الى (أداة استقطاب)!! استقطاب عناصر (الجبهة الوطنية) إلى نظام مايو!! ويسمى ذلك استقطابا سالبا!! ولكن!! ألم يدخل الأخوان المسلمون في المصالحة الوطنية وهم يقسمون قسم الولاء لنظام مايو بمؤسساته ومواثيقه القائمة؟؟ وعلى أي أساس يدعو مرشد الأخوان المسلمين العام الطلاب، وجماهير الشعب للانخراط في عضوية الاتحاد الاشتراكي؟؟ البيان، بذلك، إنما ذهب ليبرر بقاء الأخوان المسلمين، بجانب دخولهم الى الاتحاد الاشتراكي، في تنظيم مستقل عنه، حتى لا يكون الاتحاد الاشتراكي، بالنسبة لهم، (أداة استقطاب سالبة تمتص القدرات، وتحيّد الطاقات المصطرعة)!! في الحقيقة أن الأخوان المسلمين يريدون أن يظل تنظيمهم قائما حتى يشكلوا به عنصر ضغط على السلطة، وهو يسيطر على الاتحادات، والنقابات، وذلك في إطار مخطط الاحتواء للشعب، وللنظام!!
ونادى البيان بأحداث ثورة جديدة!! فقال: (في يقيننا انه لا بد من يقظة جديدة، وثورة سياسية تعقبها أخرى ادارية، فثقافية وفنية، ثورة تقضى على البيروقراطية واسبابها، وروتين المكاتب، ودول المدراء التي اصبحت امبراطوريات تحكمها الرشوة والمحسوبية، وأقلها التسيب والاهمال واللامبالاة، وباطنها الأبّهة والصرف دون حسيب)!! هذه الدعوة المظهرية للتغيير إنما هي مقصود بها إلى اظهار النظام بمظهر العجز عن الاصلاح، فهو نفسه، عندهم، يحتاج إلى ثورة!! ذلك، وهم يطرحون أنفسهم كبديل اصطلاحي جاهز!! ولكنهم لم يقدموا شيئا من معالم تلك الثورات المتعاقبة: (ثورة سياسية تعقبها أخرى ادارية، فثقافية وفنية)!! وهذا التمويه مقصود!! القصد هو استغلال بعض مظاهر الفساد، هنا وهناك، وهي مظاهر مردّها إلى أزمة اخلاقية عامة، لكي يبرزوا هم كحملة انقاذ!! الخطير في هذه الدعوة العريضة انها تتمسح بمسوح الإسلام، وتنتحل شعار تحكيم الشريعة!! هذا مع أن الأخوان المسلمين يشكلون نقيضا صريحا للإسلام، وتزييفا بشعا للشريعة كما رأينا من قتلهم ابناء وطنهم، ودينهم، في سبيل السعي الى السلطة!!
ثم يدعي الأخوان المسلمون، أنكر دعاويهم، على الاطلاق!! وهي دعوى الحرية!! فقد قالوا: (والثورة التي نعنيها من أولى مقوماتها الحرية، ودون الحرية لا بد من فتح المنافذ، وهل يعقل أن يتنفس بلد في الخمس الأخير من القرن العشرين بقوة صحيفتين بل قل نشرتين الواحدة تغنى عن الأخرى؟ وهل يمكن أن يحدث تجديد ثقافي وانتعاش فني ورقي فكري من خلال اذاعة وتلفاز مثقلتين باللوائح وحبيستي سياج وزاري؟؟) هكذا يريد الأخوان المسلمون أن يظهروا للشعب، عامة، وللمثقفين، خاصة، كدعاة للحرية، منافحين عنها، ومصادمين في سبيلها، وذلك في إطار مخططهم لاحتواء الشعب، ثم ليحصلوا، من خلال هذه الدعوة المزيفة للحرية على مواقع نفوذ، في هذه الاجهزة الاعلامية!!
هذا والبيان إنما هو صادر من تنظيم الأخوان المسلمين الذي يستغل موقعه في جامعة الخرطوم ليمارس الضغط على السلطة، وليحقق الكسب السياسي لدى الشعب... فمتى كان تنظيم الأخوان المسلمين في الجامعة منفصلا، في حركته السياسية، عن تنظيم الأخوان المسلمين العام؟؟ ولقد رأينا في كتابنا هذا دور هذا التنظيم في تحريك الطلاب لمعارضة النظام في مخططات (الجبهة الوطنية)، وعلى الأخص دورهم في أحداث شعبان، وفى الغزو الأجنبي الاخير..
ان كل من له أدنى حظ من الوعي السياسي ليدرك مدى كبت الأخوان المسلمين للحريات، واتجاهاتهم الارهابية، ووسائلهم غير الديمقراطية.. وحملة حل الحزب الشيوعي المفتعلة، قبل مايو 1969، اول الدلائل على موقف هذا التنظيم المعادي للحريات، المستهتر بحقوق المواطنين الاساسية. فقد استغلوا حادث معهد المعلمين الشهير، بأن أوّلوا اقوال أحد الطلاب السيئة في العرض النبوي الشريف، في محاضرة قدمتها إحدى الاخوات المسلمات، ليوحوا بأنها عمل منظم من الحزب الشيوعي ضد الإسلام، فخرجوا في مظاهرات معبأة، ومنظمة، ومسلحة بالعصى، وفروع الشجر، فأثاروا العواطف الدينية لدى المواطنين، وذلك حتى يبدو حل الحزب الشيوعي كمطلب شعبي عاجل.. هذا مع ان حل الحزب الشيوعي كان مخططا مرسوما من مخططاتهم، حتى ولو لم يقع ذلك الحادث... قالت جريدة (الميثاق) الناطقة باسمهم يوم 14/11/1965: (أن حل الحزب الشيوعي المقيم في السودان هو هدف رئيسي ودائم من اهدافنا وليس مقيدا بالأزمة الراهنة)!! فالأخوان المسلمون قد اختلقوا تلك الازمة اختلاقا للوصول الى هذا الهدف (الرئيسي والدائم)!! وأصدروا منشورا يحرّض على الفتنة الدينية بصورة غير مسئولة، وغير كريمة، على الاطلاق!! ونشرته جريدة الميثاق يوم 14/11/1965، وعنوانه: (يا أتباع محمد دافعوا عن رسولكم!!) وقد اشارت الجريدة الى انه قد: (وزعت منه كميات كبيرة في كل مساجد العاصمة عقب صلاة الجمعة)!! – وفى هذا الجو من الاثارة الدينية، والارهاب الديني، الذي حرّك فيه الأخوان المسلمون العواطف الدينية بالخطب، والمظاهرات، والمنشورات، قادوا جماهير الاحزاب الطائفية، المعبأة لتحيط بالجمعية التأسيسية، ولتمارس عليها الضغوط الارهابية، حتى تصدر قرارها بحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. ومن داخل الجمعية قاد الأخوان المسلمون حملة ضارية لاستقطاب النواب إلى هذا القرار، فاشتركوا في تقديم اقتراح تعديل الدستور لهذا الغرض، وقدم الترابي اقتراح طرد النواب الشيوعيين من الجمعية (ارجع الى الجزء الثاني من هذا الكتاب).. ثم كان المرشد العام للإخوان المسلمين، الدكتور الترابي، أحد العوامل الرئيسية في خلق، وتفاقم، الازمة الدستورية التي تلت ذلك، بعد ان اصدرت المحكمة العليا قرارها ببطلان حل الحزب الشيوعي، فأصدر كتابه (اضواء على المشكلة الدستورية)، الذي اتجه الى تسفيه قرار المحكمة بصورة لم يتعرّض لها القضاء السوداني من قبل!! فقد قال، في ذلك الكتاب، وقد أسبغ على الجمعية التأسيسية ذلك الحق الإلهي للملوك الذي خلّفته البشرية منذ عهود الانحطاط، والذي جاء الإسلام ليبطله، تشريعا، وتربية.. قال: (وبحكم هذه الحاكمية غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق، لا تضاهيها هيئة أخرى، ولا يراجعها رقيب، ولا يحدها ضابط قانوني)!! هكذا مرّغ الترابي حرمة القضاء، واستقلاله، في الوحل!! وذلك بعد ان انتهك الحقوق الأساسية في الدستور أبشع انتهاك!! أسوأ من ذلك!! فان هذا التنظيم، بهذا الموقف المعادي، المستهتر بالحريات، الذي يؤلب فيه المواطنين وينظمهم في مظاهرات، مسلحة بالعصى، وبفروع الشجر، وهم في قمة الاثارة الدينية، ليطالبوا، في صورة المطلب الشعبي الضاغط، بتعديل مادة الحريات الاساسية في الدستور ليحرموا فئة من المواطنين من حقهم في التعبير، والتنظيم!! إن هذا التنظيم، بهذا الموقف، إنما يسيء، أبلغ الاساءة، إلى التربية الديمقراطية لهذا الشعب، ويحجب عنه، وباسم الدين، كل منافذ الوعي السياسي والديني... هذا التنظيم هو اعدى اعداء الحرية.. ولذلك فهو آخر من يتحدث عن الحرية، ويتباكى عليها، بهذه الصورة المكشوفة، المغرضة، السيئة الغرض!!
وأخيرا ختم بيان الأخوان المسلمين دعاوى الحرية الزائفة بدعواه الدينية الزائفة ايضا: (ويسعدنا أخيرا أن نحتفل بذكرى استقلالنا ونحن نستشرف وعد رسولنا بتجديد دين الله وتمكينه) ... وكأنهم أوصياء على دين الله!! وهم الذين يشوهون دين الله أنكر تشويه بهذا الاستغلال السيء له في الأغراض السياسية!!

الترابي والصادق بين المصالحة والاحتواء


وجد الصادق والترابي، في المصالحة الوطنية، فرصة اخيرة سانحة لاحتواء نظام مايو بغية الاطاحة به.. وذلك عن طريق سرقة مكتسباته الوطنية، كحل مشكلة الجنوب، وانجازات التنمية، بعد اضفاء صبغة زائفة من الاصلاح عليها... ثم وراثة شكل التنظيم الواحد، بعد ادخال صور مزيفة للديمقراطية عليه، ذلك بعد فشلهما في الحياة السياسية الحزبية قبل ثورة مايو، كما رأينا من نتائج انتخابات الجمعية التأسيسية، الاولى، والثانية، لا لسبب ما يدعيانه من خروج على الطائفية، وانما بسبب طموحهما السياسي العريض في الوصول الى السلطة، بكل سبيل، وبأي سبيل.. فهما طائفيان، تصورا، وممارسة، وقد تحالفا كحزبين طائفيين، مع الاحزاب الطائفية الاخرى، في محاولة فرض الدستور الطائفي الذي ادّعيا له الصفة الإسلامية، وفى تصفية خصوم الطائفية السياسيين، وفى كل المواجهات الدموية التي خاضتها الطائفية ضد نظام مايو، حتى (المصالحة الوطنية) الحاضرة..
ويمتد الطموح السياسي العريض بالصادق، والترابي، الى التخطيط لأن يخلفا هذا النظام، بعد احتوائه، وذلك بعد ان غاب كافة خصومهم السياسيين التقليديين عن الحياة السياسية العامة.. ومن ههنا دعوة الصادق والترابي في ميثاق الجبهة الوطنية، إلى (التنظيم الواحد الجامع)، الذي يخططان له ليخلف الاتحاد الاشتراكي!!
ورأس السهم في هذا المخطط، كما قلنا، هو استغلال الدين في تضليل الشعب، وفى احكام عملية الاحتواء، بادعاء العمل على: (إسلامية التشريع) كما يقول الصادق، أو: (المنهج الإسلامي) كما يقول الترابي..