إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بيننا وبين محكمة الردة

المدعي الثاني – الشيخ حسين محمد زكي
((عن جريدة الرأي العام))


أما المدعي الثاني فأمره عجب، فهو ينغمس في مستويات من التشويه، والتضليل، تجلب العار لأقل الرجال احتفالا بأمر الأخلاق..
هو يقول عني: (يقول السيد محمود محمد طه في كتابه ((الرسالة الثانية من الإسلام)) صفحة 87 النص الآتي:- ((وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.
والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة")) ويقف عند هذا الحد من النقل عن كتاب ((الرسالة الثانية من الإسلام)) من صفحة 87، ثم يذهب ليقول عني (فهو يصف الله تعالى بالحقد) ولو كان هذا الرجل أمينا، أبسط أنواع الأمانة، لوفر على نفسه هذه الهلكة التي تورط فيها إلى أذنيه: إن النص يقول: ((والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا)) ((أنظر الرسالة الثانية من الإسلام)) صفحتى 87 و 88 الطبعة الثانية..
ويقول المدعي الثاني عني: (ويقول السيد محمود محمد طه في كتابه ((الرسالة الثانية من الإسلام)) في صفحة 90 النص الآتي: ((ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله)) ويقف هنا عن النقل ليذهب ليقول عني: (فهو بذلك يدعو إلى مذهب الحلول، وهو مذهب إلحادي معروف. فكيف ينسلخ الفرد من بشريته حتى يكون الله؟ وبهذا لا يكون الله واحدا فردا صمدا، فهو متعدد وهذا كفر، يقول الله تعالى ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم)) وقال تعالى ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) فاذا كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة فمن باب أولى من قالوا بملايين الله.. ومن المعلوم ضرورة أن الله واحد فرد ليس بجسم ولا عرض ومن أنكر شيئا معلوما من الدين ضرورة فهو كافر مرتد) هذا ما قاله هذا الرجل في خطبة ادعائه أمام المحكمة، ولو كان هذا الرجل أمينا في أبسط حدود الأمانة لوفر على نفسه، وعلى المحكمة، هذه الهلكة التي تورط فيها.. فإن النص يقول.. ((وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيرا محضا، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.
((ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله.
((وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه: ((كل يوم هو في شأن)) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال ((تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) وقد قال تعالى: ((كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)) فهل من يقرأ مثل هذا القول، وهو رشيد، يمكن أن يتهم قائله بمثل هذه التهم التي يذيعها الشيخ المدعي؟ إن هذا الأمر لا يظهر جليا مبلغ التضليل فيه، وسوء الفهم من جانب المدعي، الا إذا راجع القارئ بدقة الحديث بتطويل في كتاب ((الرسالة الثانية من الإسلام)) فنرجو ذلك..
وهناك صور من سوء الفهم، وسوء التخريج تجعل الانسان في حيرة من أمره.. هل هذا الرجل جاد؟ هل هو عاقل؟ هل هو مسئول اذ يتحدث أمام المحكمة في خطبة ادعاء يتهم فيها مسلما بالردة، بمثل هذا الجهل الشنيع.. خذوا مثلا لذلك قوله عني: ((ويقول السيد محمود محمد طه في كتابه ((الرسالة الثانية من الإسلام)) في صفحة 122 النص الآتي: ((ولقد قيل أنه لما نزل قوله تعالى - الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون - قال النبي - قيل لي أنت منهم - والنبي ليس من المؤمنين، وإنما هو أول المسلمين)) ويقول في صفحة 148 من نفس الكتاب النص الآتي: ((ولقد كان محمد يومئذ طليعة المسلمين المقبلين، وهو كأنما جاء لأمته - أمة المؤمنين - من المستقبل، فهو لم يكن منهم فقد كان المسلم الوحيد بينهم - قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين - ولقد كان أبوبكر، وهو ثاني اثنين، طليعة المؤمنين.. وكان بينه وبين النبي أمد بعيد)) انتهى ما نقله عني ثم يذهب يخرج منه قوله عني (فهو بذلك ينفي عن الرسول الإيمان ويثبت له الإسلام ونفي الإيمان وثبوت الإسلام هو من صفة المنافقين ويشهد لذلك قوله تعالى ((قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم.)) ومن المعلوم أن الرسول بين الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره)) وبين الإسلام فقال: ((الإسلام أن تشهد الا اله الا الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت اليه سبيلا)) ولم يبين إلا إسلاما واحدا وإيمانا واحدا وبهذا يكون الإيمان التصديق بالقلب والإسلام العمل بالجوارح فكل من صدق عليه الإيمان صدق عليه الإسلام الذي عناه الله بقوله – ((ان الدين عند الله الإسلام)) – وليس كل من صدق عليه الإسلام صدق عليه الإيمان والإسلام والإيمان متداخلان وإذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين فكيف يكون أولى بهم من أنفسهم والله تعالى يقول ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) وإذا لم يكن منهم فكيف يكون رسولهم وكيف يكونون أمته والله تعالى يقول ((انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم المفلحون)) وقال تعالى ((آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون الخ)) هذا ومن المعلوم ضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين وهو أول المسلمين المؤمنين ومن أنكر شيئا من الدين علم بالضرورة فهو كافر مرتد)
هذا الرجل يقول عني، وبكل بساطة ((فهو بذلك ينفي عن الرسول الإيمان ويثبت له الإسلام ونفي الإيمان وثبوت الإسلام من صفة المنافقين.)) فهل يوجه هذه التهمة لرجل رجل فيه مسكة عقل، أو بقية دين؟؟ ثم هو نقل، فيما نقل، أعلاه قولنا عن النبي الكريم، ((قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)) فهل من تنطبق في حقه هذه الآية الكريمة يكون منسوبا إلى النفاق؟؟ أم أن هذه الآية يقصر عنها المؤمن ولا يسمو إلى مقامها الا المسلم؟؟ ((قل أن صلاتي)) يعني عبادتي من شهادة وقيام وصيام وزكاة و((نسكي)) يعني حجي وتقربي بالقرابين و((محياي)) يعني منشطي، ومكرهي، وصحتي، ومرضي و((مماتي)) يعني في البرزخ، وفي النار، وفي الجنة. كل أؤلئك ((لله رب العالمين)) خالصا ((لا شريك له)) هل يكون من هذه صفته مؤمنا فقط أم أنه ((أسلم وجهه لله وهو محسن، واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا؟؟))
ثم أنه نقل، فيما نقل، أعلاه قولنا: ((ولقد كان أبو بكر وهو ثاني أثنين في طليعة المؤمنين وكان بينه وبين النبي أمد بعيد)) فما معنى هذا القول؟؟ هل يعني هذا الأمد البعيد بين النبي وبين أبي بكر، وهو طليعة المؤمنين، أن النبي دون أبي بكر، فيكون أبو بكر طليعة المؤمنين، والنبي منسوبا إلى النفاق؟؟ اللهم إن هذه غثاثة نستغفرك للخوض فيها، ولكن اضطرنا لها رجال لا يرجون لك وقارا..
والمدعي الثاني الشيخ حسين محمد زكي جمع إلى الجهل بالدين، والى قلة الذكاء الفطري، قلة الامانة، بل الخيانة العلمية، بصورة يصعب على الانسان تصورها، فهو لو لم يتوخ التشويه في النقل لوجد من وضوح الأمر في كتاباتنا ما يحول بينه وبين هذه الهلكات التي يتردى فيها في كل خطوة من خطوات سيره المتعثرة.. ففي صفحة 122 من ((الرسالة الثانية من الإسلام)) التي نقل منها نقلا مخلا جاء النص هكذا: (ولما نزل قوله تعالى ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)) شق على الناس فقالوا: ((يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟)) فقال (إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح؟ ((يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم)) إنما هو ((الشرك)) ) فسري عنهم، لأنهم علموا أنهم لم يشركوا مذ آمنوا.. والحق أن المعصوم فسر لهم الآية في مستوى المؤمن.. وهو يعلم أن تفسيرها في مستوى المسلم فوق طاقتهم، ذلك بأن ((الظلم)) في الآية يعني الشرك الخفي على نحو ما ورد في آية سر السر ((وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاب من حمل ظلما)) وقد وردت الإشارة إليها.
ولقد قيل أنه لما نزل قوله تعالى ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)) قال النبي ((قيل لي أنت منهم)) والنبي ليس من المؤمنين، وإنما هو أول المسلمين: ((قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)) هذا هو ما قلناه في صفحة 122 من ((الرسالة الثانية من الإسلام)) الطبعة الثانية.. فهل من يقول مثل هذا القول يمكن أن يتهم بمثل ما اتهمنا به هذا الرجل الدعي، رقيق الدين، ضعيف العقل والخلق ؟؟