إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أنقذوا الشباب
من هذا التنظيم الدخيل

الدستور الإسلامي المزيف في الستينات


إن الدعوة المزيفة للدستور الإسلامي، التي تطل برأسها في هذه الأيام تحت ما يسمى بتعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية، او ما يسمى (النهج الإسلامي)، هذه دعوة ليست بجديدة، وإنما هي نغمة ظلّ يرددها السلفيون، من اخوان مسلمين وطائفيين، منذ عهود حكم أحزاب الطائفية.. وهم قد كانوا، وما يزالون، يريدون التوسل بها لامتلاك السلطة..
ولقد واجه الجمهوريون تلك الدعوة الخادعة مواجهة حاسمة، وكشفوا زيفها، وبطلانها، منذ بروزها في منتصف الستينات.
ولقد أسمى الجمهوريون ذلك الدستور الذي تبنته الطائفية وأحزابها (الدستور الإسلامي المزيف).. وفي سبيل كشف ذلك الزيف أقاموا، ضمن ما أقاموا، وما قّدموا، (اسبوع مناهضة الدستور الإسلامي المزيف)، حيث كثفوا العمل في ذلك الاسبوع بالمحاضرات، والمنشورات، والمقالات الصحفية، التي تدحض دعوى السلفيين، وتبين للناس الأغراض السياسية المستترة وراءها.

أزهري والدستور الإسلامي:


ومن ضمن تلك المواجهة من الجمهوريين للطائفية، وللأحزاب السلفية، نورد عن جريدتي الرأي العام، والصحافة خبرا، وتعليقا على خطبة المرحوم السيد اسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة في ذلك الوقت..

خطبة أزهري:
قالت جريدة الرأي العام، بتاريخ 25/12/1968م: (.. هذا وكان السيد إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة قد ألقى خطابا عقب صلاة العيد في ميدان عبد المنعم حيث أعلن أنه يعمل على أن يكون للبلاد دستور إسلامي، كما انه سيعمل على أن تكون كلمة القضاء الأولى للقضاء الشرعي، وليس المدني)..

تعليق الجمهوريين عام 1968م:
ولقد تناول الجمهوريون هذه الخطبة، في حينها، ناقدين لها، ومبينين خطورتها.. وفي ذلك تقول جريدة الصحافة 25/12/1968م:
(جاءنا التعليق التالي من الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري: لقد جاء خطاب السيد الأزهري في الوقت المناسب، وعلى المثقفين الحادبين على مستقبل هذا الشعب أن يوسعوا هذا الخطاب العجيب شرحا، وتعليقا، وعليهم الا يدعوه يغيب عن بال الشعب..
إن هذا الخطاب تحتوشه الأخطاء من جميع اقطاره، وتجري في جميع عباراته، وهو خير دليل على مبلغ الجهل الذي يتمتع به من يوجهون مصير هذا البلد المنكوب..
وسيكون هذا الخطاب العجيب بداية انطلاقة لإرادة التغيير التي بدأت تظهر من الشعب السوداني منذ حين للتخلص من أوضاع فاسدة، جاهلة، رزح تحت أعبائها عقدا كاملا من الزمان.) انتهى.
هكذا جاء تعليق الجمهوريين في حينه.. ولقد قيض الله لهذا الشعب، بالفعل، أن يكون ذلك الخطاب، بما أتاحه من يقظة، بداية لإرادة التغيير..

اجتماع القصر:


إن زيف دعوة الطائفية للدستور الإسلامي لم يكن ليحتاج لإعمال فكر، وإنما هو ظاهر، ومكشوف، ويكفي للتدليل على ذلك أن الطائفية بكل استغلالها للناس، وبكل امتصاصها لعرقهم، ولجهدهم، قد تزعمت تلك الدعوة، ولقد كاد قادة الطائفية، الهادي المهدي على وجه التحديد، أن يحكموا قبضتهم على هذا البلد، باسم الدين، لولا فضل الله، ثم لولا الجهد الذي بذله الجمهوريون في التوعية، والتعبئة ضد كيد الطائفية، وضد الدستور الإسلامي المزيف، حتى قيض الله ثورة مايو، في ساعة الصفر، لتسحب البساط من تحت ارجل الطائفية، وتحول بينها وبين الشعب..
ففي شهر مايو عام 1969م، شهر الثورة نفسه، اجتمع السلفيون في القصر الجمهوري، عندما أيقنوا أن الوعي بزيف دعوتهم للدستور الإسلامي قد تصعد، وسط المثقفين، بالصورة التي وضح منها أن هذا الدستور لن يمرر من خلال الجمعية التأسيسية، فدبّروا أمرهم ليتجاوزوا عقبة الجمعية التأسيسية، بأن يعرضوا مسودة (الدستور الإسلامي المزيف) في استفتاء عام، وهم يعلمون، بطبيعة الحال، حب سواد شعبنا للدين، وتأييده، الفطري لكل داعية له، مما يضمن لهم فوز الدستور الإسلامي المزيف بواسطة الاستفتاء العام.
والسطور التالية، المنقولة من جريدة الصحافة، تكشف عن ذلك المخطط الذي دبّره، بليل، زعماء الطائفية وأعوانهم من السلفيين..

بيان زعماء الطائفية:


الصحافة 8/5/1969: (أصدر الحزبان المؤتلفان البيان التالي حول مفاوضاتهم التي تمت مساء أمس الأول بالقصر الجمهوري:
(اتفق الحزبان على أسس الدستور الرئيسية على أن تقدم مسودة الدستور للجمعية في شهر يوليو 1969 بحيث تتمكن الجمعية من إجازته في وقت أقصاه آخر ديسمبر، فإذا حان ذلك الوقت ولم تتمكن الجمعية من إجازته في مرحلة القراءة الثانية تعرض المواد الرئيسية التي لم تجز على استفتاء شعبي تكون نتيجته ملزمة وهي:
"إسلامية الدستور أو علمانيته، رئاسية الجمهورية أو برلمانيتها، اقليمية الحكم أو مركزيته، وأن يشمل الاستفتاء اية مواد اخرى يتفق على اهميتها حينذاك، والتزم الحزبان على أن يتفاوضا مع الأحزاب والهيئات الأخرى لجمع كلمتها حول هذا المشروع والتزما ان يسجلا في الاتفاق النقاط اللازمة لضمان حقوق الأقليات والحريات الدينية، والله ولي التوفيق"
إمضاء: محمد عثمان الميرغني – اسماعيل الأزهري – الهادي عبد الرحمن، علي عبد الرحمن الامين، الصادق المهدي، عبد الحميد صالح – حسين الهندي) انتهى.
ولقد وطّن الجمهوريون أنفسهم على تفشيل خطة الطائفية الرامية لتمرير دستور مزيف ينتحل اسم الإسلام، ولقد صدر كتابهم (لا إله إلا الله) في طبعته الأولى، صبيحة 25 مايو 1969 – وهو يحمل في مقدمته السطور التالية، في سبيل كشف زيف دعوة الطائفية للدستور الإسلامي: (ليس لهذه البلاد دستور غير الدستور الإسلامي، ولكن يجب أن نكون واضحين فإن الدستور الإسلامي الذي يدعو له الدعاة الحاضرون – جبهة الميثاق، و الطائفية وأنصار السنة، والفقهاء - ليس إسلاميا، وإنما هو جهالة تتستر بقداسة الإسلام، وضرره على البلاد محقق، ولكنهم مهزومون بعون الله، وبتوفيقه، ولن يبلغوا بهذه الجهالة طائلا)..
ولقد هزموا يومها، وهم الآن أيضا، بعون الله مهزومون، (ولن يبلغوا بهذه الجهالة طائلا)..