إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أنقذوا الشباب
من هذا التنظيم الدخيل

لماذا تتكرر التجربة؟


والآن وبعد مضي عشر سنوات على مؤامرة الدستور الإسلامي المزيف، وبعد معاداة لثورة مايو، ومواجهة مسلّحة لها، من دعاة ذلك الدستور، يجئ الاخوان المسلمون، اليوم، محاولين بعث ما اندثر من أمر تلك المؤامرة الطائفية التي كانت ستغتال حرية الشعب السوداني وتذهب بوحدته..

الاخوان المسلمون واتجاه مايو للدين:


إن الاخوان المسلمين يزعمون أنهم إنما رجعوا عن معارضتهم لثورة مايو لأن نميري في برنامجه للولاية الثانية اتجه نحو تحكيم الإسلام ومما ورد على لسان زعيم الاخوان المسلمين، الدكتور حسن الترابي بعد المصالحة الوطنية، في هذا الشأن، حديثه في جريدة الأيام بتاريخ 21/8/1978م فقد قال: (لا يعسر على الاخوان أبدا أن يعملوا أفرادا في إطار قومي إذا كانت أهدافه تتوخى المنهج الإسلامي). هذا ما قاله الترابي تبريرا لقبولهم المصالحة مع النظام، ولكن أليس الاتجاه الإسلامي، وتقرير الدين، وابتغاء أن يؤثر في حياة المجتمع، وفي ضبط سلوك أفراده، هو أمر مؤكد في اتجاه الرئيس نميري منذ قيام الثورة؟؟ بلى!! إن هذا الاتجاه قد برز منذ الوهلة الأولى لثورة مايو، بالرغم من محاولة الشيوعيين، في ذلك الوقت، لاحتوائها، وتسييرها في خطهم، وهي محاولة موازية لمحاولة الاخوان المسلمين لاحتواء النظام اليوم!

خطاب نميري عام 1971م والنهج الديني:


لقد جاء خطاب الرئيس نميري، في العيد الثاني للثورة – الثلاثاء 25 مايو 1971م – ما يؤكد أصالة التيار الديني لدى الثورة، بحكم ان ابناءها قد انبعثوا من صميم هذا الشعب المحب للدين، وها نحن، هنا، ننقل بعض فقرات ذلك الخطاب، ليرى القارئ أن اتجاه الرئيس نميري للدين ليس جديدا كما حاول الترابي أن يصوره ليجد لنفسه مندوحة في مصالحته للنظام، بعد أن كان يشهر السلاح في وجهه، جنبا إلى جنب مع الطائفية.. يقول الخطاب: -
(غير أن كل هذا العمل العظيم مواطني الشرفاء، كان هذا في إطار مجالس القرى أو كتائب النساء والشباب يصبح عملا غير مكتمل إن لم نحطه بسياج من المثل والأخلاق الفاضلة التي تعمّق في الشباب نكران الذات والاستعداد للتضحية متوخيا الأمانة في كل جهوده، ولا يغرس كل هذا في نفوسهم بجانب ممارسة العمل كفضيلة أساسية إلا التربية الدينية السليمة التي تدخل الدين السمح وتعاليمه السامية كضابط أساسي يحكم تصرَفات شبابنا وشيوخنا ونسائنا)..
(لقد جاء الإسلام على يد محمد الامين نقيا من الشوائب.. جاء درعا للخائف وكرامة للمسحوق وخبزا للجائع والهاما لخاوى الروح ومنارة للنضال)
(والثورة في بعثها الروحي إنما تؤمن ايمانا عميقا وصادقا بأن الإسلام الذي هو دين السواد الأعظم من أهل بلانا سيظل هاديا للناس ومرشدا للعمل في سبيل اسعادهم وتبديل حياتهم والخروج بهم من ظلمات التخلّف إلى نور العصر.. دين بلا كهنوت، وإسلام بلا ظلال لله فوق أرضه.. وانتهى عهد الوسطاء الذين قاتلناهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله)..
(إن الأغلبية المسلمة هنا في السودان لتحترم الأديان السماوية جميعا وتكفل لكل مواطن على اختلاف معتقده الديني الحق المتساوي في وطنه وفي التمتع بحمل مسئولية بنائه وتقدمه فالدين لله كما قلت والوطن للجميع).. انتهى –
ولقد ظل الرئيس نميري يعبّر بشتى صور التعبير، وفي عديد المناسبات، عن هذا الاتجاه الديني..
وأما الاتجاه إلى صياغة الحكم صياغة إسلامية، الأمر الذي يريد الاخوان المسلمون أن يدفعوا السلطة دفعا للتورط فيه، بغير تدبّر، وبغير ادراك عميق لمتطلبات هذه الصياغة، في مثل وقتنا الحاضر، وفي مثل مجتمعنا المتعدد الديانات، هذا الاتجاه لا يورث غير تأخير عقارب الساعة، ولا ينتهي إلا بتفتيت وحدة البلاد، وإشعال نار الفتنة وسط شعبها، ذلك بأن الفهم السطحي، الذي تقوم عليه حركة الاخوان المسلمين، إنما يبذر التفرقة والشقاق بين المسلمين وغير المسلمين... إذ ما هو وضع الأقلّيات غير المسلمة، في فهم الاخوان المسلمين للإسلام؟؟ ما هو موقف الإسلام من قضية المرأة؟؟ وكيف يتم التوفيق بين ما نالته المرأة من مكتسيات مدنية، وبين وضعها في الشريعة التي تجعلها تحت وصاية الرجل؟؟ بل ما هو موقف الإسلام من الاشتراكية؟!
هذه كلّها قضايا كبيرة، لا يسعف فهم الاخوان المسلمين القاصر للإسلام في الاجابة عليها، بالصورة التي تفض التعارض البادي بين الشريعة الإسلامية، التي راعت ملابسات المجتمع في القرن السابع، وبين تطور المجتمع المعاصر.. ذلك التطور الذي نال فيه الفرد البشري، رجلا كان أو امرأة، من الحقوق في مجال الحرية والمساواة ما لم يكن يتمتع به في السابق، حتى تحت ظل الشريعة الإسلامية، التي تقيدت بحكم وقتها، وراعت حالة القصور التي كان عليها الفرد، وكان عليها المجتمع في القرن السابع..