إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هذا هو الشيخ
محمد متولي الشعراوي

حكمـة العبادة


نشرت جريدة أخبار اليوم المصرية هذه الكلمة بتاريخ ٤/٧/١٩٨١:-

الشيخ شعراوي يقول لك
صومك خالص لوجه الله متى؟
كتب الله سبحانه وتعالى الصوم على الناس وجعله من أرقى العبادات فجعله لنفسه وهو يجزي به فكيف يعرف الصائم ان صومه خالص لوجه الله تعالى او ان صومه غير خالص؟
ومن الجزء الثاني من الفتاوى للشيخ محمد متولّي الشعراوي والذي يصدر خلال شهر رمضان المبارك الحالي يجيب على هذا التساؤل قائلا: (الحكمة في كل أمر تكليفي لمن آمن به علته الأمر فالمسلم يفعل كذا لأن الله سبحانه وتعالى قال له افعل كذا ولا تفعل كذا)
وهل حكمة الأمر عند المأمور به أم عند الآمر؟
وهل يعلم الطفل الحكمة في جرعة الدواء المرّة حيث تشفيه من مرضه؟ انما الطبيب الذي وصفها له هو الذي يعلم الحكمة فيها ومنها والمسلم يصوم لأن الله سبحانه وتعالى قال له صم.. وحذار من تعليق الحكم على علته.)
والذي يصوم لأن صومه يشفيه من علّته نقول له صومك ليس عبادة وليس ناشئا عن ايمان، انما ذلك صوم ايمان بعلّة الصوم وليس الصوم نفسه.. اذن فالأصل في المؤمن ان يقبل الأمر من الله دون علّة الأمر. ولا يعلّق عمله على هذه العلّة حتى تكون عبادته خالصة وصومه خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى) انتهى


إجابة الشيخ دون مستوى الشريعة:


ولكي ندلّل على قصور حديث الشيخ شعراوي، حتى عن المستوى المبذول من الشريعة، ومن السنّة، شأنه في ذلك شأن زملائه ممّن يسمّون (العلماء)، فإنّا أثبتنا آنفا نص إجابته على سؤال حول حكمة الصوم، وصحته، حيث قال: (الحكمة من وراء كل أمر تكليفي لمن آمن به علّته الأمر فالمسلم يفعل كذا لأن الله سبحانه وتعالى قال له افعل كذا ولا تفعل كذا وهل حكمة الأمر عند المأمور به أم عند الآمر؟؟).. ان هذه الإجابة ما هي الاّ انصراف عن مواجهة هذا التساؤل بما يليق به من تبيين غرض هذه العبارة وحكمتها.. ونحن هنا لا ننتظر من الشيخ تبيينا يمس دقائق اسرار الصوم، فذلك لا ينال بحيلة الدراسة الفقهية التي هو عليها، وإنما ذلك ينال بالتقوى: (واتقوا الله ويعلّمكم الله)، ولكنّا نطلب منه الاّ ينزل عن مستوى العلم النظري الذي يفني الأشياخ اعمارهم في دراسته وتحصيله ثم لا يظفرون من ورائه بطائل، مع أنه علم مبذول في الكتب، وفي متناول يد كل دارس.. وفي هذا الباب فإن النبي قد بيّن لنا بعض أسرار الصوم، وبعض الحكمة من شرعه، كما ان النهج العام في الإسلام انما هو محاولة اقناع الناس ومخاطبتهم، على قدر عقولهم، بالفائدة التي تعود عليهم، دنيا وأخرى، من وراء ما يفرض عليهم من الشريعة..

وظيفة الصوم


وأول ما يريد الإسلام للمسلم ان يعلمه عن الصوم هو انه وسيلة وليس غاية في ذاته، هو وسيلة لكبح جماح النفس وترويضها على مخالفة هواها، وتخليصها من كثافتها الحيوانية.. وفي ذلك يقول النبي: (ان الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم فضيّقوا مجاريه بالصوم).. ولم يقل ابدا كما قال الشيخ شعراوي: (والمسلم يصوم لأن الله سبحانه وتعالى قال له صم)، وإنما أدخلنا، صلّى الله عليه وسلّم، في الصورة وجعل لعقلنا رعاية اذ حدد لنا وظيفة الصوم العامة، وهي تقليل الدم في الجسم، وهذا ينتج عنه تنبّه في الشعور، وشحذ للذكاء، يؤدي الى قلة المنام، فيساعد على صلاة الليل وهي سنّة النبي التي كان عليها في سائر ايامه، ولكنها في رمضان اوكد منها في غيره، ولذلك جاء الحض عليها في الحديث: (من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه).. وتضييق مجاري الدم على الشيطان انما هو افساح لقوى الروح لكي تبرز، وتسود بنية الإنسان كلّها، جسمه وقلبه وعقله. وهذه الثلاثة هي ادوات السير الى الله، وغرض العبادة انما هو توحيدها، واتساقها بحيث تنتظم الوحدة الفكر والفكر والقول والعمل.. وللصوم في ذلك دور هام ومتم لدور الصلاة، جاء ذكره في كتاب: (تعلّموا كيف تصلّون) للأستاذ محمود محمد طه – فليرجع اليه..

البشرية بين الأمس واليوم


لقد حاول الشيخ شعراوي ان يلبس على السائل، ويبهره ويذهله عن بساطة السؤال، وبساطة الإجابة التي كان من المفروض ان تكون حاضرة لديه، وهو الذي يتصدى لوعظ الناس، وتعليمهم، وأكثر من ذلك، يوهمهم بأن هناك فهما جديدا للإسلام يجدونه عنده.. فقد قال: (هل يعلم الطفل الحكمة في جرعة الدواء المرّة حيث تشفيه من مرضه؟! انما الطبيب الذي وصفها له هو الذي يعلم الحكمة فيها ومنها).. وأول ما يلاحظ هنا ان الشيخ ضرب المثل بالطفل وتجاهل وجود (الرجل الرشيد)، الذي قد يعلم الكثير من مرضه، وعن الحكمة في مرارة الدواء، وقد يزيده الطبيب البارع علما على علمه..
نعم، ان العلم المطلق والإحاطة بالحكمة، هما لله وحده، ولكنه تعالى انما يشاء لنا كل يوم ان نعلم من علمه، على قدر استعدادنا، فقد قال تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه الاّ بما شاء) وقال ايضا: (وقل رب زدني علما)..
ثانيا: إذا كان الدين في الماضي قد عامل البشرية القاصرة معاملة الطفل فإنه اليوم، وفي أخريات القرن العشرين، انما ينبغي ان يخاطبها مخاطبة الرجل الرشيد، وحديث النبي في ذلك واضح: (نحن معاشر الأنبياء امرنا ان نخاطب الناس على قدر عقولهم).. فالإسلام اليوم مطالب بأن يقنع العقل المعاصر ويشبعه كل الإشباع.. والإسلام بذلك قمين إذا علم المسلمون حقيقته..
لقد أراد الله لنا ان نعلم المزيد من حكمة الصوم وذلك على لسان نبيه حتى اننا لنلجأ الى الصوم، في التطوع من أجل هذه الحكمة، فقد جاء في الحديث الشريف: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فانه له وجاء).. يعني مضعف لشهوة النفوس، ومعين على السيطرة عليها، ولذلك قرن الصوم مع الصلاة في قوله تعالى: (استعينوا بالصبر والصلاة) والاستعانة انما هي على دواعي الغفلة والغلظة.. وفي التعريف بحقيقة الصوم قال النبي: (الصوم ضياء والصلاة نور)