إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هذا هو الشيخ
محمد متولي الشعراوي

الدين أوله نقل ولكن!!


صحيح ان القاعدة في الدين ان اوله نقل، وذلك انما يعني ان على المؤمن تطبيق اوامره، حتى ولو غابت عليه الحكمة من وراء هذه الأوامر.. فأنت لا يحق لك ان تقول، مثلا: لا بد أن أعرف لماذا هنّ خمس صلوات، أو لماذا أصلي في الظهر أربعا، وفي المغرب ثلاثا؟ وإذا لم تأتك الإجابة لا تلتزم، بالتطبيق، لا!! وإنما ينبغي عليك ان تلتزم ثقة في الله ورسوله، ولكن يجب ان يكون واضحا، ان عدم العلم ليس مضروبا عليك ابدا، وإنما انت موعود، ان صدقت في التطبيق، بثمرة التطبيق.. فقد قال تعالى: (واتقوا الله ويعلّمكم الله).. يعني اعملوا بشريعته يكشف لكم عن سرّها وعن حكمتها وعن أسرار وراء ذلك لا يحصيها محص.
وقال النبي في هذا الشأن: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم).. وليزيدنا بيانا، في كون العلم بالشريعة، من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، هو الحد الأدنى من العلم الذي لا تصح العبادة الا به، وإنما هو الباب لعطاء واسع من العلم وراءه قال: (انما انا قاسم والله يعطي ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).. فالنبي يعلّم الناس الشريعة، فإذا عملوا بها بصدق، زادهم الله علما، وأول ما يعلمهم هو الحكمة من وراء العبادات والقربات.. وزيادة العلم هنا ليست علما يحصل بالقراءة، وإنما هو علم ينبع من القلب بغير واسطة، هو علم لدّني: (فلقيا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدّنا علما).. وفي الحق ان معرفة الله انما هي معرفة اسرار فعله.. فالله ظاهر وباطن. هو ظاهر في فعله وباطن في حكمته وراء فعله.. ولا تقع معرفة العارفين بالله الاّ في هذا الباب.. وأهم فعله انما هو أوامره ونواهيه.. فمن أخطر الخطأ القول بأننا يجب أن نطيع الأمر من غير بحث وراء الحكمة منه..
نخلص من هذا الى أن الأمر في الإسلام، في الحقيقة، انما هو تكريم للعقل، وحض على المعرفة بالله، وبحكمته في فعله وفي أمره، على عكس ما ذهب اليه الشيخ شعراوي في فتواه تلك، من محاولة لكبت السائل وارهابه وذلك تخلّصا من الحاح عقله، ودقة تساؤله..
بل انه لمن آيات التكريم للعقل في الإسلام ان ختمت النبوة، وانقطع الوحي بواسطة الملك، وذلك بإنزال كل ما أراد الله انزاله للناس بين دفتي المصحف، وبذلك انفتح باب واسع للناس أجمعين ليكلّمهم الله من خلال القرآن، وليعلّمهم بغير واسطة الملك اكراما لعقولهم، وتعظيما لشأنها.. انظر كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) للأستاذ محمود محمد طه، ص ١٠ وكتابه (رسالة الصلاة) ص ٧٣..

العبادات وسيـلـة


إن الفهم السليم للدين انما يقرّر، ان العبادات ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة.. وفي وقتنا الحاضر فإن الإنسان قد أصبح من رهافة الحس، وحدة الذكاء وسعة العلم، على قدر عظيم بحيث لا يصلح ان يقال له في أمر الدين مثل ما قاله له الشيخ شعراوي، واراده ان يكتفي به، في تحجّر، وجمود: (فالمسلم يفعل كذا لأن الله قال له افعل كذا ولا تفعل كذا)!! بينما يريد الإنسان المعاصر ان يعلم الى اين تسوقه هذه الأوامر، ولم يعد كافيا ان يقال، حتى للمسلم، ان طاعة الأوامر، واجتناب النواهي تظفرك بالجنة.. فالمسلمون اليوم قد نصلوا عن الإسلام، ولكن يرجى لهم ان يعودوا اليه من جديد، ولذلك ينبغي ان يقدّم لهم الإسلام في مستواه العلمي، اللائق بإنسانية القرن العشرين.. ونحن انما ندعو الناس ليدخلوا في الإسلام كافة، فإنسان اليوم يريد نفعا من الصلاة يناله في التو، برد رضا، وطمأنينة نفس، وصحة بدن، ذلك بأن الصحة الداخلية مؤثرة على الصحة الخارجية.. وإذا شكر الناس رفع الله عنهم كل صور العذاب، ومنها المرض، ولقد قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم، وكان الله شاكرا، عليما).. فالحكمة من المرض ومن العذاب هي ان يسوق الناس الى الشكر..

الإنسان المعاصر تشده دقائق حقائق الدين


إن الإنسان اليوم لم يعد ذلك الإنسان الذي كان في الماضي يشده الى التدين الترغيب في الجنة، والترهيب بالنار، وحسب، وإنما أصبح متعلقه الحقيقي دقائق حقائق الدين، فهي التي تشد انتباهه، وتحفز همته، وتشحذ ذكاءه.. إن الفهم الواعي للإسلام يقول: (الدنيا والآخرة لم تعودا ضرّتين كما كانتا في الماضي، وإنما هما اليوم أختان متعاونتان، فما يلقاه الإنسان العابد من خير في الآخرة انما يكون بدؤه هنا، في هذه الحياة، ومن أول ما يجب أن يعلمه إنسان اليوم ان العبادة انما هي وسيلة، الحكمة منها، في عمومها، ان نرضى بالله، وان نوقن به اذ في ذلك السعادة كلّها.. فالله تعالى يقول عن حكمة الصلاة (فاصبر على ما يقولون، وسبّح بحمد ربك، قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبّح، وأطراف النهار، لعلّك ترضى).. فغاية الصلاة هي الرضا والسعادة والحياة الخصبة، حياة الفكر وحياة الشعور.. ولذلك قال عنها النبي: (وجعلت قرّة عيني في الصلاة) وذلك لأن فيها تتحقّق الرؤية لله في قمّة تطلب تلك القمّة التي حققها، في ليلة المعراج، حين فرضت عليه الصلاة وهي لحظة الشهود الذاتي وقد عبّر عنها القران: (اذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى).. فهو مقام توحيد للذات المحمدية تحرّرت فيه من سلطان الزمان والمكان – أنظر رسالة الصلاة، ص ٧٣.
وغرض الدين الأساس هو أن يحرّر الإنسان من كل القيود، وأكبر ما يقيّد الإنسان هو الزمان، اذ يستنفد طاقته بما يفرضه على الفكر من التأرجح بين الماضي والمستقبل.. ولحظة الشهود الذاتي هي قمة التحرّر هذه..
وعلى العموم فإنك لن تجد آمرا شرعيا، في القرآن، أو في الحديث، الاّ وقد بين فيه طرف من الحكمة منه، وذلك اكراما للعقل واعزازا لمكانته.. واذن فإن السؤال عن الحكمة من كل شيء هو سؤال مشروع، ولا بد من ايفائه حقه، وما يجب ان نقلّل من شأنه كما فعل الشيخ شعراوي.