إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

الجهاد والاستشهاد:


ان تشريع الجهاد في الإسلام هو تشريع مرحلي، والأصل في الإسلام، كما بينّا في العديد من كتاباتنا، هو الدعوة بالإسماح.. والجهاد حتى كتشريع مرحلي، كما هو في الشريعة، له ضوابطه وآدابه، فهو حرب معلنة بين جيشين، يقوم باعلانها خليفة المسلمين وهي لا تقوم الاّ بعد انذار العدو، وتخييره بين الإسلام أو القتال ان كان من المشركين.. أو بين الإسلام، أو دفع الجزية أو القتال ان كان من الكتابيين.. والقتال نفسه، في الجهاد في الشريعة، كتشريع مرحلي، له ضوابطه وآدابه، منها مثلا لا يقتل مدبر، أو غافل، أو طفل، أو امرأة.. ولا يكون تمثيل بالقتلى ولا تخريب، ولا يصح قتل من نطق بالشهادة، ولو كان نطقه بها لمجرّد تفادي القتل.. وفي هذا الصدد روى اسامة بن زيد فقال: (بعثنا رسول الله، سرية الى الحرقات، فنذروا بنا، فهربوا، فأدركنا رجلا، فلّما غشيناه قال: (لا إله الاّ الله) فضربناه حتى قتلناه، فقلت للنبي فقال: (من لك بلا إله الاّ الله يوم القيامة؟؟) فقلت: (يا رسول الله: انما قالها مخافة)!! قال (أفلا شققت قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها، أم لا؟!) (من لك بلا إله الا الله يوم القيامة؟؟) فما زال يقولها حتى وددت أنّي لم أسلم الاّ يومئذ).. وفي الإسلام (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه، وان يظن به ظن السوء) والمسلم هنا هو من قال: (أشهد الاّ إله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله).. ولو لم يكن صادقا – ولو كان منافقا – فقد روي أن أحد الأصحاب قال: (يا رسول الله: أرأيت لو أن مشركا قاتلني، فضرب يدي، فقطعها ثم لاذ بشجرة، وقال: (أشهد الاّ إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله).. أأقتله؟؟ قال: لا!! قال: ولكنه انما قالها ليحمي نفسه مني!! فقال: لا تقتله!! فإنك ان تقتله تكن في مكانه قبل ان يقولها، ويكن في مكانك قبل أن تقتله).. هذا هو الجهاد في الشريعة، كتشريع مرحلي، وهذه هي بعض ضوابطه.. وفي الإسلام، لا يصح تكفير المسلم، فمن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما..
أما الاستشهاد المقرون بالجهاد في الإسلام، فهو لمن قتل في سبيل الله – هو لمن قاتل (لتكون كلمة الله هي العليا) فقتل على ذلك.. فأمر الاستشهاد في الدين هو اذن أمر في غاية الدقة.. فالحديث يقول: (عن أبي موسى قال: جاء رجل الى النبي فقال: "الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه!! فمن في سبيل الله؟؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)..
على الرغم من هذه النصوص الواضحة في أمر الجهاد والاستشهاد الاّ ان الطائفية، وتنظيمات الهوس الديني، وعلى رأسها، تنظيم الأخوان المسلمين تضلّل اتباعها، وتحرّف لهم معنى الجهاد والاستشهاد، وتوقر صدورهم بالعداوات، وتجعلهم يعتقدون ان تفجير المنشآت، وقتل المسلمين الأبرياء الغافلين، بالصور التي تقوم على الغدر، كل ذلك من الجهاد في سبيل الله، ومن يقتل في سبيل هذه الأعمال يعتبر شهيدا!! وهكذا فلسف الأخوان المسلمون، وبقية جماعة الهوس الديني، للعنف، والإغتيالات، والتخريب.. وفي هذا الصدد يقول حسن البنا: (نحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لإستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين).. ويمضي الشيخ البنّا الى أن يقول للإخوان المسلمين: (كان ذلك موقفكم أيها الأخوان سلبيا هكذا فيما مضى امّا اليوم وأمّا في هذه الخطوة الجديدة فلن يكون كذلك، ستخاصمون هؤلاء جميعا في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة ان لم يستجيبوا لكم ويتخذوا تعاليم الإسلام منهاجا يسيرون عليه ويعملون له).. ويواصل فيقول: (ايها الأخوان أعلن لكم هذه الخطوة على صفحات جريدتكم هذه لأول عدد منها وأدعوكم للجهاد العملي بعد الدعوة القولية..) راجع كتاب (مذكرات الدعوة والداعية)، بقلم الشيخ حسن البنّا، طبعة دار الشهاب صفحة 144.. والبنّا يدعو أتباعه الى احسان صناعة الموت فيقول: (أيها الأخوان: ان الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة).. (راجع رسالة الجهاد) للشيخ حسن البنّا.. ومع أن مفهوم الجهاد الخاطيء والمنحرف عند الأخوان المسلمين مستمد أساسا من الشيخ حسن البنّا مؤسس الدعوة، الاّ أن سيد قطب هو الذي بلور هذا المفهوم، وركّزه في أذهان الأخوان المسلمين، خصوصا في كتابه (معالم في الطريق).. وهذا الفهم الخاطئ والمنحرف للجهاد والاستشهاد والتكفير، هو ما عليه جميع تنظيمات الهوس الديني، من جماعة التكفير والهجرة، والى الشيعة من أتباع الخميني، وهذا الفهم المنحرف، كما ذكرنا، هو الذي يجعل ظاهرة الهوس الديني ذات خطر شديد على أمن الشعوب واستقرارها، وخصوصا ان زعماء الهوس الديني يستغلون الدين لآغراض السياسة، ويضحون بحياة أتباعهم من الشباب في سبيل وصولهم الى السلطة..