لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الاستقلال

حرب المذكرات وفشل المؤتمر:


استمر المؤتمر في ركونه إلى الطائفية، وفي اسلوبه الفوقي في تبادل المذكرات مع الحكومة، بصور عزلت الشعب عن قضيته وصوّرت معركة الاستقلال كعمل تقوم به نخبة من رجال المؤتمر والأحزاب، تتابعه وحدها، ثم تقدمه في النهاية على طبق من الذهب إلى الشعب السوداني.. وهكذا، فقد نصّب المؤتمر والأحزاب، ومن خلفهم الطائفية من انفسهم اوصياء على الشعب، بعضهم يريد له الوحدة تحت التاج المصري، وبعضهم يريد له تحالفا مع بريطانيا، ففي مذكرة اخري رفعها المؤتمر إلى حكومة السودان، تخاطب دولتي الحكم الثنائي جاء:-
(فباسم العدل والرّخاء الذي قاتلت من اجله الديمقراطية يطلب مؤتمر الخرّيجين العام بالسودان: "قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري" والله وحده ولي التوفيق.
المخلص اسماعيل الازهري
رئيس مؤتمر الخرّيجين
32/8/1945).

وهكذا استمرّت حرب المذكرات بين المؤتمر وحكومة السودان وهي لا تطمع في اكثر من (قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري) او حكومة سودانية في تحالف مع بريطانيا!! ولم يفكّر المؤتمر والأحزاب في توعية الشعب وتنويره واستنهاض هممه لكي يتحمل مسئوليته في انتزاع حرّيته ويتسلّح بالشعور الوطني والحماس لانتصار قضيته. وانما اكتفى هؤلاء بمباركة الطائفية لهم، فاستسلموا لمطامعها السياسية، وكان أن ولدت الحركة السياسية عندنا ميتة، فارغة من الحماس وفارغة من المذهبية!!