نشأة الحزب الجمهوري:
لقد رأى بعض السودانيين والخرّيجين ان المؤتمر قد فشل في اداء رسالته بسبب ارتمائه في احضان الطائفية وفقدانه لأي هوية فكرية ومذهبية واضحة، ولجوئه لأساليب المذاكرات الفوقية غير المرتبطة بتوعية الشعب واستنهاضه لنيل حقوقه. فنشأ في مناخ هذا الاعتقاد، الحزب الجمهوري في اكتوبر 1945 برئاسة الاستاذ محمود محمد طه، كأول حزب ينشأ خارج المؤسسة الطائفية، فاختط لنفسه منذ البداية خطاً منمازا من خط الأحزاب والمؤتمر، فنصّص في دستوره على ان غرضه هو (قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرّة مع المحافظة على السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الان). وفي المذكرة التفسيرية التي نشرت في صلب الدستور نصّص الحزب على انّه يرى (ان انسب نظام يلائم نفسية هذا الشعب ويتجاوب مع رغائبه، ويخدم اغراضه، ويحمي منافعه هو – قيام حكومة جمهورية ديمقراطية) –راجع كتابنا: (اسس دستور السودان) – فوضع الحزب نفسه منذ البداية ضد الاستعمار وفي مواجهة مبادئ (وحدة وادي النيل) و(التحالف مع بريطانيا) والتي كانت ترفعها الأحزاب والمؤتمر..
ولقد عزا الجمهوريون اسباب فشل المؤتمر والحركة الوطنية إلى فراغ الحماس وفراغ المذهبية، وممّا جاء عن ذلك هذه الفقرات التي نوردها من كتاب (السفر الاول)، والذي نشرت طبعته الأولى في 26 أكتوبر 1945:-
(لماذا عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر اتجهت إلى الحكومة تقدّم لها المذكرات، ولم تتجه إلى الشعب تجمعه وتنيره وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب اولا ثم جاءت مبادؤها اخيرا؟؟) (والجواب قريب وهو انعدام الذهن الحر المفكّر تفكيراً حراً دقيقاً، هو الذي طوّع للمؤتمر يوم ولدت فيه الحركة السياسية – وهي قد ولدت ميتة، ان يعتقد ان كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج ويعلن بها الزبائن بعد وصولها، حتى تكون مفاجأة ودهشة.. ولو ان جميع الأحزاب القائمة الآن استطاعت ان تفكّر تفكيرا دقيقا لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية التي جعلت الجهاد في سبيل الله ضربا من العبث المزرى) انتهى..