إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

جنوب السودان
المشكلة!! والحل!!

الحكم الوطني ومشكلة الجنوب


لقد رأينا كيف عمقت سياسة الاستعمار الانجليزي اسباب الاختلاف والصراع بين الشمال والجنوب، وكيف بذرت تلك السياسة بذور عدم الثقة، والعداوة، في نفوس الجنوبيين تجاه الشماليين، مما ادي الي خلق مشكلة الجنوب، كأكبر وأخطر مشكلة يواجهها السودان بعد استقلاله، واثناء مراحل الحكم الوطني المختلفة.. فقد ظلت مشكلة الجنوب طوال عهود الحكم الوطني تشكل أكبر عوامل عدم الاستقرار في البلاد، حتى وجدت الحل السياسي على عهد مايو في مارس 1972، الذي به انتهت الحرب الاهلية، وهي لا تزال تتطلب الحل الحضاري الجذري الذي بدونه لا يتم التأمين النهائي لهذه المشكلة ضد أي نكسة..
ولقد وعدت الاحزاب الشمالية الجنوبيين بأن تضع في اعتبارها الحكم الفدرالي للجنوب، وعلي ضوء هذا الوعد انضم النواب الجنوبيون في البرلمان للشماليين ليتم اجماع على الاستقلال الذي اعلن في أول يناير 1956.. ولقد تمت بعض الأعمال في الجنوب بالنسبة للجنوبيين لكسب ثقتهم.. وفي عام 1957 قامت الحكومة بضم المدارس التبشيرية في الجنوب اليها، ولقد أدي هذا الاجراء الي عداوة الكنيسة الكاثوليكية للحكومة السودانية.. وعندما نشأ الحزب الفدرالي الجنوبي في عام 1958 (Southern Federal Party) كان من ضمن أهدافه جعل المسيحية الدين الرسمي في الجنوب، واللغة الانجليزية اللغة الرسمية، الي جانب إقامة نظام فدرالي يكون فيه للجنوب جيش خاص، ونظام تعليم وادارة خاصين، الي جانب برنامج خاص لتطوير الجنوب. ولقد ضم الحزب الفدرالي أولئك المثقفين من الجنوبيين الذين يعارضون حزب الأحرار الجنوبي، والذين هم في الحقيقة يسعون الي الانفصال..
وعندما كونت لجنة الدستور كان الجنوبيون غير راضين عن تمثيلهم فيها اذ انهم اعطوا ثلاثة مقاعد فقط من 43 مقعدا. وقد طلب الجنوبيون من اللجنة ان توصي (بالفدريشن)، الا أن اللجنة رفضت ذلك، وفي ديسمبر 1957 رفضت أغلبية لجنة الدستور (الفدريشن).. ولقد استغل الحزب الفدرالي الجنوبي هذه الظروف واستطاع ان يكسب 40 مقعدا من المقاعد الستة واربعين المخصصة للجنوب، ولقد انسحب اعضاؤه من لجنة الدستور في يونيو 1958.. ولقد كانت الاحزاب الشمالية مهتمة بكراسي الحكم، ولم تهتم بمشاكل البلاد في الشمال او الجنوب، وكان لذلك أثره السيء على الأوضاع في الجنوب، فقد استغل هذه الظروف المبشرون ودعاة الانفصال من الجنوبيين، وبداوا يكثفون دعايتهم في الجنوب ضد الشمال.. وقد كان انتصار الحزب الفدرالي في الانتخابات البرلمانية في عام 1958، دليلا واضحا على سيادة الاتجاه المتطرف بين الجنوبيين، وقد استغل المتمردون الذين لجاوا الي الغابة بعد أحداث عام 1955، هذه الظروف، وبدأوا ينشطون في ممارسة أعمال العنف..
وفي هذه الظروف التي شهدت فشل التجربة الديمقراطية في الحكم بسبب فساد الاحزاب، تم انقلاب عبود العسكري في 17 نوفمبر 1958، في محاولة لإنقاذ البلاد من الوضع السياسي والاقتصادي المتردي الذي وصلت اليه.. وبقيام الحكم العسكري دخلت مشكلة الجنوب مرحلة جديدة..