لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الشيعة

المسيح المحمدي والمهدي المحمدي:


الأحاديث بمجيء المسيح، وبمجيء المهدي متواترة.. وبعض أهل "السنة" يعتقدون في مجيء المسيح دون مجيء المهدي، مستندين لفهمهم لقول النبي: (لا مهدي إلاّ عيسي).. أما الشيعة، وبخاصة الإثني عشرية، فلا يعتقدون إلاّ في مجيء المهدي مستندين لفهمهم لقول النبي: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا) رواه أبوداؤود، والترمذي.. وحتي أهل "السنة" الذين يعتقدون في مجيء المسيح، وفي مجيء المهدي، معا، فهم يصرفون هذا الحديث إلى مجيء المهدي، لا إلى مجيء المسيح (حيث إن المسيح عندهم هو المسيح الإسرائيلي، الذين يعتقدون، عقيدة الشيعة في رجعة المهدي، بأنه سيرجع مرة أخرى)..
أما الذين يعتقدون في مجيء المسيح، دون مجيء المهدي فينقصهم الفهم الصحيح لحديث (لا مهدي إلاّ عيسي).. فإن (المهدية) مقام، و(العيسوية) مقام.. والمسيح في ترقيه إلى مقام العيسوية، وهو مقامه الأصيل، إنما يمر بمقام (المهدية) – (وهو مقام قي قمة حسن الاتباع النبوي، فصاحبه علي القدم النبوي)، فيجتاز هذا المقام إلى مقامه الأصيل (العيسوية)، وهو مقام الحقيقية المحمدية – وهو ما نعني بترقيه من التقليد إلى الأصالة.. فالمسيح، وهو يمر بمقام (المهدية)، إنما هو (المهدي).. ولذلك حق أن يقال عنه في هذا المقام (لا مهدي إلاّ عيسى)، وذلك قبل مجيء المهدي.. أما المهدي فمقامه الأصيل هو مقام المهدية، وهو حينما يرقى فيبلغه يظل فيه، لا يتعداه، فيظل علي القدم النبوي، لا يتعداه.. والمهدي يظهر قبل ظهور المسيح، فيشفعه ويكون وزيره، ثم يبقى بعده فيكون خليفته.. والعلة في شفعية مقاميهما هي العلة من شفعية مقام صاحب الوقت، ومقام خليفة صاحب الوقت، في أي بعث ديني.. وبظهورهما يكتمل ظهور النموذجين الكاملين في كمال الأصالة، (كما يمثلها المسيح)، وكمال التقليد، (كما يمثله المهدي).. ومقام المسيح هو مقام الخلافة على كل العوالم، (هو الذي في السماء اله، وفي الأرض اله) – هو مطاع في الأرض كما هو مطاع في السماء، مطاع من الملأ الأسفل، كما هو مطاع من الملأ الأعلى.. هو الملك علي تلك المملكة، والمهدي إنما هو وزير الملك.. المهدي بمثابة (السلطة التنفيذية) لتلك السلطة العليا – هو القدرة التي تنفذ إرادة العالم، الذي ينتهي اليه كل علم: (وفوق كل ذي علم عليم).. وعلمه إنما هو العلم المحيط الجامع، لأنه مستمد من العلم المطلق، فعلمه ليس بمسبوق، ولا بملحوق.. والمهدي، بالمثل الأعلى الذي يضربه، في كمال التقليد النبوي، إنما يكشف للمقلدين عن خفايا خفية في المنهاج النبوي، فيفتح الطريق أمامهم إلى الترقي نحو الكمالات التي يمثلها المسيح (الإنسان الكامل)..
وأما الذين يصرفون الحديث (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا) إلى المهدي، دون المسيح، لاعتقادهم برجعة المسيح الإسرائيلي (وهو ليس من أهل البيت)، إنما فاتتهم حقيقة عرفانية، هي أن تلك السلطة الروحية الكبري في ملء الأرض عدلا، وفي إشاعة السلام، وفي توفير الرخاء، لهذا العالم، وفي تحقيق كل تلك الكمالات الإنسانية علي الأرض، إنما هي للمسيح، لا للمهدي، وإنما المهدي يستمد منها لمقامه كوزير وكخليفة له.. هي ليست للمهدي إلاّ في معنى ما إن المسيح هو المهدي أثناء إقامته في مقام المهدي.. وهناك أحاديث تتحدث عن مجيء المهدي تصريحا.. مثل (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، ومثل (يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلاّ فتسع، تنعم فيه أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط، تأتي أكلها، ولا تدخر منه شيئا، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل، فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ).. كما إن هناك أحاديث تتحدث عن المسيح والمهدي في سياق واحد، مثل: (يلتفت المهدي، وقد نزل عيسى بن مريم كأنه يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صل بالناس!! فيقول: وإنما أقيمت الصلاة.. فيصلي رجل من ولدي، وهو المهدي.. ) – الطبراني.. وفي الحديث إشارة إلى تحقيق المسيح (للاصالة) من قوله: (وإنما أقيمت الصلاة)، والي تحقيق المهدي لقمة السير علي القدم النبوي من قوله: (.. فيصلي رجل من ولدي، وهو المهدي)..