لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الشيعة

الشيعة وغيبة المهدي:


وخطأ فكرة غيبة المهدي، ورجعته، عند الإثني عشرية، إنما مرده إلى التقصير عن إدراك العمل الروحي المتنامي، والمتعدي، الذي ظل يقوم به النبي، من مقام ولايته، في برزخه، في إعداد الأرض لمجيء رجل من آل بيته، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.. وذلك مما لا حاجة، معه، إلى غيبة كغيبة المهدي، عند هؤلاء الشيعة.. فالنبي هو ممدِّ الأولياء، وهو ممدِّ المهدي في وقته..
ثم إن مقام الحقيقة المحمدية إنما يبلغه ذلك الرجل المحمدي عن طريق منهاج التقليد النبوي، ثم عن طريق منهاج الأصالة.. وهو مقام عبودية كاملة (والعبودية كالربوبية لا تتناهى)، مما يقتضي أن تظهر آثار تلك العبودية في المعاملة مع الخلق، بما يدل علي الحرية الداخلية من استرقاق العناصر.. وهو أيضا مقام النفس الكاملة التي حققت كمالها عن طريق الرضا بالله، حتى صارت مرضية منه، مما يقتضي أيضا أن تمتحن هذه القيم، في المعاملة مع الخلق.. وكل أولئك لا يتأتَّى لرجل قد دخل، منذ طفولته، في عزلة عن الخلائق، هي الغيبة الصغري، ثم افترضت له غيبة كبرى، عن هذه الحياة، ورجعة اليها آخر الزمان.. لقد كانت حياة النبي الكريم خلوة مع ربه، وهي مجال لاكتساب القيم وجلوة مع الخلق، وهي مجال لامتحان تلك القيم.. ولقد كان النبي بمنهاج نبوته، وهو منهاج عبودية لله لها دلالاتها من معاملة الخلق، إنما يرقى مراقي مقام ولايته، فيتأهل لأداء مسئوليات مقام رسالته.. هذا هو النهج السديد.. نهج فردي يؤهل لمعاملة الخالق من جهة، ويؤهل لمعاملة الخلق من جهة أخرى.. ثم إن الألوهية، كما سلف القول، لا تكرر نفسها، فهي لا تبرز فردا، بكامله، جسدا وروحا، إلى هذا العالم، مرتين.. فإن من كمال هذه الألوهية تنوع تجلياتها، وتفردها..
ومن قصور التصور لمجيء المهدي، أو لمجيء المسيح، والناشيء من قصور المعرفة بحقائق الدين، وبحكم الوقت، الظن بأن هذا المجيء سيكون بالسيف!! فها هو الشريف المرتضي يقول في (الفصول المختارة، الجزء الثاني، صفحة 111: (الإمامية الإثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن، المسمي باسم رسول الله، القاطعة علي حياته، وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف)!! فالشيعة إنما يتصورون قيام المهدي بالشريعة الماضية (الرسالة الأولى)، مع إن وقت هذه الشريعة قد انصرم، وقد صارت البشرية مهيئة، ومتطلعة إلى السنة (الرسالة الثانية)، وإلى الكمالات التي ستحققها الرسالة الثانية حيث تملأ الأرض عدلا، وسلاما، فيفيء الناس إلى الإسلام، عن قناعة بحقائقه العلمية، وبمقدرته الفائقة على حل مشكلات الحياة المعاصرة، والتي تتلخص في مشكلة الحرية – الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، والحرية الاجتماعية، والحرية الفردية المطلقة.. فيرفع عن هذه البشرية قيد الوصاية لتنال حقوقها الأساسية كاملة.. والشريعة المطورة – شريعة الرسالة الثانية (السنة) إنما هي القمينة بتحقيق الحرية، الفردية والحرية الاجتماعية، حيث تقوم هذه الشريعة علي المساواة، والمسئولية، لا على التمييز، وعدم المسئولية..

خاتمة الفصل:


تناولنا، في هذا الفصل، عقيدة الإمامة عند الشيعة، علي اختلاف فرقهم وانعكاسات هذه العقيدة علي إمامة عليٍّ وخلافة أبي بكر... وتناولنا، أيضا، العقائد المتفرعة عن عقيدة الأمامة، عندهم، كعقيدة المهدية، وكعقيدة غيبة، ورجعة، المهدي.. فالشيعة يعتقدون أن الإمامة (منصب إلهي كالنبوة) وأنه (محور الفرائض التكليفية).. فذهبنا، في تصحيح هذا الاعتقاد، إلى وضع الإمامة (الخلافة)، سواء أكانت خلافة النبوة، أو خلافة الرسالة، في موضعها الصحيح من النبوة، من حيث هي دون النبوة، بل هي من إنجازات النبوة.. والشيعة يعتقدون بورود النص الجلي علي خلافة علي بن أبي طالب بعد النبي، بلا فصل، وبنفي الخلافة عمن سبقه من الخلفاء، فذهبنا، في تصحيح ذلك، إلى التفريق بين خلافة النبوة، وخلافة الرسالة، واستخلاف أبي بكر بخلافة الرسالة.. مما دعانا للحديث عن مقامات النبي الثلاثة: الرسالة، والنبوة، والولاية، وعن مقام ولايته (الحقيقة) المحمدية، وعن الرسالة الأولى، وعن الرسالة الثانية، وعن العهد بين الرسالتين وعن التمهيد الروحي في هذه الفترة، بعمل النبي، من البرزخ، والمتمثل في الإمداد الروحي لعلي بن أبي طالب، وللأولياء من آل البيت، ومن الصوفية، حتى يجيء المسيح المحمدي، محققا الحقيقة المحمدية، خاتما الرسالات، والولايات، مجسدا الكمالات الإنسانية التي ظل خط التطور البشري كله يسير نحوها..
وقد أكدنا أن الدور الأساسي لعلي بن أبي طالب، ولبنيه، ولصوفيته هو في هذا التمهيد، والإمداد الروحي لذلك البعث الإسلامي الأعظم.. وتناولنا عقيدة الشيعة الإثني عشرية في المهدية، وفي غيبة المهدي، ورجعته، ففرقنا بين مقام المهدي، ومقام المسيح، وبين مقام المسيح الإسرائيلي والمسيح المحمدي، وبيّنَّا خطأ الاعتقاد في غيبة المهدي ورجعته..
وسنتناول في الفصل الثاني من هذا الباب الأول عقيدة العصمة عند الشيعة، وهي العقيدة المصاقبة لعقيدة الإمامة عندهم، وانعكاسات هذه العقيدة علي مسألة بيعة السقيفة، ومسألة ميراث الأنبياء، مشيرين إلى دلالات العصمة النبوية، والحفظ الالهي لآل البيت في عدة وقائع، ومواقف من السيرة النبوية، ومن التاريخ الإسلامي في عهد الخلافة الراشدة، وفي عهد الفتنة الكبرى، وما تلاه من العهود الإسلامية..