العصمة النبوية "ويوم الخميس":
جاء في صحيح البخاري (الجزء الرابع والجزء الأول)، عن ابن عباس قوله: لما احتضر النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!! فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.. ويسمي الشيعة الإثنا عشرية ذلك اليوم، الخميس "رزية الخميس".. (صفحة 170، كتاب "النص والأجتهاد" لعبد الحسين شرف الدين) وقد قال قائلهم – عبد الحسين: (لكنهم علموا أنه، صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على عليٍّ، خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة، فصدوه عن ذلك!!) فالشيعة الإثنا عشرية، بذلك، إنما يقدحون في العصمة النبوية من حيث لا يريدون.. وذلك حيث كان الرسول قد بلغ الرسالة الأولى (الشريعة)، وبيّنها، فلم يعد، إذ ذاك، أمر مستأنف من هذه الرسالة لم يبلغ.. وإذا كان هناك أمر مستأنف، فعلا، فالنبي معصوم من الناس، فلا ينبغي، ولا يستطيع أحد منهم، كائنا من كان، أن يحول بينه وبين تبليغ هذا الأمر.. قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس).. ولذلك فسرعان ما عصم الله تعالى النبي عن كتابة الكتاب، بأن قيض عمر ليقف ذلك الموقف.. فالتصويب الإلهي في عصمة النبوة إنما يجري عن طريق الوحي، كما يجري عن طريق أيِّ وسيلة أخرى شريفة، كإلهام أحد أكابر الصحابة به.. وعمر على وجه الخصوص، إنما كان يلهم ذلك الإلهام في عدة مواقف.. فلما نصر الله المسلمين في بدر، وجيء بالأسرى إلى الرسول، رأى العفو عنهم مع أخذ الفداء منهم، وكان أبوبكر يرى رأيه.. فكان رأي عمر أن يقتلوا.. فنزل القرآن الكريم علي رأي عمر.. (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض.. ).. وكان رأي النبي ورأي أبي بكر، صحيحا، من حيث مستوى النبوة، وكان رأي عمر صحيحا من حيث مستوى الرسالة.. ولما كان الوقت هو وقت شريعة الرسالة لا شريعة النبوة، نزل القرآن على رأي عمر (لكأن عمر كان يمثل مستوى أمة الرسالة) فعصم الله تعالى النبي الكريم عن أن يجري حكما من أحكام شريعة النبوة في وقت شريعة الرسالة.. وإنما وقت شريعة النبوة هو الوقت المقبل..
وعن مستوى أبي بكر، ومستوى عمر، قال النبيُّ: (إنما مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال: فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم.. ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى، قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.. وإن مثلك يا عمر مثل نوح، قال: رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا، ومثلك مثل موسي، قال: ربنا اطمس علي أموالهم، واشدد علي قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم).. فأبو بكر إنما كان يعيش شريعة الرسالة ويستشرف مستوى شريعة النبوة، ولذلك تأهل ليكون خليفة الرسالة، أما عمر فهو إنما يمثل شريعة الرسالة بأكثر مما يمثل شريعة النبوة..
وقد يكون النبي أراد، في ذلك اليوم، أن يكتب لهم كتابا من علم النبوة الذي ما كان الوقت ليسمح به، فعصمه الله تعالى عنه.. ثم كيف يكون النبي محتاجا لينص على العهد لعلي بذلك الكتاب، بزعم الشيعة، إذا كانوا يعتقدون أنه قد نص عليه، نصا جليا، من قبل؟؟