بسم الله الرحمن الرحيم
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السبيل)..
صدق الله العظيم
المقدمة
هذا بحث حول عقيدة الشيعة – نشأتها التاريخية، وأصولها الاعتقادية، وفرقها البائدة، والباقية.. والتشيّع حركة ذات تأثيرات جوهرية في ماضي المسلمين، وحاضرهم.. ولقد انبعثت فكرة هذا البحث من نشوء حركة الخميني في إيران.. والخميني هو (المرجع الديني الأعلى) عند أبرز الفرق الشيعية، وهي الإمامية (الاثني عشرية)، وحركته حركة شيعية المبعث، شيعية المقصد، وهي تستهدف إقامة (الحكومة الاسلامية)، الشيعية، كمنطلق (للثورة الإسلامية) الشيعية، في العالم الإسلامي.. ثم إن من بواعث فكرة هذا البحث، أيضا، العمل على تصحيح العقيدة الشيعية، من حيث هي، وهي عقيدة يعتقدها، في تعصّب، عشرات الملايين من المسلمين.. وبالطبع لا يمكن اعتبار الخميني حجة على الشيعة، تماما، ولكنه، على أية حال، ثمرة من ثمرات التشيع، وللتشيع أعظم الآثار على فكرة (الحكومة الاسلامية) عنده.. وقد أخذت تثير حركته العصبية المذهبية للتشيّع، وبخاصة لدى الإمامية (الاثني عشرية).. فهاهم يصفونه، في كتابهم الذي صدر عقب حركته: ("الخميني أقواله وأفعاله" – أحمد مغنية، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت) بأنه (حسين هذا العصر)!! وبأنه (نقل بلاده من خانة الخيانة إلى خانة الأمانة التي ورثها عن الصدّيقين، والشهداء، والصالحين، عن النبي، والأئمة المعصومين، وآخرهم الثاني عشر المنتظر)!!
نشأة التشيع:
لقد نشأ التشيّع، كمذهب له أصوله الاعتقادية المبوبة، بعد مقتل الحسين بن على، ولقد نشأ كرد فعل لما واجه أهل البيت من الاضطهاد، والتقتيل، والتنكيل على يدي الأمويين، والعباسيين، وتولّد من منطلق عقدة الذنب من خذلان علي وبنيه، وبخاصة لدى أهل العراق.. ولذلك بدأت حركة الشيعة بالغلو.. ولعل ذلك الغلو في التشيّع قد أخذ طابعه المذهبي في مقابل مذهب الخوارج.. فالسبئية وهم يدّعون التشيّع قد ذهبوا إلى تأليه علي، في مقابل تكفير الخوارج له، والخوارج قد كانوا من شيعته فخرجوا
عليه كما سنرى في موضعه من البحث.. وبين طرفي الغلو في تأليه علي، وتكفيره، تتفاوت فرق الشيعة في معتقدها.. فهناك، مما يلي تأليهه من الفرق من رفعه إلى مقام النبوة (كالغرابية)، وهناك من الفرق من رأى أن إمامته منصب إلهي كالنبوة، فنسب اليه العصمة (كالاثني عشرية والاسماعيلية)، وهناك، من الفرق، من رآه دون هذا المقام، ولكنه قدّمه على الخلفاء الراشدين، وأجاز خلافتهم (كالزيدية).. وهناك، بالطبع، من يسمّون (أهل السنة)، والذين يعرفون له بعض منزلته كرابع الخلفاء الراشدين، وهناك فرقة الأباضية (بعمان)، وهي من أصل خارجي (من الخوارج)، وتعد أكثر فرق الخوارج اعتدالا، ولذلك بقيت حتى الآن.. ولا زالت هناك فرق شيعية على درجة عالية من التأليه لعلي، كالنصيرية (العلويين) في الشام..
الفرق الشيعية:
والفرق الشيعية الأساسية التي بقيت هي الإثناعشرية (وأكثرهم في ايران والعراق)، والإسماعيلية (البهرة بالهند، والأغاخانية)، الدروز (من أصل اسماعيلي)، والنصيرية (العلويون)، من أصل إمامي اثنى عشرية، والأخيرتان في الشام، والزيدية في (اليمن).. ولا تختلف الإثناعشرية والإسماعيلية كثيرا حول فكرة الإمامة، وفكرة العصمة، وإنما هما تختلفان حول سلسلة الإمامة في آل البيت.. فالإسماعيلية يوافقون الإثنى عشرية في إمامة ستة منهم، ويفترقون عنهم في إمامة الإمام السابع، وهو، عند الإثنى عشرية، الإمام موسي الكاظم بن جعفر الصادق، إلى تمام اثنى عشر إماما، ويرى الاسماعيلية أن الإمام بعد جعفر الصادق، هو إسماعيل الإبن الأكبر لجعفر الصادق.. ومن بعده ولده محمد، وعقبه، إلى يوم القيامة.. وعرف الإثنا عشرية بالإمامية أكثر من سواهم من الفرق الشيعية لمبلغ اعتقادهم في الإمامة.. وهم يعتقدون أن خليفة رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، من بعده، وإمام هذه الأمة، هو على بن أبي طالب، ثم ولده الحسن، ثم الحسين، ثم على زين العابدين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم على الرضا، ثم محمد النقي، ثم على التقي، ثم حسن العسكري، ثم محمد المهدي، صاحب الزمان الذي دخل في غيبة، وسيرجع آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا..
منهج البحث:
وقد تناولنا في هذا البحث عقيدة الإمامة عند الفرق الشيعية الإمامية الإثني عشرية، والإسماعيلية، والزيدية، وما يصحب هذه العقيدة من فكرة النص على الإمامة من النبي، ثم تناولنا عقيدة المهدية عندهم، وما يصحبها من فكرة غيبة المهدي (عند الاثنى عشرية خاصة).. ثم تناولنا عقيدة العصمة، عندهم، وما يصحبها من رأى سيء لهم في الخلفاء الراشدين.. ثم بحثنا في منشأ الغلو عند الشيعة، والجذور العقيدية للفرق المعاصرة من الفرق القديمة، عندهم.. ووقفنا عند معتقدات التقية، والرجعة، والبداء، عند الشيعة الإثنى عشرية خاصة، وعند صور من الفقه الشيعي، عند الإثنى عشرية خاصة، في مسائل كزواج المتعة، والخمس فى المال.. ولقد كان تركيزنا الأكبر على الإمامية الإثنى عشرية، حيث إن الاسماعيلية متشعبة الفرق، وذات أثر أقل في العمل للدعوة، وفي ولاية السلطة الزمنية.. غير إننا عالجنا الأصول الاعتقادية للعقيدة الاسماعيلية المشتركة بينها وبين العقيدة الإمامية (الإثنى عشرية)، وبنفس القدر.. ثم تناولنا نشأة الفرقة الإسماعيلية، وتاريخها، وفكرة التأويل عندهم.. وقد كشفنا عن (التربة الخصبة) التي أوجدها الغلو الشيعي، وبخاصة بالتشكيك في صحة النصوص القرآنية، وبقصر مصدر النصوص النبوية على الإمامية، وعدم الأخذ بأيّ مصدر آخر، وبالطعن في الخلفاء الراشدين.. هذه (التربة الخصبة) هي التي نبتت، ونمت فيها العقائد المنحرفة، كالبهائية والغاديانية وقد سلطنا الضوء على هاتين العقيدتين الفاسدتين.. وكان تناولنا لكل أولئك على أساس خلفية من العقيدة الإسلامية الصحيحة، بها قمنا بتصحيح العقيدة الشيعية التى أخذت اليوم في الازدهار، بعد أن وجدت لها سلطة زمنية، وزعامة سياسية..
ولقد أخذنا في هذا البحث بالمصادر المذهبية المعتمدة عند الشيعة، وبخاصة مصادر الإثنى عشرية، والإسماعيلية.. يقول المفكر الشيعي الإمامي محمد جواد مغنية في كتابه: (الشيعة في الميزان)، صفحة 271، طبعة دار الشروق: (وعند الشيعة الإمامية كتب أربعة للمحمدين الثلاثة: محمد الكليني، ومحمد الصدوق، ومحمد الطوسي، وهي: الاستبصار، ما لا يحصره الفقيه، والكافى، والتهذيب.. وهذه الكتب عند الشيعة تشبه الصحاح عند السنة) انتهى، وقد أخذنا منها بقدر كبير.. وقال، في صفحة 14 من نفس الكتاب: (وكتب العقائد المعتبرة عند الشيعة كثيرة، ومطبوعاتها تتداولها الأيدي وتعرض للبيع في المكتبات بالعراق وإيران، ونذكر منها على سبيل المثال: أوائل المقالات، والنكت الاعتقادية للشيخ المفيد، والشافي للشريف المرتضي، والعقائد للشيخ الصدوق، وشرح التجريد وكشف الفوائد للعلامة الحلى، والجزء الأول من أعيان الشيعة ونقض الوشيعة للسيد محسن الأمين، وأصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والفصول المهمة، والمراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر.. وبالتالي نكرر، هنا، ما قلناه أكثر من مرة في ردودنا ومؤلفاتنا، ما أعلنه المعتمد
عليهم من علمائنا أن الشيعة لا يقرون ولا يعترفون بشيء مما قيل عن عقيدتهم إذا لم تتفق مع ما جاء في الكتب المعتبرة عندهم) انتهى.. وقد أخذنا بقدر كبير من هذه المصادر، كما سيرى القاريء.. وجاء في كتاب (الخميني أقواله وأفعاله) المشار إليه آنفا، صفحة 46: (وعلى هذا الخط – خط الثقافة الإسلامية – يعمد رموز هذا الخط، وعلى رأسهم المراجع الدينية العليا إلى برمجة العمل التثقيفي المتمثل بإبراز الفكر الاسلامي، ويعتمدون بالدرجة الأولى على كتب السيد عبد الحسين شرف الدين وكتاب "أصل الشيعة وأصولها" للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء) انتهى.. وسيلاحظ القاريء أننا، في تناول معتقدات الإمامية الإثنى عشرية قد أخذنا بهذين المصدرين خاصة، وبمؤلفي السيد عبد الحسين شرف الدين (المراجعات)، و (النص والاجتهاد)، بصورة أخص.. وقد جاء في مقدمة الكتاب الأخير، بقلم محمد صادق الصدر، 7/1/1964م قوله عن السيد عبد الحسين في إحدى زياراته لإيران: (وكانت استقبالات حافلة للسيد في سائر المدن التي مر بها في إيران لما له من منزلة سامية في نفس الشعب الإيراني المسلم المؤمن)... وسيلاحظ القاريء أن عبد الحسين قد تميز بغلوه في القدح في الخلفاء الراشدين!!
أما بالنسبة للإسماعيلية فقد اعتمدنا أيضا على أوثق المصادر عندهم.. مثل أحمد حميد الدين الكرماني، الملقب (حجة العراقيين وفيلسوف الدعوة الإسماعيلية الأكبر)، كما دعاه المفكر الإسماعيلي مصطفى غالب في كتابه (الحركات الباطنية في الإسلام) صفحة 204، وذلك في كتابه (المصأبيح في إثبات الإمامة)، وغيره.. ومثل النعمان بن حيون التميمي، قاضي قضاة الدولة الفاطمية المتوفي سنة 363 هـ، في كتابه (أساس التأويل).. ومصطفى غالب، نفسه، أحد المصادر الإسماعيلية التي رجعنا إليها، وبخاصة في تناولنا للفرق الإسماعيلية.. وقد قدم الأغاخان الثالث لكتابه (تاريخ الدعوة الإسماعيلية، دار اليقظة العربية، دمشق) حيث أهدى هو الكتاب إليه بقوله: (الأمام المعصوم وحجة الله على العالمين.. إلى الإمام حاضر الزمان مولانا أغاخان الثالث).. وهكذا استبعدنا عن بحثنا أيّ مصدر غير المصادر الشيعية المعتمدة، فيما يتعلق بطرح معتقداتهم، تمسكا بأسس البحث العلمية، وتوخيا للأمانة العلمية..
حركة الخميني والطائفية:
وحركة الخميني حركة شيعية، جسد وروحا!! أما فكر الخميني، فهو شيعي.. وسنضع أيدينا على معالم هذا الفكر من كتابه: (الحكومة الإسلامية) الشهير.. فقد قال، في صفحة 19: (عرفوا الولاية للناس كما هي، قولوا لهم إننا نعتقد بالولاية، وبأن الرسول (ص) استخلف بأمر من ربه، ونعتقد كذلك بضرورة تشكيل الحكومة) وقال: (وبما أن هذا الاستخلاف كان بأمر الله فاستمرار الحكومة وأجهزتها وتشكيلاتها، كل ذلك بأمر من الله تعالى) وقال في صفحة144 (جنّدوا أنفسكم لإمام زمانكم حتى تستطيعوا أن تبسطوا العدل على وجه البسيطة) وقال في صفحة 33: (الشرع والعقل يفرضان علينا إلاّ نترك الحكومات وشأنها) (ولا سبيل لنا إلاّ أن نعمل على هدم الأنظمة الفاسدة المفسدة ونحطم رمز الخائنين والجائرين من حكام الشعوب) وقال في صفحة 46: (فالحكام الحقيقيون هم الفقهاء، وسيكون السلاطين مجرّد عمّال لهم) وقال في صفحة 49: (إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا)، وقال في صفحة 51: (الحاكم، نبيا كان، أم إماما، أم فقيها عادلا ليس إلاّ منفذا لأمر الله وحكمه) وقال في صفحة 70: (فالفقهاء العدول هم وحدهم المؤهلون لتنفيذ أحكام الإسلام وإقرار نظمه، وإقامة حدود الله وحراسة الثغور، وعلى كل فقد فوّض اليهم الأنبياء جميع ما فوّض اليهم وائتمنوهم على ما ائتمنوا هم
عليه) وقال في صفحة 78: (فهم مراجع الأمة وقادتها، فحجة الله هو الذي عينه الله للقيام بأمور المسلمين فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين يجب إنفاذها، ولا يسمح بالتخلف عنها) وقال في صفحة 80: (فالفقهاء اليوم هم الحجة على الناس كما كان الرسول (ص) حجة الله
عليهم) وقال في صفحة 185: (ما ثبت للرسول (ص) وللأئمة (ع) فهو ثابت للفقيه)..
هذا هو فكر الخميني!! فهو يرى العصمة للفقيه، كما هي للنبي، مع إن عصمة النبي متعلقة بالوحي (وسنبين فساد عقيدة العصمة عند الشيعة في متن البحث)، ولذلك فهو يرى أن الفقيه هو (حجة على الناس كما كان الرسول حجة
عليهم) ولذلك (وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا).. بزعمه.. وهذه ردة كبرى إلى عهد الحق الإلهي المقدس الذي عرفه الفرس للأكاسرة!! فتحت هذه العصمة المدّعاة، قد يمضي الفقيه في انحرافاته عن جادة الدين، والعقل، وشعبه مضلّل عنه، مذعن له، بل مفتون به، فلا رقيب ولا حسيب
عليه، وإنما هو الرقيب والحسيب على كل الأجهزة، والمسئولين (فالحكام الحقيقيون هم الفقهاء وسيكون السلاطين مجرد عمّال لهم)!!
ولقد انعكست هذه العقيدة الفاسدة على حركة الخميني في إيران.. فهو يستبيح سفك الدماء بصورة مستطيرة، ومفجعة، وهو يحتجز الدبلوماسيين الأجانب كرهائن، ويحدث بلبلة عالمية، ثم يطلق سراحهم من غير أن يكون قد حصل على المطالب الأساسية التي احتجزهم من أجلها، وهو يعزل رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب انتخابا مباشرا لمخالفته إيّاه، وهو يشن حربا على العراق مدّعيا أنه لن يوقفها حتى يسقط نظام صدام حسين (السياسة الدولية يناير 1983م)، وهو يستعين، بلا تحرج، في التسلح لهذه الحرب، بإسرائيل، وروسيا، وبالدول الدائرة في الفلك الشيوعي.. ويستبيح ضرب الأهداف المدنية، والاقتصادية، ثم لا يجد رقيبا أو حسيبا، وقد سلب شعبه وعيه وإرادته بذلك التضليل الطائفي، وحرّك فيه أسوأ الاتجاهات، وهو الهوس الديني.. ذلك بأن امامية إيران يرون أنه (نائب الإمام الغائب).. وقد قال جعفر شرف الدين في كتاب (الخميني وأقواله): (أمّا آية الله الخميني فهو في هذا العصر نائب الإمام والقائم مقامه في قيادة الثورة الإسلامية وتوجيه جمهوريتها، وزعامة المرجعية الاسلامية في العالم).. وقد خوّله الدستور الجديد حق عزل رئيس الجمهورية المنتخب شعبيا، وسلطة إقالة الحكومة، وحل مجلس الشورى، بصورة تجعله فوق الأمة، تمثيلا وسلطة.. ومن ثم نص الدستور على أن يكون الفقيه أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعلى كيفية انتخاب الفقيه، والهيئة التي تنتخبه، وتكريسه من حيث الممارسة، والإجراءات الفعلية، مما حول الدستور إلى وثيقة طائفية – حيث إن هذا الدستور يقضي بعدم مسئولية من يحكم، وبمسئولية من لا يحكم، مما يسقط مفهومي الحكم والمسئولية معا.. وهو في الحقيقة تنكّب لجادة الدين الذي لم يعط العصمة إلاّ للنبيّ الكريم، بمقتضى نبوته، وتنكب عن الجادة التى كان
عليها عليٌّ وآل بيته، وعليٌّ هو القائل: (إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعلىَّ ما عليكم)، وتنكب عن الجادة التي كانت
عليها الخلافة الراشدة التي افترعها أبوبكر بقوله: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم.. )..
الخميني والخطر السوفيتي:
وخطر الخميني خطر متعد، يتجاوز إيران إلى المنطقة كلها.. أما إيران فمصيرها مظلم مجهول، وهي حبلى بكل عناصر الحرب الأهلية، والانهيار السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والفتنة الدينية.. وكلها وشيكة الانفجار، وبخاصة عند رحيل الخميني.. وأكبر خطر متعد يشكله الخميني هو الخطر السوفيتي الماثل الذي يتهدد منطقة الخليج، والمنطقة بأسرها.. وقد استطاع السوفيت، أخيرا، الإخلال بتوازن القوى فيها، لمصلحتهم، فأخذوا ينفذون مخططهم التوسعي، بدءا بأفغانستان (حيث لم يغزوها إلاّ بعد مجيء الخميني!!).. ويتلخّص هذا المخطط في السيطرة على منابع البترول، وممراته.. وإذا تم لهم ذلك، فإن معادلات القوة الدولية ستتغير بصورة حادة، مما قد يؤدّي إلى انهيار التحالف الأمني الغربي، حيث تضطر أوربا (واليابان) إلى الرضوخ لشروط السوفيت، وإلى إنهاء التواجد الأمريكي العسكرى في أوربا، وذلك تحت سيطرة السوفيت على الشريان المحرك للصناعة في أوربا واليابان، وهو بترول الخليج.. أما أساليب تحقيق هذا المخطط فمتعددة: منها (قوة المهام الخاصة) التي شكّلها السوفيت لتنفيذ عمليات الاجتياح في المنطقة، ومنها (القوات البريّة السوفيتية) المحشودة في الجمهوريات السوفيتية الجنوبية، وافغانستان، ومنها (القوة البحرية السوفيتية) الضاربة في منطقة الخليج العربي، والمحيط الهندي، ومنها (القواعد العسكرية السوفيتية) في عدن، واثيوبيا، وليبيا، إلى جانب التسهيلات العسكرية التي يجدونها من الدول الدائرة في فلكهم، كسوريا.. والسوفيت إنما يستغلون الأوضاع المضطربة في إيران في التأهب للانقضاض
عليها في الوقت المناسب، كما يستغلون الاضطرابات التي يحدثها الخميني في المنطقة للزحف
عليها، من ورائه!! وقد تغلغل السوفيت، والشيوعيون في الجيش الإيراني، وأجهزة المخابرات، وحرس الثورة، والمؤسسات الاقتصادية، وصناعة النفط، وحتى بين رجال الدين أنفسهم، علاوة على نشاط حزب تودة الشيوعي المكثف.. هذا في الوقت الذي يدخل فيه النظام الايراني في شبه تحالف عسكرى مع سوريا وليبيا ( الدائرتين في الفلك السوفيتي) في حربه مع العراق.. ولقد نسب إلى خرتشيف، عام 1963م قوله: (ليست هناك حاجة لمد يدنا إلى اقتطاف إيران، فهذه الثمرة ستسقط في أيدينا من تلقاء نفسها مع الوقت، حالما تنضج تماما).. واليوم، فنحن لا نرى إلاّ أن ثمرة إيران قد نضجت للسقوط في يد السوفيت..
خطر حركة الخميني على البعث الإسلامي:
و الخميني إنما يسعى، من حربه للعراق إلى إسقاط نظام صدام حسين، وإلى إقامة حكومة شيعية بالعراق، حيث (العتبات الشريفة)!! كما يسعى لاستغلال الشيعة في دول الخليج الأخرى لزعزعة هذه الأنظمة.. ذلك وهو ينشر عقيدة دينية فاسدة!! ألم يقل: (لا سبيل لنا إلاّ أن نعمل على هدم الأنظمة الفاسدة)، وهو لا يعني إلاّ الأنظمة غير الشيوعية ؟؟ وهي عقيدة، كما سنبين في هذا الكتاب تقدح في الحفظ الإلهي للقرآن، والعصمة الإلهية للنبي، وتشكّك في كل مصادر الحديث النبوي غير الشيعية.. وتقدح في الخلفاء الراشدين، وهي تستبيح الطائفية، والحق الإلهي للملوك..
وأكبر الخطر- وهو خطر مؤد للخطر السوفيتي مباشرة- هو اتجاه حركة الخميني لنشر الهوس الديني في البلاد الإسلامية، وقد رأينا تأثر الجماعات الإسلامية في مصر بالخميني، لا سيما وهناك تلاقح بين فكر الخميني، وفكر الدعوات الإسلامية التقليدية، كدعوة الأخوان المسلمين في الثورة بالعنف (لهدم الأنظمة الفاسدة) بزعمهم.. لا سيما وحركة إيران تجد من المواد البترولية الدعم لحركات الهوس الديني، وهي تخوض حربا أشبه بالحروب الشعوبية، وتتغذى بالعصبية الشيعية المنطوية على روح الانتقام والتشفّي..
هذا البحث دراسة نقدية للعقيدة الشيعية.. ولكنه من خلال هذه الدراسة إنما يقدم العقيدة الاسلامية الصحيحة، والتي تدرأ خطر الشيوعية الدولية، وخطر الهوس الديني، بما تحققه من ثورة ثقافية حقيقية تؤدي إلى توحيد المسلمين والعرب على طريق محمد،
عليه أفضل
الصلاة وأتم التسليم، وإلى إبراز (الكتلة الثالثة)، من هذه البشرية الضالة الحائرة.. ولنا عودة إلى ذلك في خاتمة هذا الكتاب، والله وليُّ التسديد..