الشيعة لم تنشأ في عهد النبي!!
ويزعم الشيعة أن التشيع قد بدأ في حياة النبي.. فالشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها)، صفحة 87 (مطبعة العرفان، صيدا 1330 هـ) يقول: (إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية، فبذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنبا إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته)، واستدل بقول النبي: (والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة) انتهى.. وفي الحقيقة، إن هذا الحديث النبوي إنما هو نبوءة بما سيجابه علي من العداوة والمحاربة في نهاية الخلافة الراشدة، كما حدث بعد مقتل عثمان، من خروج أهل الشام عليه ومحاربته.. وقد تنبأ النبي أيضا لعمار بن ياسر فقال: (تقتلك الفئة الباغية)، وقد كان عمار من شيعة علي في حربه مع أهل الشام، وقد قتل في هذه الحرب، مما يدل على أن عهد أبي بكر وعلي قد كان عهد موالاة لعلي وآل البيت.. وفي الحقيقة، إن عليا لم تكن له شيعة متميزة، أو حزب منظم، في العهد النبوي، ذلك بأن التوج الإلهي، والتربية النبوية كانتا كفيلتين بأن تعصم البعث النبوي عن أن تنشأ فيه تلك الشيعة، أو ذلك الحزب.. قال تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين*)..
أما ما حدث عقب قبض النبي عند البيعة لأبي بكر فلا يمكن اعتباره نشأة للتشيع.. فلقد طلب أبو سفيان، كما طلب العباس، من عليٍّ أن يبايعاه، فهل يمكن اعتبارهما من شيعته؟؟ وقد اجتمع في دار علي رجال تخلفوا عن بيعة أبي بكر، في البداية، وكان منهم طلحة والزبير، اللذان حاربا عليا، فيما بعد، فهل يمكن اعتبارهما من شيعته؟؟ ولقد كان منهم سلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وقد دخلا فيما بعد، في بيعة أبي بكر، وبايعا عمر، أيضا، حتى ولاهما عمر على بعض الأمصار، فهل يمكن اعتبارهما من شيعة علي؟؟.. وفي الحقيقة لم يكن لعلي أثناء خلافته شيعة بالمعنى الذي صار اليه التشيع بعد مقتل الحسين، فقد كانت كثرة المسلمين له أنصارا وكان الخوارج من شيعته!! بل إن الشيعة لم تبدأ في التبلور كفرقة مذهبية إلاّ بعد مقتل الحسين، كما أسلفنا، وظهور حركة (التوابين)، و(الكيسانية).. وقد تكون بذرة هذه الفرقة المذهبية قد ظهرت منذ عهد الحسن إذ قال لأهل الكوفة، عند نقض معاوية للعهد: (أنتم شيعتنا وأهل مودتنا.. فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأسا، ولا أشد مني شكيمة، ولا أمضى عزما، ولكنني أرى غير ما رأيتم، وما أردت فيما فعلت إلاّ حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلموا الأمر، والزموا بيوتكم، وأمسكوا وكفوا أيديكم، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر) أما التشيع كفرقة، وكمذهب له أصوله الاعتقادية المقعدة فقد نشأ في وقت متأخر عن ذلك وبخاصة عند ازدهار علم الكلام، وظهور مذاهب المتكلمين كالمعتزلة.. ولعل اتجاه الخوارج، كفرقة كلامية فيما بعد، لوضع أسس لخروجهم على عليّ، هو الذي أدى بالشيعة إلى وضع أسس فكرية للتشيع مناوئة لمقولات الخوارج.. فقول الخوارج بالبيعة العامة للخليفة قد قابله قول الشيعة بالبيعة الخاصة (النص). ونفى الخوارج العصمة عن الخليفة قد قابله الشيعة بإثبات العصمة للإمام!! ومحصلة الأمر، أن التشيع كمذهبية متكاملة لها أسسها الاعتقادية المقعدة، والمبوبة، قد نشأ بآخرة، وليس ثمة ما يبرر زعم الشيعة بأنه قد نشأ في العهد النبوي..
العقائد الشيعية المنحرفة التي أدت إلى ظهور البهائية والقاديانية:
أشرنا إلى أن طعن الشيعة في الخلفاء الراشدين إنما هو طعن في عصمة النبوة، إذ هو طعن في ثمرة من ثمرات التربية النبوية!! كما أشرنا إلى أن اتهام الشيعة لهؤلاء الخلفاء بالتآمر لصرف أمر الخلافة عن علي إنما هو أيضا، نيل من العصمة النبوية، حيث يصورونهم وقد حالوا دون إبلاغ النبي لنص، أو وصية، وذلك كما يزعم الشيعة عن يوم (الخميس)، أو عملوا دون انفاذ هذا النص أو الوصية.. مع إن الله يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس).. أسوأ من ذلك كله أن أحد المصادر الأساسية للشيعة الإثني عشرية هو (الكليني) يروي عن الإمام الصادق أن القرآن نزل به الوحي على محمد سبعة آلاف آية، والآيات التي نتلوها ثلاث وستون ومائتان وست آلاف فقط والباقي مخزون عند آل البيت!! وقال الكليني: (إنه لم يجمع القرآن كله إلاّ الأئمة، وأنهم يعلمون علمه كله، وقد كذب من ادَّعى من الناس أنه جمع القرآن كله، فما جمعه، وحفظه كما أنزله الله إلاّ علي بن أبي طالب والأئمة من بعده)!! ("الكافي"، الجزء الأول، صفحة 110) وقال الكليني في كتابه (الصافي): (المستفاد من الروايات عن طريق آل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه، كما أنزل على محمد، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو غير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة فيها اسم (علي) في كثير من المواضع، ومنها لفظ آل البيت غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضع، ومنها غير ذلك، وأنه ليس علي الترتيب المرضي عنه عند الله ورسوله) انتهى..
وقد نفى ذلك الشيخ أبو علي الطوسي، وهو من مصادر الشيعة الأساسية، فقد جاء في تفسير (الصافي): (وأما الطوسي فإنه قد قال في مجمع البيان: (أما الزيادة فيه فصحح عليٌّ بطلانها، وأما النقصان فقد روي عن جماعة من أصحابنا وجمع من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا أو نقصا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي قال به المرتضي، واستوفي فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسية) وقال: (القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وفي حمايته الغاية) انتهى..
وبرغم نفي (الطوسي) لما ذهب اليه (الكليني)، وكلاهما من مصادر الشيعة الأساسية، تبقى شبهة التغيير في القرآن قائمة لدى مصدر أساسي من مصادر الشيعة الإثني عشرية، لا سيما وهو مصدر شائع بين أفراد هذه الشيعة، وستبقى لهذه الشبهة إيحاءاتها المباشرة، وغير المباشرة.. فمثل هذه المعتقدات المنحرفة إنما تفتح الباب للدعاوى الباطلة، كالحاجة إلى كتاب مقدس جديد، كما ذهب البهائية!! والقرآن معصوم محفوظ عن التغيير، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون)، والنبي معصوم محفوظ في تبليغ القرآن كما هو: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس) أي يعصمك من يحدث لهذا القرآن تغيير من نقص أو زيادة، أو تحريف..
ومن الأبواب التي فتحها الشيعة للطعن في مصادر الإسلام الأساسية هو عدم أخذهم بأي حديث نبوي غير مرو عن طريق آل البيت.. لقول محمد آل كاشف الغطاء في كتاب (أصل الشيعة وأصولها)، صفحة 94: (الإمامية لا يعتبرون من السنة الأحاديث النبوية إلاّ ما صح منها من طريق أهل البيت عن جدهم، يعني ما يرويه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى.. فهم بذلك إنما لا يأخذون بأي حديث مرو عن صحابي سوى علي بن أبي طالب.. وقد رأينا كيف طعنوا في صحة حديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) والمروي عن أبي بكر، فاسقطوا بذلك أساسا من أسس (السنة) الدالة على العصمة النبوية!! وبكل أؤلئك إنما يهيء الشيعة تربة خصبة لنمو، وترعرع العقائد الفاسدة المنحرفة كالبهائية، والقاديانية، وهم يشككون، بصورة غير مباشرة، في عصمة القرآن، وفي عصمة النبي، وفي الحفظ الإلهي حتى لعلي، ولآل البيت، أنفسهم، ثم يقدحون في أخلاق الخلفاء الراشدين، وفي كل ما يصدر عنهم، حتى من رواية للحديث النبوي!!
التقية والرجعة والبداء عند الشيعة الإثني عشرية:
قد نبدو مثل هذه المعتقدات الشيعية، فيما يشرحها مفكرو الشيعة، وهم في مقام دفع شبهة الغلو عنهم، أمورا غير جدلية.. ولكنها لو لم تكن ذات بعد جدلي في عقيدتهم لما اتخذوها من الأسس الاعتقادية لهم.. فخطورتها إنما تأتي من الأصل الاعتقادي الذي نشأت منه، ومن الأثر التطبيقي الذي قد تخلفه.. فالتقية، عندهم، هي كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، أي إظهار خلاف الواقع عند الخوف.. فهي تجب لدفع الضرر عند الضرورة فقط.. (تصحيح الاعتقاد) للمفيد صفحة 219، طبعة تبريز 1364 هـ).. ومنشئها هو ما لقيه الشيعة من الاضطهاد، والتنكيل، من الأمويين، والعباسيين، وغيرهم من الدول، والممالك.. وقد تبدو التقية أمرا طبيعيا كما يبيحها القرآن: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء، إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير.. ) ولكن الخطأ، كل الخطأ، هو سحبها علي موقف علي من بيعة الخلفاء الراشدين، واعتبار هذا الموقف تقية منه، وهو ما يبدو أن الشيعة قد ذهبت اليه، بمثل قولهم: (وكان عليٌّ على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وأنه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وإن ذلك يوجب التقرير في الدين، والخطر بالأمة، فاختار الكف، احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح العام.. ) كما سلف الإشارة إليه.. ذلك بأن التقية إنما تباح لمن خاف الهلاك، ولم يقو على المغالبة، مما لا يليق بمقام علي، ومما لم يتعرض عليٌّ له بالفعل، كما سلف.. أما خطورة آثار التقية التطبيقية، إذا اعتبرت معتقدا، فتتمثل في احتمال الخطا في تقدير الضرورة التي تبيحها، وفي إمكانية نشوء الإنحرافات الفكرية، والسلوكية تحت ستارها، ثم هي قد تستغل للادهان في أمر الدين، وفي أمر الدنيا، معا، وفي الكيد، والوقيعة، والتضليل الديني..
ويعتقد الإمامية الإثنا عشرية بوجوب رجعة أقوام من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، منهم الصالحون، ليريهم الله دولة الحق، ويعزهم بها، ومنهم الفاسدون ليشهدوا مبلغ سوء صنيعهم.. ("تحت راية الحق"، عبد الله السبيتي، صفحة 121، طهران 1364).. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الاعتقاد (وهو غير صحيح، إذ الرجعة اعتقاد قادح في كمال الألوهية التي لا تكرر نفسها، كما سلف)، فإن منشأه العصبية المذهبية، لا مجرد الاعتقاد، وذلك حيث ينطوي الشيعة علي رغبة شديدة في النيل ممن عادوا آل البيت، ونالوا منهم، في ظنهم..
أما فكرة البداء فتعني عندهم أن يظهر من أفعال الله ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه، وليس المراد منه تغيير الرأي، او انجلاء أمر كان مخفيا عليه، تعالى الله عن ذلك ("التوحيد" الصدوق صفحة 343 طبعة طهران، 1321 هـ) انتهى.. والبداء، بهذا المعنى، أمر غير جدلي، وعلى جانب كبير من البساطة لا يستدعي أن يكون أصلا من الأصول الاعتقادية عند الشيعة الإثني عشرية، إلاّ أن يكون له بعد أعمق مما يبدو في عقيدتهم.. قال حسين علي محفوظ في كتابه: (تاريخ الشيعة) صفحة 63، وهو يتحدث عن مختار الثقفي: (وهو يجوِّز البداء على الله، لأنه يدعي علم ما يحدث، إما بوحي، وإما برسالة من الإمام.. فإذا وعد أصحابه شيئا فوقع جعله دليلا علي صدق دعواه، وإلا قال: بدا لربك.. ) هذا المنشأ السيء لعقيدة البداء إنما يلقي بظلال الريبة علي معناها عند الشيعة الإثني عشرية – لا سيما وهم يتخذون التقية، وقد يتخذونها حتى في إخفاء حقيقة معتقداتهم!! وقد تترتب علي عقيدة البداء أسوأ الآثار فيعتصم بها أحدهم في تبرير انحرافه أو سوء تقديره، ناسبا إياه لله، تعالى علوا كبيرا!!