إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الشيعة

الفصل الثالث

البهائية والقاديانية



البهائية والبابية:


والبهائية، عند البهائيين، دين جديد له كتابه المقدس، ويسمى (الأقدس)، وله نهجه في العبادة، وله شريعته، في العقوبات، والمعاملات.. والبهائية نشأت عن البابية.. والبابية تنسب إلى الباب الميرزا علي محمد الشيرازي، المولود بشيراز سنة 1235 هـ.. وقد بشر بمجيء البهاء.. والبابية لها كتابها المقدس أيضا، وشريعتها أصل الشريعة البهائية.. ويسمى كتاب البابية (البيان)..

البابية:


ومؤسس البابية قد شغل في صباه بعلم روحانيات الكواكب، وبالمجاهدات الروحية (تاريخ الشيعة، حسين علي محفوظ صفحة 69) وقيل إنه قرأ في كربلاء على السيد كاظم الرشتي (إمام الكشفية)، وهو تلميذ الشيخ الأحسائي (إمام الشيخية).. وقد ظهرت الشيخية في القرن الثاني عشر الهجري وقد خالف صاحبها الأصول المذهبية للفرقة الإثني عشرية التي كان من اتباعها، وذلك باعتقاده أن المهدي يظهر بالولادة لا بالرجعة بعد الغيبة.. وبدأ الباب دعوته علي أساس أنه الباب، أو الوكيل عن الإمام الغائب الذي مر عليه حوالي ألف سنة.. ("نظرية الإمامة" د. أحمد محمود صبحي، دار المعارف بمصر).. و"الباب" اصطلاح شيعي، وقد مر علينا في حديثنا عن الإسماعيلية.. ثم انتهى الباب إلى إعلان أنه هو المهدي الموعود فقال مخاطبا الإمامية الإثني عشرية: (إني أنا الموعود، وأنا الذي دعوتموه مدة ألف سنة، وتقومون عند سماع اسمه، وكنتم تشتاقون للقائه عند مجيئه، وتدعون الله بتعجيل ساعة ظهوره، والحق أقول لكم إن طاعتي واجبة على أهل الشرق والغرب، وقد آتاني الله هذا البرهان، ففي ظرف يومين وليليتين أقرر أني أقدر أن أظهر آيات توازي في الحجم جميع القرآن) (المؤرخ البابي نبيل، "مطالع الأنوار"، صفحة 249) وبشر الباب بالبهاء قائلا: (إن الذي يجب أن يظهر في يوم من الأيام لهو أعظم من ذلك الذي سبق ظهوره).. وهذا نموذج من كتاب (البيان) – (اللوح الأول من آيات الوحي – شئون الحمراء – نقلا عن النص الكامل لكتاب البيان كما أورده عبد الرازق الحسني في كتابه "البابيون والبهائيون" – طبعة ثالثة، مطبعة الوفاق 1397): (بسم الله الأبهي الأبهي.. قل اللهم إنك أنت بهيان البهائيين، لتؤتين البهاء من تشاء ولتنزعن البهاء عمن تشاء، ولترفعن من تشاء، ولتنزلن من تشاء.. في معيتك ملكوت كل شيء، تخلق من تشاء بأمرك، إنك أنت بهاء، باهيا، بهيا.. ) انتهى.. وواضح في هذا النص محاكاة قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير).. وسنتناول أمر الإلهام، الظلماني والنوراني، عند حديثنا عن البهائية، وسنتعرض للشريعة البابية من خلال تعرضنا للشريعة البهائية، إذ هي أصلها..

البهائية:


ومؤسس البهائية الميرزا حسين علي (البهاء)، المولود عام 1223 هـ، والمتوفي عام 1309 هـ.. وعند البهائية البهاء هو (القيوم) الذي بشر به الباب.. ففي كتابه (الأقدس) جاء: (يا ملأ البيان تالله هذا هو القيوم قد جاءكم بسلطان مبين، وهذا هو الأعظم الذي سجد لوجهه كل أعظم وعظيم).. (الدكتور ميرزا مهدي خان، "مفتاح باب الأبواب"، صفحة 171، مطبعة مجلة المنار، 1312 هـ) وجاء في كتابه (الأقدس): (قل لا يرى في هيكلي إلاّ هيكل الله، ولا في جمالي إلاّ جماله، ولا في كينونتي إلاّ كينونته، ولا في ذاتي إلاّ ذاته) – (سورة الهيكل "البابيون والبهائيون"، المشار اليه آنفا) – وقد واجه البهاء إنكارا شديدا من العلماء والحكام، وتعرض للسجن، كما تعرض الباب من قبله، حتى قتل إعداما.. وقد أثر عنه، كما أثر عن الباب، الرياضيات الروحية الشديدة في بداية أمره.. والصلوات عند البهائية تسع ركعات حين الزوال، والبكور، والآصال، والقبلة هي شطر مقامه في عكا، وقد أبطل صلاة الجماعة، إلاّ على الميت.. والحج إنما هو لمقامه بعكا، أو لمقام الباب.. والصوم عندهم 19 يوما، وقد جعل عدد الشهور 19 شهرا، وعدد أيام الشهر 19 يوما (المصدر السابق)..
وقد نسخ كتاب (الأقدس) عند البهائية كتاب (البيان).. وعند البهائية أن دينهم هو الأولى بالتمسك من سائر الأديان..
جاء في (الأقدس): (ليس لأحد أن يتمسك اليوم إلاّ بما ظهر في هذا الظهور)، وعندهم أن كتابهم هو روح الكتب، جاء في الأقدس: (قل هذا روح الكتب قد نفخ به في القلم الأعلى).. ولا يباح في شريعة زواجهم أكثر من زوجتين (المصدر السابق).. وواضح في كتاب (الأقدس) محاكاة القرآن في الأسلوب، والمعنى، بصورة مختلة قاصرة.. جاء عنه، (في المصدر السابق): (لا تجزعوا في المصائب، ولا تفرحوا ابتغوا أمرا بين الأمرين، هو التذكر في تلك الحالة، والتنبه علي ما يرد عليكم في العاقبة، كذلك ينبئكم العليم الخبير) انتهى.. وهذه محاكاة لقوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض، ولا في أنفسكم، إلاّ في كتاب، من قبل أن نبرأها، إن ذلك علي الله يسير* لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور)، وهاتان الآيتان القرآنيتان إنما هما في قمة التوحيد، وفي قمة الأدب – أدب العبودية مع الربوبية، مما هو غاية في الإعجاز.. أكثر من ذلك، فإن مستوى المعارف، والقيم السلوكية في كتاب (الأقدس) لا ترقى قط حتى إلى المعارف، والقيم السلوكية لأواسط الصوفية (مع العلم بأنه لا معرفة، ولا قيمة سلوكية تتأتّي من دعوى بكتاب سماوي بعد القرآن).. فقول (الأقدس): (تمسكوا بحبل الأسباب متوكلين على الله مسبب الأسباب) إنما هي حكمة عامية.. وهي لا ترقى حتى لمستوى حكم ابن عطاء الله السكندري، فهو يقول حول هذا الأمر (إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمم العلية).. فأين هذه القيمة العرفانية السلوكية العميقة من تلك؟؟

الباب والبهاء والإلهامات الظلمانية:


كتابا (البيان) و(الأقدس) إنما هما الهامات ظلمانية، وهذا يقتضينا التفريق بين الإلهامات الظلمانية، والإلهامات النورانية.. فالنفس في ترقيها من الحيوانية المتسفلة إلى الإنسانية الكاملة، إنما تمر بسبع درجات.. الدرجة الأولى هي (النفس الأمارة بالسوء)، وهي النفس الحيوانية الصماء التي لا تأمر صاحبها إلاّ بالاستجابة لدواعي الشهوة.. فإذا أخذ الإنسان نفسه بالالتزام بالمنهاج النبوي، في العبادة، والمعاملة، فأخضع نفسه للمراقبة، والمحاسبة، في جانبي الأمر والنهي، انفتقت النفس الحيوانية من صمامتها، وتوحدها على طلب الشهوة، فانقسمت إلى نفس كابتة، ونفس مكبوتة.. والنفس الكابتة هي (النفس اللوامة) وهي الدرجة الثانية من درجات النفوس، وهي التي تلوم صاحبها علي ما فرط في جنب الأمر والنهي، وتكبت رغائبه الموروثة من النفس الحيوانية.. ذلك بأن الحيوان الموروث من النفس الأمارة لا يزال يقاوم الكبت، ويتطلع لتحصيل رغبته.. ومن الاحتكاك بين رغبة الحيوان، وكبت الإنسان يتولد الذكاء، ويقوى الفكر.. فترد على النفس الإلهامات، والبشارات في اليقظة، وفي الأحلام، حيث تبلغ النفس درجة النفس الملهمة، وهي الدرجة الثالثة من درجات النفوس، والتي تعان على المجاهدة في النفس اللوامة بهذه الإشراقات التي تطمئنها، وتثبت أقدامها في الطريق.. ويزيد الذكاء في الإلهام وتصبح النفس أكثر مقدرة على ترتيب أمورها من غير كبت شديد، إذ هي قد ارتفعت عن مستوى التورط في مخالفة قوانين الجماعة.. فتصبح النفس بذلك هادئة، وادعة، محبة للخير، صافية من الضغائن، بعيدة عن العنف، والجفاء.. تلك هي (النفس المطمئنة)، أو الدرجة الرابعة من درجات النفوس.. وفي الواقع، إن الحيوان الذي كان له السلطان في مرتبة النفس الأمارة بالسوء، وواجه الكبت في النفس اللوامة قد أخذ يهدأ من الحركة في النفس المطمئنة، ولكنه ليس بهدوء أصيل، إذ هو لا يزال يحتاج الاستيناس، وإن كان لا يحتاج الكبت.. وأصعب مراحل السلوك هو الخروج من النفس المطمئنة.. وأغلب الولايات إنما تحققت في النفس المطمئنة، فأشرفت على النفس الراضية، حالا، وإن لم تبلغها مقاما.. فمن اجتباه الله (للنفس المرضية) خرج من النفس المطمئنة إلى (النفس الراضية).. وعندها يتحرك الحيوان المكبوت وتنقسم النفس مرة أخرى (مقابل قسمتها في النفس اللوامة)، غير إنها قسمة أقرب إلى التوحيد من سابقتها (ذلك بأن السلوك عبر درجات النفوس سير لولبي، لا دائري) والحيوان، في النفس الراضية إنما يتحرك ليستأنس، وعمل النفس الراضية هو فض الكبت بالرضا بالإرادة الإلهية، وشهود حقيقة الخير المطلق في الوجود، شهودا ذوقيا.. وبذلك تتأهل النفس في الدخول في منطقة (النفس المرضية)، وهي منطقة الخير المطلق، فلا يريها الله تعالى إلاّ ما تحب، حتى تبلغ (النفس الكاملة) كثمرة لهذا الرضا عنها.. والنفس الملهمة إنما تقع في أخطر مراحل السلوك، فإن من تملكته شهوة خفية في تحقيق المقامات الروحية التي يكون له منها بروز، وتصرف، فأخذ نفسه بالرياضات، والمجاهدات الروحية الشديدة متعجلا بلوغ تلك المقامات، إنما يتعرض، وهو في مقام النفس الملهمة، إلى الإلهامات الظلمانية التي تسول له الدعاوى، فيحجب عما ينتظره من قطع مقامات السلوك الأخرى، فيظهر منه مثل ما ظهر من (الباب)، ومن (البهاء)، ومن (القادياني) من دعوات عريضة.. فهؤلاء من ضحايا شهوتهم الخفية وقد لبست عليهم الأمر، فهم في النفس الملهمة، فحسبوا إلهاماتها المظلمة تنزيلا من التنزيل!! وثلاثتهم صوفية لم ينضجوا داخليا في مراقي السلوك، فلما أطلت الإلهامات على غلاف النفس الخارجي، بينما دخيلتها (فخة)، غير مستوية، انطلقوا بالدعاوى.. وإنما تظهر انحرافات هذه الإلهامات في بعض مدلولاتها.. ومنها، مثلا، إبطال شريعة الحدود الإسلامية، عند البهائية..

إبطال شريعة الحدود الإسلامية، عند البهائية أكبر دلائل بطلان دعوتهم:


وألغت البهائية حد السرقة، وهو قطع اليد، وحد الزنا، وهو الرجم، أو الجلد، واستبدلت الأول بالنفي، والحبس، والثاني بالغرامة.. جاء في (الأقدس): (كتبنا علي السارق النفي والحبس) وجاء (قد حكم الله لكل زان وزانية دية مسلمة إلى بيت العدل) – (المصدر السابق).. وهذا التغيير الأساسي في شريعة الحدود، والقصاص، إنما يخرج البهائية أن يكون لها أيِّ حظ من الدين، ناهيك عن أن تكون دينا!! فإن القصاص والحدود في الإسلام إنما انبنت علي أصل أصيل يقع وراء (العقيدة)، هو قانون (الحياة)، أو قانون (المعاوضة) الذي يقضي بأن من يتواءم مع بيئته سيستمر في البقاء، ومن عجز عن هذه المواءمة فسينقرض: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.. ).. وهذه القوانين إنما هي في القمة من الانضباط، إذ هي إنما توفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، واليها إنما تقاس دستورية القوانين..
ولقد قام حد السرقة، والزنا في مواجهة الكبت الموروث، والكبت المكتسب للغريزة الجنسية، ولنزعة التملك، حيث لا تغني أية عقوبة أخرى غناءهما في علاج ذلك الكبت عند تفاقمه إلى حد مقارفة الزنا، أو السرقة.. وذلك بما تحققه هذه العقوبة من تفتيق في الذهن، الذي تبلد عند ارتكاب الجريمة، فلم يسعفه التخيُّل بمبلغ الأذى الذي ألحقه بسواه.. وحيث تقوم العلاقة العضوية بين العقل، وأعضاء الجسم، كاليد – وهي علاقة يجهل الناس نشأتها في تطور الخلقة البشرية، كما يجهلون القوى المعطلة في عقولهم، أو في ملكاتهم الأخرى، وهم يعيشون انقساما، وتضادا حتى بين القوى التي اكتشفوها.. ثم إن الإسلام، وهو يضع عقوبة الحدود إنما هو يلغي، في الاعتبار، ذلك الحاجز الوهمي الذي يقوم بين الدنيا والآخرة، فمن لم تثمر له عقوبة الحدود، أو القصاص، صلاحا في دنياه، أثمرت له نجاة في أخراه.. ولا تزال النفس البشرية في حاجة إلى الحدود، حيث لا تزال هي مؤوفة بالكبت الذي نشأ أول ما نشأ على الغريزة الجنسية، وحب التملك.. ولا يتم فض هذا الكبت إلاّ بالمنهاج النبوي، في العبادة، والمعاملة، والذي يستعين بقانون الحدود والقصاص..
وهكذا فإن إبطال (البهائية) لشريعة الحدود إنما هو في حد ذاته، أكبر الأدلة على بطلان هذه الدعوة، وعلى ظلمانية مأتاها..

ما الحاجة إلى دين جديد والإسلام رسالتان؟؟


ثم ما الحاجة إلى دين جديد، والإسلام لم يستكمل دورته على الأرض؟؟ الإسلام رسالتان، كما أسلفنا.. أولاهما تقوم على الأصول من القرآن وثانيتهما تقوم على الفروع من القرآن، وقد طبقت فروع القرآن (الشريعة)، ولم تطبق أصول القرآن، (السنة) إلاّ في مستوى حياة النبي الخاصة.. فإذا كانت أصول هذا الدين لا تزال تنتظر التطبيق من البشرية، فما الحاجة لدين جديد؟؟ ثم إن الله تعالى ما ختم النبوات بمحمد، والكتب بالقرآن، إلاّ ليفتح على البشرية باب الولاية، حيث التلقي من الله، مكافحة، من القرآن، بغير واسطة الملك.. وفوق ذلك، فإن لنبينا محمد، كما سلف، عملا روحيا متناميا من برزخه في تهيئة الأرض لمجيء المسيح المحمدي الذي يملأها عدلا كما ملئت جورا، فما الحاجة إلى دين جديد، والإسلام، كما هو في المصحف، رسالتان؟؟

القاديانية:


ومؤسس هذه الدعوة الميرزا أحمد غلام الله القادياني، المتوفي في 26 مايو 1908م وقد عرف عنه، في بداية أمره، كذلك، الاشتغال بالمجاهدات.. ("سيرة المهدي"، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1935م).. وخلاصة دعوته ادِّعاؤه أنه المسيح الموعود.. فقد قال: (في "تحفة الندوة"، مطبعة إحياء الإسلام، قاديان 1902م، صفحة 4): (فكما ذكرت مرارا إن هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن، والتوراة، وأنا نبي، ظلي وبروزي من أنبياء الله، وتجب على كل مسلم طاعتي في الأمور الدينية، ويجب على كل مسلم أن يؤمن بأني المسيح الموعود.. ) وقال: (وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو علي عشرة آلاف).. ومن كلامه الذي يزعم أنه كلام الله قوله: (إذا قيل لهم آمنوا، كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم السفهاء ولكن يعلمون، ويحبون يدهنون، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) – ("براهين أحمدية"، الجزء الرابع، صفحة 509)
وأمره كله إنما يقوم على الإلهامات والمخاطبات، وعلى المطالبة بتصديقه، مع إن هذه (الإلهامات)، فيما يبدو، محاكاة قاصرة، ومختلة للقرآن.. وقد قال بأنه (لا يحتاج إلى الحسام ولا إلى حزب المحاربين) ("دافع الوساوس"، الطبعة الثانية 1924م)، ويبدو أن دعوته إلى إلغاء الجهاد كانت بسبب ظنه بأن الحجة على أمره ألزم من أن تحتاج إلى جهاد، لا سيما وهو لم يقدم فكرة متكاملة لتطوير التشريع مبنية على أصل في التوحيد..
وأدل الدلائل على بطلان دعوته أن المسيح لا تصحب ظهوره الدعاوى، حيث إن المقام مقام برهان قاطع بالكمالات الإنسانية التي سيظهر بها، وبتصرفه في الوجود الذي يتأتَّي له، من غير حاجة إلى برهان جدلي.. الإذعان للمسيح يصحب ظهوره، ولا يتخلف عنه..
هذه هي المعتقدات، والدعوات، المنحرفة التي نشأت في البيئة الشيعية، فأسعفتها هذه البئية بكل أسباب الإنحراف، وغذَّتها بكل صور الغلو.. ولسوف يظل للعقيدة الشيعية مثل هذه الآثار السلبية حتى يتم تصحيحها.. وإننا لا نحسب أن ثمة دعوة اليوم، في موقع المصحح لكل العقائد الفاسدة مثل هذه الدعوة إلى (طريق محمد) التي تقوم على العلم الصراح في الدين، وعلى الإدراك الواعي للعصر – الدعوة الجمهورية!!