إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الكتاب الثاني من سلسلة رسائل ومقالات

الصلاة على النبي بين المؤمن والمسلم
خطاب إلى الأستاذ الجليل الشيخ محمد الشيخ أحمد الصابونابي


كوستي في 8 /8 /1966
ص.ب. 71
حضرة الأستاذ الجليل الشيخ محمد الشيخ أحمد الصابونابى
تحية طيبة مباركة من عند الله
وبعد فقد وصلنى جوابك الكريم، محولا إلى من الخرطوم، فحمدت الله تبارك وتعالى، لك، وشكرتك على مبادرتك الكتابة إلي فيما عن لك عن الكتابين اللذين وصلاك، مع جوابي في هذا الأمر: (رسالة الصلاة) و (طريق محمد)
وقد جاء في قولك عنهما: (أنها تحتوى على نصائح ثمينة سررنا لها، غير أمر واحد، أنك كلما وضعت إسم محمد فيها لم تصل عليه خطا.. ونحن، في جل الكتب فقها، وحديثا، كلما خط إسم محمد فيها يصلى عليه.. لذا نرجو الإفادة عن حذف الصلاة من إسمه في هذين الكتابين، خاصة، لكي نكون على شريعة من الأمر، والله المهدى إلى الصواب)..
وقد سرنى هذا السؤال كثيرا لأنه يثور في خواطر الناس دائما، كلما، إطلعوا على (طريق محمد) فجزاك الله عن إثارته خيرا..
وفي مستهل الرد أحب أن أردك إلى إعادة قراءة ثلاثة مواضع من (رسالة الصلاة).. الموضع الأول البشارة، وبخاصة حيث يقول: (الإسلام عايد عما قريب، بعون الله، وبتوفيقه.. هو عايد لأن القرآن لا يزال بكرا، لم يفض الأوائل من أختامه غير ختم الغلاف.. إلخ).. ثم أرجو أن تواصل قراءة البشارة كلها.. والموضع الثاني في صفحة 24 حيث يقول: (وثالثها أن المجتمع المسلم حقا لم يدخل في الوجود بعد، وسيجيء في مستقبل الأيام القريبة، إن شاء الله حيث تقوم المدنية الجديدة التي تحدثنا عنها هنا، وفيها يبلغ سائر الأفراد مرتبة االأسلام، وهي مرتبة لم تتحقق في المجتمعات الماضيات إلا للأنبياء، وحتى هؤلاء قصر عنها بعضهم، كما يحدثنا القرآن: (إنا أنزلنا التوراة، فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا، للذين هادوا، والربانيون، والأحبار، بما استحفظوا من كتاب الله، وكانوا عليه شهداء)..
ولسنا نريد الاطالة هنا، لأن الحزب الجمهورى سيصدر سفرا مستقلا في هذا المعنى.. وسيكون عنوانه: (العهد الذهبي للإسلام أمامنا)..
ولكن نحب أن نقول أننا سنفهم القرآن فهما، أحسن من ذي قبل، إذا عرفنا أنه، عندما يخاطب المؤمنين، إنما يخاطب مرحلة معينة من مراحل سير الأمة الحاضرة نحو الأمة االاسلامية المستقبلة.. وهو حين يقول (يا أيها الذين آمنوا!! اتقوا الله، حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، إنما يطلب أن يرتقي أفراد المجتمع المؤمن، من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الإسلام.. وهو بذلك يدعو إلى التطور المستمر في مراقي الكمال، والتجدد، ولا يقر الناس على الثبات في مرتبة واحدة.. وأما الموضع الثالث فهو في صفحة (46) حيث يقول: (إن الاسلام، في حقيقته، ليس دينا بالمعنى المألوف في الأديان، وإنما مرحلة العقيدة فيه مرحلة إنتقال إلى المرحلة العلمية منه.. مرحلة الشريعة فيه مرحلة إنتقال إلى مرتبة الحقيقة.. حيث يرتفع الأفراد من الشريعة الجماعية إلى الشرائع الفردية التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة.. وتكون الشريعة الجماعية محفوظة، ومرعية، لمصلحة السلوك، والتربية، والتنظيم، للقاعدة البشرية، التي تستجد كل يوم، وتجاهد، بالتجارب كل حين، لترقى المراقي).. ثم أرجو أن تواصل القراءة في هذا الباب..
ثم إني أحب أن أردك في (طريق محمد) إلى إعادة قراءة هذه الفقرة التي وردت في صفحة 24: (ثم أما بعد، فإن هذه دعوة إلى الله.. داعيها محمد.. وهاديها محمد.. وهي دعوة وجبت الإستجابة لها أمس، وتجب الإستجابة لها اليوم، كما وجبت أمس، وبقدر اكبر، إذ الحجة بها اليوم ألزم منها بالأمس..)..
هل هذه دعوة جديدة؟؟ نعم!! إنها دعوة جديدة.. وهي قديمة في نفس الأمر.. هي قديمة لأن النبي بلغها مجملة، في معنى ما بلغ القرآن وسار السيرة.. وهي جديدة، لأن تفصيلها لم يسبق به عهد..
إن العهد المقبل، والذي تبشر به هذه الدعوة، القديمة الجديدة، في آن معا، إنما هو عهد الأخوان، بالمقابلة إلى عهد الأصحاب.. فقد روي أن النبي قال يوما: (واشوقاه لإخوانى الذين لما يأتوا بعد!! فقال أبوبكر: أولسنا أخوانك يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي!! ثم قال: واشوقاه لاخواني الذين لما ياتوا بعد!! فقال أبوبكر: أولسنا اخوانك يا رسول الله؟؟ فقال: بل أنتم أصحابي!! ثم قال: واشوقاه لاخواني الذين لما ياتوا بعد!! فقال أبوبكر: من اخوانك يا رسول الله؟؟ فقال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل، منه، أجر سبعين، منكم.. قالوا: منا أم منهم؟؟ قال بل منكم!! قالوا: لماذا؟؟ قال لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا).. وسر هذا الحديث مطوى فى التفريق بين (الأخوان) و(الأصحاب).. وهو فرق ما بين (المؤمن) و (المسلم)..
ثم أن الله، تبارك، وتعالى، يقول: (إن الله، وملائكته، يصلون على النبى.. يا أيها الذين آمنوا!! صلوا عليه، وسلموا تسليما..).. ومن ههنا جاء الأدب الواجب في الدين أن يقرن إسم النبي بالصلاة عليه كلما ذكر.. ولكن ما معنى الصلاة؟؟ فالله سبحانه وتعالى يصلى على النبى.. والملائكة يصلون.. ولقد روى أن بشير بن سعد قال: يارسول الله!! أمرنا الله أن نصلى عليك، فكيف نصلى عليك؟؟ فسكت، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم.. وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، في العالمين.. إنك حميد مجيد.. والسلام علمتم).. هذا ما كان من أمر صلاة المؤمنين.. فكيف تصلى الملائكة؟؟ وكيف يصلى الله، تبارك، وتعالى، على النبى؟؟
في بعض أحاديث المعراج ورد حديث طويل: أن النبى قال: (ثم قلت اللهم لما لحقنى إستيحاش، قبل قدومى عليك، سمعت مناديا ينادى، كصوت أبى بكر، فقال لي: قف إن ربك يصلى!! فعجبت من هاتين!! هل سبقني أبوبكر إلى هذا المقام؟؟ وان ربي لغنى أن يصلى لأحد؟؟ فقال تعالى: أنا الغنى أن أصلى لأحد.. وأني أقول: سبحاني، سبقت رحمتي غضبى.. إقرأ يا محمد (هو الذي يصلى عليكم وملائكته، ليخرجكم من الظلمات، إلى النور، وكان بالمؤمنين رحيما).. فصلاتى رحمة لك، يا محمد!! ولأمتك.. وأما أمر صاحبك... إلى آخر الحديث..)..
فصلاة الله رحمة، برفع الحجب.. وصلاة الملائكة، إستغفار، بالتفدية.. وصلاة المؤمنين عبارة، بالتوقير.. والمؤمن منتفع بالصلاة.. والنبي منتفع بها. لأن أجر النبى يزيد بزيادة المهتدين من أمته، كما وكيفا.. والمؤمن يزيد هدى كلما وقر في صدره حب النبى، وتوقير النبى، وذلك ما تفعله الصلاة عليه، كلما ذكر إسمه.. فإذا قال قائل في مجلسك: محمد، او قال: النبى، فقد وجب أن تقول: (صلى الله عليه وسلم).. أو أن تقول: (اللهم صل، وسلم على حبيبك، وصفيك) إلى آخر هذه العبارات، الطيبات، التي تقرب النبى إلى قلبك وترقق قلبك، وتحفظه من آفة الغلظة، وآفة الجفاء.. وصلاة المؤمن على النبى هذه هي أدنى مراتب الصلاة عليه.. وهي توقير، وتقديس، عن جهل.. والتقديس بديل عن المعرفة، ما دونه بديل.. ويجب أن يكون مقدمة للمعرفة، ومرحلة إنتقال إليها، وألا يظل لازمة ثابتة لا تتطور.. وإنما تطوره بأن يصير توقيرا عن علم.. هذه صلاة المؤمن على النبى.. فإذا ارتفع المؤمن، فأصبح مسلما، إرتفعت صلاته على النبى، فاصبحت معرفة بالمقام.. واصبح لها حظ يتفاوت من صلاة الله على النبى.. وهي أعلى الصلاة عليه.. وهي ليست لفظية..
إن معرفة الحقيقة المحمدية هي، في حد ذاتها، صلاة على النبى أعظم، بمراحل، من الصلاة اللفظية. وقد يقول قائل: وما الذي يمنع من الجمع بين الصلاتين – صلاة المعرفة بالحقيقة المحمدية، وصلاة اللفظ؟؟ ألا يكون ذلك أكمل، وأتم؟؟ والجواب عندى أن ذلك متروك للفرد العارف.. هو ومشهده، في ذلك، لأنه يتعلق بشريعته الفردية..
وفيما يتعلق بهذه الدعوة التي نحن بصددها، فإنما هي دعوة جديدة، من همها أن تخرج الناس عما ألفوا من عبادة العادة، حيث تتقلب ألسنتهم بذكر الله، وبالصلاة على النبى، من غير أن يرتقوا المراقى فى معرفة الله، ولا في معرفة النبى.. ودعوتنا تبدأ من حيث انتهت الدعوة الأولى.. فهي تبدأ بالتوقير، والتقديس، والصلاة اللفظية على النبى، وتسير مفتوحة العينين، إلى منازل المعرفة بالحقيقة المحمدية، حيث يكون التوقير، والتقديس، أتم، وأكمل.. وأنت، الآن، مدعو للرجوع إلى الكتابين لتقرأهما، مرة أخرى، فإن وجدت أن أحدا من السلف، عرف لمحمد ما عرف كتاب (طريق محمد) لمحمد من الحق، فدلنا عليه.. حسبك أن هذا الكتاب – كتاب (طريق محمد) إنفرد، عبر الأجيال الطويلة، بالدعوة الواضحة إلى العودة إلى محمد، وجعله الوسيلة الوحيدة إلى الله، بعد أن لج بالناس إلتماس الوسائل في غيره.. وإلا فدلنا على كتاب غيره يكون له، في ذلك، ضريبا.. نعم، هنالك كثير من السلف ممن صلى على النبى، وممن وضع صيغا في الصلاة عليه، بلغت مبلغ الروعة.. ومنهم من مدح النبى، وألف، من المدائح، ما أن عبارته لتخلب الألباب.. ولكن، كل هذه العبارات اللفظية مع جلالة قدرها، تتضاءل بإزاء هذه الدعوة العلمية، العملية، التي يحويها كتيب (طريق محمد).. ذلك بان محمدا قد جاء داعيا إلى الله، وهو لا ينقصه أن يمدح، بعد أن مدح في محكم التبيان، ولكن ينقصه أن تحيى سنته، بعد أن إندثرت.. وذلك ما يفعله كتاب (طريق محمد).. وهو ما يفعله، وبقدر أكبر، كتاب: (رسالة الصلاة)..
(بدأ الدين غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ.. فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتى بعد إندثارها)..
أنت مرجو، أيها الأخ الكريم، أن تنظر في الكتابين، وبخاصة: (رسالة الصلاة) من هذه الزاوية الجديدة، لترى بنفسك مبلغ ما تبلغ هذه الدعوة، إلى إحياء سنة محمد، بعد إندثارها، من القوة، ومن الصدق.. وقد أجد في نفسي الرغبة لأقول لك ان أحدا لم يقم سنة محمد ولم يدع لإقامتها، بالقدر الذي دعا إليه كتيب: (رسالة الصلاة).. إن السنة نفسها غير معروفة عند علماء الإسلام.. عندهم أن سنته هي: عمله، وقوله، وإقراره، بمعنى أنه إذا رأى بعض الأصحاب عمل شيئا فلم ينكره عليه فهو لاحق بالسنة.. وعندنا أن السنة هي حال النبي فقط.. وبعض أقواله داخل في السنة، حيث يكون دالا على الحال.. وجل أعماله داخل فيها، وهو عليها دليل، وعن الحال ينم.. حاصل الأمر أن السنة هي حال النبى.. وآية هذا الحديث النبوى: (حالى حقيقة، وعملى طريقة، وقولى شريعة) أنظر صفحة 36 من (رسالة الصلاة) أرجو الله، سبحانه، وتعالى، أن يتولى الجميع..

المخلص
محمود محمد طه

كتب هذا الجزء ضمن الرد ثم حذف.
قال إبن عباس: (عجبت لمن ينتظر عودة عيسى، ولا ينتظر عودة محمد) فهذه الدعوة، داعيها محمد، عايدا من جديد، بتشريع جديد، يدعو المؤمنين ليكونوا مسلمين.. (وإذ قال عيسى بن مريم: يا بني إسرائيل أنى رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدى من التوراة، ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد.. فلما جاءهم بالبينات، قالوا: هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن إفترى على الله الكذب، وهو يدعى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدي القوم الظالمين..)..
ولقد جاء محمد، بنبوة أحمدية، ورسالة محمدية، فكان أحمد المشار اليه، من وجه، ولم يكنه، من وجه.. فدعا إلى الإيمان، فاستجابت له الأمة المؤمنة.. وسيجيء محمد بنبوة أحمدية، ورسالة أحمدية، فيدعو إلى الإسلام.. وستستجيب له الأمة المسلمة.. ويومئذ يستعلن وعيد الله: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه.. وهو في الاخرة من الخاسرين).. ويتحقق وعد الله: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتى، ورضيت لكم الإسلام دينا).. (وعد الله.. لايخلف الله وعده.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون)..
(إنتهى)