إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أضواء على:
شريعة الأحوال الشخصية

الحكمان


لقد أخبر المعصوم ان الطلاق هو أبغض الحلال الى الله ، وهو يهتز له عرش الرحمن ، ولذلك فقد قيدته الشريعة بدخول الحكمين في أمره وجعلت وظيفتهما الأساسية الحيلولة دون وقوعه ما أمكن ذلك ، والا فانهما لايملكان منعه ..
وأمر الحكمين منصوص عليه في الآية الكريمة " وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها ، ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ، ان الله كان عليما خبيرا " .. وهذا يعني أننا نستطيع أن نقرر في شريعتنا أنه اذا وقع خلاف بين الزوجين ، فانه لايحق لأي منهما استعمال حقه في الطلاق دون الرجوع للحكمين ، فيختار الزوج حكما من أهله ، وتختار الزوجة حكما من أهلها ، ويشترط في الحكمين أن يكونا من ذوي الخلق والدين .. وعليهما تهدئة الخواطر ، ومحاولة حل المشكلة القائمة بصورة تكفل ديمومة العلاقة الزوجية ، ولكن ليس لهما حق منع الطلاق ، فاذا أصر أحد الزوجين على الطلاق فانه لابد واقع ، ويصبح من حق الحكمين أن يفرضا عقوبة ، هي عبارة عن تعويض مادي يدفعه الطرف المتسبب في الضرر للطرف المضرور ، هذا اذا ثبت لهما أن هناك طرفا مضرورا .. وقرار الحكمين بالتعويض ملزم قضاءً .. ومن وظيفة الحكمين تحديد من تكون له حضانة الأطفال في حالة وقوع الطلاق .
وعلى الرغم من القيمة الكبيرة والواضحة لتشريع الحكمين ، وهو شريعة اسلامية مدعومة بالنص الواضح - وقد نصت المادة الخامسة عشرة من المنشور الشرعي السوداني رقم 17 على اللجوء اليه – على الرغم من كل ذلك ، فهو غير معمول به الآن ، بل ، أسوأ من ذلك ، هنالك اتجاهات خاطئة ، تطالب بتقييد الطلاق بألا يقع الا أمام قاضي ، ولمثل هذا الأجراء مساوئ عدة يمكن أن نذكر منها :

    (1) أنه يعرض أسرار الأسر لأن تكشف وتذاع ، مما يكون له أسوأ الأثر على هذه الأسر وعلى السلوك الأجتماعي عامة ..
    (2) ان للعلاقة الزوجية ، من الأسرار مالايمكن كشفه أمام المحاكم خصوصا من جانب المرأة ، مما يقلل من فرص الحكم العادل .
    (3) ان القضاة كموظفين يؤدون عملا مكتبيا لايجدون العاطفة ولا الزمن الكافي لحل مثل هذه المشاكل الأسرية الدقيقة .

هذا في حين أن لتشريع الحكمين ميزا كثيرة تعين على حل المشاكل الزوجية واستمرار العلاقة ، ومن هذه الميز مثلا :

    (1) كتشريع منصوص عليه في القرآن ، فهو ممدود ببركة خاصة أشار اليها قوله تعالى :
    " ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما " حتى انه لقد حكى عن سيدنا عمر أنه جلد مرة الحكمين حين لم يتم على يديهما التوفيق ، وقال لهما : لم تريدا اصلاحا ، والا لتم التوفيق ، كما وعد الله .
    (2) ولأن للحكمين صلة بالزوجين ، فانه يكون لهما المام كافٍ بطبيعة الزوجين ، وتفاصيل حياتهما ، وأفضل الأساليب للدخول عليهما بالأضافة الى أن للحكمين مصلحة شخصية في استمرار العلاقة الزوجية .
    (3) يجد كل من الزوجين الصراحة الكافية ليقول لحكمه الذي يثق فيه ويأتمنه مايشاء من أسرار ، كما يجد الحكمان الوقت الكافي للنظر في المشكلة .
    (4) عمل الحكمين يتم بين أسوار المنازل مما يحول دون تفشي أسرار الأسر .


بيت الطاعة


ومن أهم مايحققه التفويض هو أنه يقضي على بيت الطاعة ، الذي لايزال قائما ، فعلى الرغم من أن المرأة المحكوم عليها بالطاعة أصبحت لاتساق الى بيت زوجها بالبوليس ، الا أنه يمكن لزوجها ، ألا ينفق عليها ، ولايطلقها لتجد فرصة أخرى ، مما يضطرها ، في النهاية ، الى الرجوع اليه ، ذليلة مهانة .. ولايمكن القضاء على بيت الطاعة ، و "التعليق" الا بالمشاركة في العصمة .