الحكمان
لقد أخبر المعصوم ان الطلاق هو أبغض الحلال الى الله ، وهو يهتز له عرش الرحمن ، ولذلك فقد قيدته الشريعة بدخول الحكمين في أمره وجعلت وظيفتهما الأساسية الحيلولة دون وقوعه ما أمكن ذلك ، والا فانهما لايملكان منعه ..
وأمر الحكمين منصوص عليه في الآية الكريمة " وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها ، ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ، ان الله كان عليما خبيرا " .. وهذا يعني أننا نستطيع أن نقرر في شريعتنا أنه اذا وقع خلاف بين الزوجين ، فانه لايحق لأي منهما استعمال حقه في الطلاق دون الرجوع للحكمين ، فيختار الزوج حكما من أهله ، وتختار الزوجة حكما من أهلها ، ويشترط في الحكمين أن يكونا من ذوي الخلق والدين .. وعليهما تهدئة الخواطر ، ومحاولة حل المشكلة القائمة بصورة تكفل ديمومة العلاقة الزوجية ، ولكن ليس لهما حق منع الطلاق ، فاذا أصر أحد الزوجين على الطلاق فانه لابد واقع ، ويصبح من حق الحكمين أن يفرضا عقوبة ، هي عبارة عن تعويض مادي يدفعه الطرف المتسبب في الضرر للطرف المضرور ، هذا اذا ثبت لهما أن هناك طرفا مضرورا .. وقرار الحكمين بالتعويض ملزم قضاءً .. ومن وظيفة الحكمين تحديد من تكون له حضانة الأطفال في حالة وقوع الطلاق .
وعلى الرغم من القيمة الكبيرة والواضحة لتشريع الحكمين ، وهو شريعة اسلامية مدعومة بالنص الواضح - وقد نصت المادة الخامسة عشرة من المنشور الشرعي السوداني رقم 17 على اللجوء اليه – على الرغم من كل ذلك ، فهو غير معمول به الآن ، بل ، أسوأ من ذلك ، هنالك اتجاهات خاطئة ، تطالب بتقييد الطلاق بألا يقع الا أمام قاضي ، ولمثل هذا الأجراء مساوئ عدة يمكن أن نذكر منها :
(1) أنه يعرض أسرار الأسر لأن تكشف وتذاع ، مما يكون له أسوأ الأثر على هذه الأسر وعلى السلوك الأجتماعي عامة ..
(2) ان للعلاقة الزوجية ، من الأسرار مالايمكن كشفه أمام المحاكم خصوصا من جانب المرأة ، مما يقلل من فرص الحكم العادل .
(3) ان القضاة كموظفين يؤدون عملا مكتبيا لايجدون العاطفة ولا الزمن الكافي لحل مثل هذه المشاكل الأسرية الدقيقة .
هذا في حين أن لتشريع الحكمين ميزا كثيرة تعين على حل المشاكل الزوجية واستمرار العلاقة ، ومن هذه الميز مثلا :
(1) كتشريع منصوص عليه في القرآن ، فهو ممدود ببركة خاصة أشار اليها قوله تعالى :
" ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما " حتى انه لقد حكى عن سيدنا عمر أنه جلد مرة الحكمين حين لم يتم على يديهما التوفيق ، وقال لهما : لم تريدا اصلاحا ، والا لتم التوفيق ، كما وعد الله .
(2) ولأن للحكمين صلة بالزوجين ، فانه يكون لهما المام كافٍ بطبيعة الزوجين ، وتفاصيل حياتهما ، وأفضل الأساليب للدخول عليهما بالأضافة الى أن للحكمين مصلحة شخصية في استمرار العلاقة الزوجية .
(3) يجد كل من الزوجين الصراحة الكافية ليقول لحكمه الذي يثق فيه ويأتمنه مايشاء من أسرار ، كما يجد الحكمان الوقت الكافي للنظر في المشكلة .
(4) عمل الحكمين يتم بين أسوار المنازل مما يحول دون تفشي أسرار الأسر .
بيت الطاعة
ومن أهم مايحققه التفويض هو أنه يقضي على بيت الطاعة ، الذي لايزال قائما ، فعلى الرغم من أن المرأة المحكوم عليها بالطاعة أصبحت لاتساق الى بيت زوجها بالبوليس ، الا أنه يمكن لزوجها ، ألا ينفق عليها ، ولايطلقها لتجد فرصة أخرى ، مما يضطرها ، في النهاية ، الى الرجوع اليه ، ذليلة مهانة .. ولايمكن القضاء على بيت الطاعة ، و "التعليق" الا بالمشاركة في العصمة .