إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الدعوة الإسلامية الجديدة

اللغة العربية وحدها لا تعطي معاني القرآن


أمبارح نحن قلنا أن كلام الله، في بعض مراتبه، هو المعاني العليا.. هذه المعاني العليا ربنا تلطف، وأودعها، في قوالب التعبير العربية، لكن اللغة العربية وحدها لا تعطي معاني القرآن.. وقلنا المثل فيها.. برضو نقوله مرة ثانية، وأحب أن يكون دا واضح للناس إذا كان يمشوا فيهو.. ((وأنزلنا إليك الذكر)) القبيل قلناها.. ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون..)) الناس البياخدوا معاني القرآن من اللغة العربية وحدها عندهم أنو النبي مأمور بأن يبين للناس القرآن كله لأنك أنت لما تقول : ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم..)) معنى "ما" هنا "الذي".. فيصبح المعنى: وأنزلنا إليك القرآن لتبينه للناس، لأنه هو "الذي" نزل إليهم.. دا ببساطة معنى "ما" في اللغة.. لكن التوحيد يقول: لا!! التوحيد يقول أن القرآن لا يمكن أن يبين كله، إطلاقا، ذلك لأن أوله عندنا في اللغة العربية – في ظاهر نص الآيات المحكمة، مثلا، وآخره عند الله، في إطلاق ذاته.. ((وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم..)) ومن أجل دا فإن تبيينه لا يمكن أن يقع الفراغ منه، لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في الآخرة.. والسير في معاني القرآن في مراقي القرب سير سرمدي.. ويبين القرآن الله كل لحظة.. ((كل يوم هو في شأن))، هذه هي الصفة الواردة في حق ربنا.. وشأن ربنا إنما هو إبداء ذاته لعباده ليعرفوه.. ((كل يوم هو في شأن))، شأنه تعالى أن يعلمنا.. شأنه أن يتجلى لينا، ويظهر لينا.. ((ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء))، علمه المطلق دا، كل مرة، هو يكشف لينا بمشيئته، وبرحمته، منه شيء نتعلمه، وما يحجب عنا بالنسبة لما يكشف لنا زي ما تشيل الإبرة من المحيط.. لكن العلم مطلق، ونحن سايرين إلى الله، في إطلاق ذاته، في السرمد..

الكلمة إناء وإنما يأخذ محتواه من التجربة


لا بد أن نختم كلامنا دا لنعطي الفرصة للإخوان ليناقشوا.. ونحب أن يكون النقاش قائما على موضوعية.. دعوتي للأخوان المناقشين هي أن القرآن علم الله صب في آنية التعبير العربية والتوحيد وحده هو البيعطي الآنية دي محتواها.. كلما انت وحدت كلما بقت الكلمات بتحمل ليك معاني أكثر مما بتحمل لغيرك.. الحقيقة نحن برضو بنضرب مثل بسيط للمسألة دي، فإني أنا أحبها أن تتوكد أن الكلمات نفسها ما بتعطيك أي معنى إلا مع التجربة.. يعني، مثلا، كلمة "جمل".. كلمة جمل دي إذا انت قلتها لطفل في الخرطوم، مثلا، في الامتداد، في الخرطوم، يجوز لا يعرف عنها أي شيء.. يجوز ينبعث في ذهنه، من كلمة "جمل"، شكل جمل واحد، بصورة معينة، شايل حطب، وماشي في الشارع.. كلمة "جمل" تكون مقيدة في تجربته بالصورة دي.. قد يكون ما شاف حتى جمل الحطب، ولا يعرفه، وكلمة "جمل" لا تعطيه إذن أي معنى.. في ذهنه ما ينبعث شيء إذا تكلمت انت بكلمة "جمل"، بينما انك إذا قلتها في بادية الكبابيش، الطفل القدر طفل الخرطوم، قد ينبعث في ذهنه صور عديدة جدا من الجمال – ألوانها، وأحجامها، وأشكالها، وأنواعها، من جمل عربي، أو جمل هجين، أو جمل أصهب، إلى آخر صور عديدة – لأن تجربته في الناحية دي واسعة.. اللغة العربية بتعطينا كلمات القرآن ولكن محتواها الحقيقي إنما يملأ بفضل ممارسة التوحيد، لأن التوحيد ممارسة.. فانت كلما وحدت كلما الكلمة دي تنزلت ليك بمعاني أكثر – معاني قد تفيض فيضا لا حد له.. ودا إنما يجيئك من تعليم الله ليك.. بالصورة دي يجيك العلم، لأن الإنسان إذا جرب، ومارس، وجود التجربة والممارسة في التوحيد يتفضل الله بتعليمه، والقاعدة العامة هي قوله تعالى: ((واتقوا الله ويعلمكم الله..))..
فأنا إذن بحب أن الأخوان يعرفوا أن القرآن نزل باللغة العربية لكن اللغة العربية ما بتدي كل معانيه ، أكثر من ذلك ، فإن اللغة قد تضلل عن معانيه .. زي ما قلنا: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) الناس الواقفين على التفكير من اللغة وحدها بيفتكروا أن النبي مأمور بأن يبلغ القرآن ويبين القرآن.. ودا التوحيد ياباه.. من هنا يجيء المعنى البيهو لازم يكون التوحيد هو رائدنا، ودليلنا، في الفهم.. بدون التوحيد لا يمكن أن يكون في فهم للقرآن.. المسألة الثانية التي أحب أن يكون في توكيد ليها هي انو الإسلام درجتين.. وان الإسلام النحن عايزنو قدامنا موش ورانا.. الإسلام، بمعنى علم النفس، دا موجود في المصحف، وما بعث، وما شرع على أساسه.. بل أن آياته كانت منسوخة.. في حق الأمة كانت منسوخة، وما قائمة إلا في حق النبي وحده.. ونحن الآن نحب أن تنبعث هذه الآيات التي كانت منسوخة في القرن السابع.. وهي إنما كانت منسوخة لأنها قد كانت أكبر من طاقة الناس، وكانت أكبر من حاجة الناس.. كانت المحكمة يومئذ هي آيات المدينة، وسبب أحكامها أنها كانت قدر حاجة الناس.. ويجيء القرآن فيقول عن النسخ: ((ما ننسخ من آية، أو ننسها، نأت بخير منها، أو مثلها..)) فخير منها يعني أكثر منها مناسبة لوقت الناس.. المسألة في موضوع الأصول والفروع أن الفروع كانت صاحبة الوقت في القرن السابع ولذلك فإنها قد كانت ناسخة للأصول والأمر الذي نحن بصدده الآن هو أن نداول النسخ، فنجعل الآيات القبيل كانت منسوخة هي صاحبة الوقت لأن وقتها جاء، والآيات القبيل كانت ناسخة تكون هي المنسوخة.. الدور جاءها هي لتكون منسوخة، لأن وقتها قد مضى.. دا معنى بعث الإسلام.. نرتفع من نص فرع إلى نص أصل.. كله داخل القرآن.. دا معنى بعث الإسلام فينا من جديد ليحل المشكلة الكوكبية المعاصرة.. الحكاية التي أحب لها أن تناقش، برضو هي مسألة حاجة البشرية المعاصرة إلى الجمع في جهاز حكومي واحد بين الديمقراطية والاشتراكية.. المسائل دي إذا كانت واضحة ليكم النقاش يجب أن يتجه ليها اتجاه موضوعي.. وأنا أحب أن أكون بين، وواضح، فإن المسائل المعروفة من الإسلام بالدراسة نحن عندنا معلومة، وحاضرة وبدينا منها.. فإذن ما يبتدوا لينا منها، ولا يذكرونا بيها.. ما راح يذكرونا بحاجة جديدة.. لكن الأخوان البناقشوا يحسن أن يفكروا فيما أوردنا، ثم ليكون في تساؤل، وفي زيادة شرح.. الحقيقة أن المحاضرة دي كان ممكن تمشي لتفاصيل أكثر، لكن أنا بفضل أن تكون في مشاركة بيننا وبين الأخوان الفي المجلس لأنو بذلك نستطيع أن نبين أكثر، على أن يكون النقاش نقاش موضوعي.. وبرضو الواحد يقول أنو يجب أن تكون في أخلاق الإسلام في الجلسة.. فإن الأخلاق التي رأيناها البارحة ذهبت دليل حقيقي على زعمنا أن الإسلام ما في، فزادتنا يقين.. نحن كان عندنا بيها الظن، ولكن زادتنا بذلك يقين.. أخلاق أمبارح كانت دليل على أنو الإسلام في الناس مافي.. وانا أحب للأخوان أنو المسألة دي ما تتكرر.. الدين، والكلام في أصوله، سير في الوادي المقدس.. الما بعظم أمر الله بعيد من الله، ومحروم.. أنا راح أترك المقدمة في المرحلة دي، واسمع من الأخوان المناقشين ما يحبوا أن يثيروه.. شكرا..