إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الدعوة الإسلامية الجديدة

الأمة المسلمة لم تدخل في الوجود بعد:


وقبيل قلنا أن الأمة المسلمة ما جات، وإنما جات الأمم المؤمنة.. وقلنا أنو موسى مسلم لكن أمته اسمها اليهود.. وعيسى مسلم أمته اسمها النصارى.. ومحمد مسلم أمته اسمها المؤمنون.. ودي هي العبارة التي نحن قلناها حين قلنا أن هذه الأمة إنما هي الأمة المؤمنة.. ويجيء الخطاب إليها: ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين)) دا اسم هذه الأمة المخصص ليها.. وإنما سميت، زي ما قلنا قبيل، "المسلمون" من الإسلام الذي هو الانقياد الظاهري.. مجرد ما يدخل الإنسان في الانقياد الظاهري يصبح اسمه "مسلم"، لكن إذا وقف في درجات الإيمان ما اسمه مسلم بالمعنى داك، لأن الإسلام بالمعنى داك أكبر من الإيمان.. هو المعنى البيه يقع الانقياد التام.. دي درجات يقين، تكون مرتبة الإيقان.. لقد سبق أن قلنا ليكم ربنا ما قال عن إبراهيم: ((وليكون من المؤمنين)) وإنما قال: ((وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين)).. ذلك لأنه قد دخل في درجات اليقين.. متين؟؟ لما قال: ((ربي أرني كيف تحيي الموتى!! قال أو لم تؤمن؟؟ قال بلى!!)) آمنت، عايز زيادة.. ((ولكن ليطمئن قلبي..)).. ليطمئن القلب بالحكاية الملموسة القبيل قلنا ليكم عليها بمسألة الموز.. هنا لما تجيء انت تدخل في مراقي العلم – علم اليقين – انت بتفهم عن الله أكثر مما كنت بتفهم في البداية.. الأمر في كلام الله لينا كفاحا.. نحن بنستبعده، وبنستغربه، لأننا ما بنعرف الأمر دا.. الأمر كله، في الحقيقة، في القرآن.. في القرآن الله يكلمنا.. دا كلام الله لينا.. قال: ((إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون!!)) كأن ربنا قال: لعلكم تعقلون عني، لعلكم تعقلونني، لعلكم تفهمون مني.. "لعلكم تعقلون" دي معناها كدا.. وكذلك جعله قرآنا عربيا، وكذلك كلمنا بيه.. فأنت لما تقرأ القرآن في الصلاة يجب ان تعرف أن الله بكلمك.. ولما يرد كاف الخطاب في القرآن، الكاف دا ليك انت، هو للنبي في المكان الأول حسب درجته، لكنه أيضا ليك انت.. ((ألم نشرح لك صدرك؟؟)) انت يجب أن لا تقول ((يا محمد)) زى ما بقولوا المفسرين .. المفسرين بقولوا الكاف دا للنبي .. كأنو يرجع لى كدا .. هو دا حق .. ((ألم نشرح لك صدرك ؟؟)) دا للنبي.. لكن انت لما تقرأ القرآن ما تكون الشخص الثالث.. ما تعتقد أن الله بيكلم النبي، وانت شخص ثالث، ما داخل في الصورة.. بالصورة دي ما بتفهم عن الله.. بل يجب أن تعرف أن كاف الخطاب ليك.. وانت مخاطب من الله ويجب أن تعطيه أذنك تماما.. هذا أمر ضروري لأن العبادة حيلة على النفس، وسياسة ليها لتحضر.. هسع انت، في المعايشة اليومية، لو كنتو ثلاثة في تربيزة، اثنين منكم بتكلموا في كلام ما بهمك، انت أحيانا بتسهو، وأحيانا بتغيب عن كلامهم.. الإثنين ديل بيحضروا لأن واحد بكلم الثاني.. بعد شوية يجوز انت ما تعرف بقولوا شنو، لأنك سرحت في أمر ثاني.. يحصل لك دا لأنك انت متفرج، وماك داخل في الصورة.. لكن إذا كان الكلام معاك انت طوالي إنت ما بتغيب.. الله بكلمك، دا لازم يكون واضح، إذا تأكدت من دا انت بتكون حاضر معاهو.. جهلنا بهذا الأمر هو السبب البخلينا نحن ما نفهم عن الله.. فإذا كان نحن استعدينا لنفهم عنه حين يكلمنا في القرآن فإنه سيفتح لينا في معاني القرآن.. ((واتقوا الله، ويعلمكم الله)).. معناها أعملوا بالشريعة يعلمكم الله الحقيقة.. والحقيقة هي أسرار فعل الله.. كلنا بنشوف فعل الله في خلقه لكن السر وراء فعله شنو؟؟ دا بنجهله.. إذا نحن ما توخينا العبادة الصحيحة هو يورينا الأسرار في فعله.. ودي ما سميت الحقيقة.. وبالحقيقة تكون العبودية.. في حين أنه بالشريعة تكون العبادة.. الحقيقة ثمرة الشريعة – ثمرة العبادة – إذا انت عملت في العبادة بإتقان.. الحقيقة زي الثمرة بالنسبة للشجرة.. الشريعة شجرة والحقيقة ثمرتها .. في من الناس من تكون شجرته شجرة شوك، فهي لا تلد حاجة نافعة.. دي الشريعة الغلط.. في من الناس من تكون شجرة شريعته شجرة مانقو، مثلا، فهو يجني منها خير الثمر.. كل إنسان عاقل لا يمكن أن يهتم بشجرة الشوك، ويربيها في بيتو، ويسقيها.. ((كل شجرة لا تأتي بثمر تقطع، وتطرح، في النار)).. شجرة الشوك شجرة وقود.. شجرة المانقو نحن بنحرسها، وبنرعاها، وبنميها.. الشريعة الموصلة لحقيقتها شريعة جيدة ومتقنة، ومؤثرة على الأخلاق.. ما تقوله، وما تنظره، وما تعمله، وما تتحرك فيهو، كله محكوم بشريعتك.. الشريعة دي تؤتي ثمرتها.. ثمرتها هي الحقيقة.. والحقيقة تسوقك إلى أدب العبودية ذلك لأنها إنما هي أسرار الألوهية، وتوجب عليك التأدب مع الله.. هنا تلاقي الله: ((يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه..)) ملاقاة الله ماها في الزمان، ولاها في المكان.. الله موش في مكة.. الله ما في السموات، ولا في الأرض.. الله في قلوبنا.. ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)).. لكن للعبادة ربنا جعل بيته الكعبة.. نقول الكعبة بيت الله، دا في الشريعة، لكن، في الحقيقة، بيت الله قلب المؤمن، ولذلك قال: ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)).. وملاقاة الله إذن ما بتكون بالمشي في المسافات، وإنما بتقريب صفاتنا من صفاته.. نرتفع من جهلنا إلى علم.. نرتفع باستمرار في أخلاقنا.. ((تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على سراط مستقيم..)) فإذا جاتك العبودية، وانت اترقيت فيها تصبح شريعتك شريعة فردية.. والقول بأنه يسقط عنك التكليف دا كلام عوام ساكت، وفيهو تشويه رديء.. التكليف ما بسقط إطلاقا.. بل إن التكليف عند العارف أكبر من التكليف عند الجاهل.. العارف مأمور ومكلف بقول ربنا: ((قل أنظروا ماذا في السموات والأرض!!)) الجاهل ما مكلف بدا.. "وأقم الصلاة".. دي مكلف بيها الجاهل، ومكلف بيها العالم.. لكن العالم ((قل انظروا ماذا في السموات والأرض!!)) أمر ليهو وشريعة في حقه.. فالعارف ما بتسقط عنه التكاليف بل تزيد تكاليفه، على قاعدة أخوفكم من الله أقربكم منه.. لكن العارف بالله بيسير بإتقان في مراقي الشريعة الجماعية حتى يبلغ شريعته الفردية فيأخذها من الله، من القرآن.. الله بيديك إياها كفاحا، من القرآن.. والقاعدة فيها العلم اللدني.. قال تعالى عنه ((فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا، وعلمناه من لدنا علما..)) من إتقان، وتجويد، التوحيد يجيء فهم الدين.. لا من اللغة العربية وحدها.. الكلام دا اللغة العربية ما بتدي فيهو دقائق أسراره..