إسلامان: دون الإيمان وفوق الإيمان:
في إسلام أقل من الإيمان، وفي إسلام أكبر من الإيمان.. وفي المراحل البتسير فيها بتسير في مرحلتين، كبيرتين – مرحلة العقيدة، ومرحلة العلم.. مرحلة العقيدة في الدين، ومرحلة العلم منه.. مرحلة العقيدة ما بتوحد الناس.. دا الكلام القبيل قلناه.. نحن، في مرحلة العقيدة، مقتنعون بديننا، لكنه ما مقنع للآخرين.. هذا ما اقتضته حكمة ربنا: ((كل حزب بما لديهم فرحون)).. حتى الوثني قد يعتقد أن طريقه إلى الله أقرب من طريقك.. ما في عبرة، في الحقيقة، في الموضوع دا.. إنت متأكد من حقيقتك، أنو انت طريقك أقرب، لكن ما تستطيع أن تقنعه هو.. الأمر يختلف إذا كان انبعث الدين في مستوى العلم، يعني في مستوى الفطرة.. العلم هنا، في الحقيقة، يعني علم نفس.. الإسلام علم نفس.. المجودون من السالكين في طريق الصوفية عرفوا معنى علم النفس.. في الوقت البنتكلم فيه عن الإسلام، وكيف أنه سبعة مراحل، هم عندهم النفوس سبعة مراحل برضو.. وكلها واردة في القرآن.. النفس الأولانية – النفس الحيوانية – دي سميت النفس الأمارة: ((وما أبرئ نفسي.. إن النفس لأمارة بالسوء)).. دي النفس الأمارة، وسموها الأمارة لأنها تأمر بالسوء.. هي دي النفس الحيوانية.. وهي غير منقسمة.. فالحيوان مسترسل يرعى في المروج.. الحيوان ما عنده اعتبار حلال وحرام.. دي كما قلنا سميت النفس الأمارة، ولقد جاء وارد عنها في حديث سيدنا يوسف الذي حكاه القرآن: ((وما أبرئ نفسي.. إن النفس لأمارة بالسوء)).. ثم تجيء بعدها النفس اللوامة: ((لا!! أقسم بيوم القيامة.. ولا!! أقسم بالنفس اللوامة)).. النفس اللوامة تبدأ أول ما تنقسم النفس الأمارة من حيوانيتها إلى بشريتها.. عند هذه القسمة يصبح الإنسان عنده ضمير ينازعه، ليه أنا عملت كدا؟؟ دا غلط، دا عيب، دا حرام.. أصبح مقسوم، الحيوان القبيلك مسترسل في شهوته.. أصبح مقسوم بمعنى أصبح عنده عقل يوزن بيه المسائل.. أصبح بيشعر بالعيب.. يشعر بالخطأ.. ودي سميت النفس اللوامة.. ثم تجيء بعدها النفس الملهمة: ((فألهمها فجورها وتقواها)).. ثم تجيء بعدها النفس المطمئنة: ((يا أيتها النفس المطمئنة !! أرجعي إلى ربك راضية، مرضية..)).. وفي الآية دي تجيء النفس الراضية، وتجيء النفس المرضية.. بعد كل هذا تجيء النفس الكاملة، عند السالكين في المعارف دي.. والنفوس كلها مأخوذة من القرآن.. النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة.. ودي تسير في مراقي الأسرار في العدد السباعي.. "السبعة" إنتو شفتوها في الأسرار.. في الأيام السبعة، والسموات السبعة إلى آخر الأمر في السبعة: ((ولقد آتيناك سبعا من المثاني، والقرآن العظيم)) سبعا من المثاني.. صلاة الليل بالقرآن هي البتفتح الأبواب في المغاليق دي..
العقيدة والعلم أو الإيمان والإيقان:
في القرآن واردة مرحلة العقيدة في الإسلام، ومرحلة العلم من الإسلام.. نحن في تعليمنا الأول – في رسالة نبينا الأولى – الرسالة القائمة على الفروع، وهي الرسالة المخصصة لأمته – نحن في هذه في مرحلة العقيدة.. ودا هو الوارد في الحديث عن جبريل، يرويه عمر بن الخطاب، في أمر العقيدة: ((أخبرني عن الإسلام، أخبرني عن الإيمان، أخبرني عن الإحسان.. ثم يقف جبريل، ويسأل عن أشياء أخرى فلما قال: يا عمر!! أتدري من السائل؟؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم!! قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) أمبارح قرينا الحديث بتفصيله، وما نحب ندخل في تفاصيله هسع.. لكن الشاهد فيهو أن جبريل لما جاء في صورة رجل سأل عن الإسلام، وسأل عن الإيمان، وسأل عن الإحسان، ثم وقف، وذهب يسأل عن الآخرة، ويسأل عن الساعة، ثم انصرف، فقال هذا جبريل!! أتاكم يعلمكم دينكم.. المرحلة دي، من لدن تبليغ القرآن وتشريع التشريع، هي مرحلة المؤمنين.. وهي قائمة على تبليغ القرآن كله، وعلى التشريع من القرآن المدني بخاصة.. فالقرآن المدني هو قرآن أمة المؤمنين.. نحب أن يكون أمرنا دا واضح.. القرآن المدني هو قرآن المؤمنين.. ولذلك تلقى أنه من علامات القرآن المدني الخطاب: ((يا أيها الذين آمنوا)).. ونحن الآن اسمنا المسلمين، ولكن بمعنى الإسلام القريب.. ليس شرطا إسلام الأعراب، زي ما ورد على لسان واحد من الأخوان أمبارح في نقاشه.. قال الأخ: هل أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، إسلامهم إسلام الإعراب؟؟ ومشي يشرع، ويفرع على الموضوع.. لكننا نحنا قلنا أنه الإسلام الأولاني وارد في آية: ((قالت الأعراب آمنا.. قل لم تؤمنوا!! ولكن قولوا أسلمنا.. ولما يدخل الإيمان في قلوبكم..)) نفى تعالى عنهم الإيمان، وأثبت ليهم الإسلام، لأن الإسلام، في بدايته، هو الانقياد الظاهري فقط.. وقلنا أنه كل إنسان عندما يسلم بيبدأ بالإسلام الظاهر، وهو قوله باللسان: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ثم العمل بالجوارح فيما أمرت بيهو من القواعد الخمسة.. كل مسلم بيدخل بالبداية دي.. فإذا كان هو صادق النية في إسلامه دا فإن ربنا ينصره، ويدخل الإيمان في قلبه.. يعني بعد القول باللسان، والعمل بالجوارح، يتوكد هذا العمل فيثمر حالة في القلب هي الإيمان.. أما إذا كان الإنسان عندما قال باللسان، وعندما عمل بالجوارح غير صادق – إذا كان قلبه مريض – بيكون منافق، وقد يظل على مرضه، زي ما ظل بعض الأعراب: ((الأعراب أشد كفرا ونفاقا)) كذلك قال تعالى عنهم.. لكننا أوردنا آية ((قالت الأعراب)) لأنها هي الآية البتجيب المعنى المقصود.. موش معنى الكلام دا أن أبوبكر، وعمر، وعثمان، كان إيمانهم، وإسلامهم، إسلام الأعراب.. لا!! ذلك لأنهم قد دخلوا الإسلام بصدق، فانتقلوا في مراقي الإيمان، والإحسان.. لكنهم ظلوا في درجة الإحسان، ولم يدخلوا مراقي الإسلام الأخير.. ودا هو السبب القال بيهو نبينا: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) يعني دين الأمة المؤمنة.. نحن، فيما بعد، افتكرنا أنه دين الإسلام ما فيه غير الدرجات الثلاثة ديل.. حقيقة الأمر أن المسألة بتجي ثاني ببيان جديد في مرحلة العلم زي ما قلنا.. البيان الجديد دا ليه ما ورد في حديث جبريل؟؟ الجواب: لأن جبريل ما أرسل ليعلم الأمة المسلمة، ذلك لأنها لم تكن حاضرة يومئذ، وإنما كان طليعتها وحده هو الحاضر.. "النبي" وحده كان المسلم في أمة المؤمنين.. بيان أمر الإسلام نزل تفصيله في القرآن، فيما سمي بعلوم اليقين، وهذه هي ما سميت بمرحلة العلم – علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. بعد الإسلام، والإيمان، والإحسان، التي هي "ثلاثتها" مرحلة "إيمان" (أو مرحلة عقيدة يمكنك أن تقول) تجيء الثلاثة التي هي مرحلة إيقان، (أو مرحلة علم يمكنك أن تقول) وارد في القرآن قوله تعالى: ((كلا!! لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن، يومئذ، عن النعيم)).. فههنا وارد علم "اليقين" وعلم "عين اليقين" ثم يجيء، في موضع آخر، بقوله تعالى ((وإنه "لحق اليقين" * فسبح باسم ربك العظيم)).. ودي كلها زيادات في الدرجة.. يعني هي الإيمان يتنقل في المراقي.. فانت عندما تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله" في أول أمرك، أنت مؤمن بالنبي أنو صادق.. انت ما بتعرف عن الله حاجة.. أول دخول من دخل في الإسلام إنما دخل لأنه معلوم عندهم أن النبي صادق.. لأنهم لم يجربوا عليه الكذب.. زي ما جاء في القصة المشهورة عن هرقل قال ليهم: ((هل جربتم عليه من كذب؟؟ قالوا: لا!! قال: ما كان ليدع الكذب على الناس ويدعيه على الله..)) وهو قد كان في الجاهلية إسمه "الأمين".. فربنا لما اختاره للرسالة حفظه من كل ما يشكك في سلوكه.. ثم أنه لما جاء وقال للناس: ((إني رسول الله إليكم)) البيعرفوه آمنوا بيه طوالي.. آمن من الرجال أبوبكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي.. وإنما أسلم دول طوالي لمعرفتهم المباشرة بيهو.. فهم قد كانوا مؤمنين بيهو هو.. فهم عندما قالوا: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" إنما آمنوا بأنه هو ما كاذب.. هو صادق ما دام قد قال أنا رسول الله.. ثم أن الإيمان بالرسول زاد فجاء الإيمان بالله.. من القول باللسان والعمل بالجوارح دخل في القلوب شيء هو الإيمان بالله.. ثم زاد الإيمان فبقى إحسان.. ثم زاد الإحسان فبقى علم "يقين".. ثم زاد علم اليقين فبقى "عين يقين".. ثم زاد علم عين اليقين فبقى "حق يقين".. هنا أصبح العلم كأنه ملموس..لما تبقى انت في درجات اليقين الثلاثة العلم النظري يصبح محسوس عندك، ومجسد، تلمسه بيديك، وتقتنع بيه نفسك، لذلك تستيقن انت.. تاني انت ما عندك شك.. هناك مسألة بتقرب ليكم صور المعاني في تنقل الإيمان في درجات اليقين.. التمثيل دا ليقرب ليكم المعنى.. قالوا إذا كان انت عندك صديق في البادية وهذا الصديق لا يعرف الموز مثلا، فقلت ليهو، يا فلان في المدينة عندنا فاكهة اسمها الموز، وصفها كذا، وكذا، وكذا.. هو بيعرف الصدق الفيك، وعنده أنك انت صادق في كلامك دا، ولذلك فقد آمن بوجود الموز كما وصفته انت.. بعدين لما جاء عندك في المدينة مرة قلت ليهو يا فلان بتذكر أني أنا قلت ليك عندنا فاكهة في المدينة اسمها الموز؟؟ فيقول آي نعم!! فتقول انت أهو داك، شايف الأصابع الصفراء المعلقة من السلسلة، مثلا، إذا كان مقابلك في محلك محل واحد فكهاني.. في هذه الحالة يصبح عنده يقين بالموز.. يصبح عنده بيه علم يقين.. إيمانه الأول الذي انبنى على الخبر الذي سمعه منك زاد فأصبح علم يقين وذلك لأنه شاف ولو من على البعد.. وبعدين لو انت قلت ليهو كدا بالله نمشي عليهو، وسقته، وجيت بيه للفكهاني، واتناولت واحد من الأصابع، وأديته اياهو في ايده، فلمسه، وانبعثت رائحته إلى أنفه فشمها، أصبح علم اليقين بتاعه في زيادة كبيرة، أصبح علمه عين اليقين.. فإذا انت بعد دا كله اتناولت منه الأصبع وقمت قشرته وقلت ليه كدي اكلها بالله، فأكلها أصبح عنده بالموز علم حق اليقين.. المراقي دي هي درجات في الإيمان فيها الإيمان يزيد حتى يرتفع من العقيدة إلى العلم وهو يزيد في سلم سباعي له سبعة درجات وهذه الدرجات السبعة هي نفسها ما سميت مراتب النفوس، وهي كلها في الإسلام، يعني إسلام يزيد على إسلام، إسلام يزيد على إسلام، طبقات داخل بعض، لغاية ما يجيء الإسلام الكبير، والأخير.. ودا ما أوردنا فيهو الحكاية البسيطة القصيناها في مسألة الموزة.. حكاية الموزة هذه هي صورة مما حصل لسيدنا إبراهيم عندما نادى ربه، وقال: ((ربي أرني كيف تحيي الموتى!! قال: أولم تؤمن؟؟ قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي..)) فهو إذن يطلب اليقين حيث طمأنينة القلب فجاءه جواب المسألة ليسوقه في المراقي.. القرآن يورد علينا: ((وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات، والأرض، وليكون من الموقنين)) ما قال ليكون من المؤمنين.. لاحظ دا.. ليه؟؟ لأنه مؤمن ومنتهي، حتى أنه لما سأله: "أو لم تؤمن؟؟" أجاب: "بلى!!" فقال تعالى ((وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات، والأرض، وليكون من الموقنين)).. ثم تمشي التجارب مع سيدنا إبراهيم في كثرة كثيرة لغاية ما يجيء قوله تعالى: ((إذ قال له ربه أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين..)) وهو إنما أسلم لأن علمه بالله بلغ درجة "حق اليقين".. وهو قد ترقى في الدرجات القبيلك ذكرناها وذلك بأن أراه الله المعاني بصورة محسوسة.. كانت المعاني عنده محسوسة لغاية ما أيقنت نفسه، واطمأن قلبه، فلما طلب منه الإسلام قال: ((أسلمت لرب العالمين))، يعني انقدت، رضيت، استسلمت.. أسلم هنا معناها استسلم، معناها انقاد ظاهرا وباطنا.. أسلم هناك انقاد ظاهرا فقط، إذ أن الإسلام الأولاني هو الانقياد الظاهري.. والإسلام الأخير هو الانقياد الظاهري والباطني في آن معا.. فهو لا اعتراض عنده على الله، لأنه قد أيقن.. هذا الإسلام، في مستويات العلم، هو المعني بقولنا: "الإسلام دين الفطرة".. العبارة في قول النبي: ((الإسلام دين الفطرة)).. والعبارة في قول الله تعالى: ((إن الدين عند الله الإسلام)) والعبارة في قوله تعالى: ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين)) كلها تعني وتخص الإسلام في مرحلة العلم، لا الإسلام في مرحلة العقيدة.