إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الدعوة الإسلامية الجديدة

الإسلام وحاجة البشرية المعاصرة:


المسألة الثانية أنو لنبعث الإسلام يجب أن نعرف أمرين، معرفة يقينية.. يجب أن نعرف الإسلام هو شنو.. ويجب أن نعرف حاجة البشرية الحاضرة هي شنو.. بغير الإثنين ديل لا يمكنك أن تبعث الإسلام.. إذا أنت جهلت الإسلام بطبيعة الحال راح تقدم صور متخلفة، صور من الإسلام تزعم أنت أنها هي الإسلام، وأنها الكلمة الأخيرة في الإسلام، ثم هي تكون قاصرة عن مستوى الوقت.. وإن أنت جهلت حاجة البشرية الحاضرة فأنت لا تستطيع أن تبعث الإسلام، لأنو لو أنت عاوز تطبق، على مشكلة، حلا فلا بد ليك أن تعرف المشكلة وأن تعرف الحل.. يجب أن يكون عندنا تصورين واضحين: تصور حاجة البشرية، وهذا نحن أوجزناه في الحاجة للجمع بين الديمقراطية والاشتراكية، في جهاز واحد.. حاجة البشرية اليوم للسلام.. والسلام لا يكون إلا بالحرية والخبز معا.. أنا إذا جوعان، وأنت شبعان، ما في فرصة لأسالمك، قولا واحدا.. بعدين أنا إذا كنت مضطهد، وأنت مضطهدني – أنت جلادي – ما في فرصة لأن أسالمك، وأهادنك.. الأمر دا هو خلاصة ما تحتاج ليه البشرية.. ودا أعتقد أنه يقدم ليكم ليكون فيه النقاش، لأنه أمر جد جديد.. الرأي في أن يكون في جمع بين الديمقراطية، والاشتراكية، وكيف يكون، حين فشلت فيه الشيوعية، وحين قصرت عنه الرأسمالية الغربية.. هذا أمر يحتاج إلى اعتبار.. وأنا أحب أنو النقطة دي تستأثر باهتمام الأخوان.. ويجب ألا يغيب عن بالنا أنو في بعض الناس يفتكروا أن الاشتراكية كفر، وبقولوا الاشتراكية ماها مطلوبة، وهي ذاتها معنى جديد، أو كلام جديد، ما ورد في الإسلام قبل كده.. لكن الاشتراكية هي جوهر الإسلام.. هي أصل الإسلام.. وحين شرع الإسلام فيما دون مستوى الاشتراكية، إنما لأن الحكمة قد اقتضت النزول عند حكم الوقت.. وحكم الوقت معناه أنه إذا كانت الاشتراكية العوامل البتنفذها، والعناصر المختلفة البتخليها ممكنة، ما اكتملت، أنت لا يمكن أن تفكر في تنفيذها، ذلك لأن وقتها ما جاء.. المسألة دي أنا أحب للناس أن يقيفوا فيها عند النقاش.. بعدين يجب علي الناس أن يقيفوا – في ثلاثة أمور: الاشتراكية والديمقراطية لماذا فشل النظام الغربي الرأسمالي في الجمع بيناتن؟؟ ولماذا فشل النظام الشرقي الشيوعي في الجمع بيناتن؟؟ ولماذا يستطيع الإسلام أن يجمع بيناتن؟؟ هذه هي حاجة البشرية الحاضرة، وهي نقطتنا الأولى..
النقطة الثانية: الإسلام هو شنو؟؟ هذه النقطة بتسوقنا لروح الإسلام.. روح الإسلام لم يطبق، في مستوى التشريع، إلى اليوم.. دي من الحقائق التي أحب أن يركز عليها الناس.. في حديثنا البارحة حاولنا أن نبين أن الإسلام بداية ونهاية.. في كتابنا المعاني ثنائية.. هناك معنى قريب نزل لمستوى الناس، وهناك معنى أرفع منه.. ودا هو معنى المثاني في القرآن لما قال ربنا: ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.. ثم تلين جلودهم، وقلوبهم)) فأنت ترى المثاني طوالي في الجلود والقلوب.. يمكنك أن تشوف الجلد هو الظاهري والمعنى القريب، والقلب هو الداخلي والمعنى البعيد.. ((ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله.. ذلك هدى الله، يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد..)) مثاني معناها: معنيين، معنيين.. والحكمة في كون القرآن مثاني أنو حديث من الرب إلى العبد.. الرب، في عليائه، متحدث، والعبد، في أرضه، مخاطب بحديث الرب.. وحديث الرب، وهو القرآن، نزل في التنزلات المختلفة لغاية ما أصبح هذا القرآن معبرا عنه باللغة العربية.. التنزلات من لدن الذات.. فالقرآن هو ذات الله.. إننا نحن نقول: القرآن كلام الله.. والله متكلم بذاته.. فالكلام هو الصفة القديمة، الأزلية، القائمة بالذات.. هي ليست غير الذات، لدى التناهي.. الصفات كلها ليست غير الذات.. لكنها، في التنزلات لتقرب لينا، أصبحت تعطينا معنى قدر ما نطيق نحن من الذات.. القرآن لما تنزل في اللغة العربية أصبح يعطينا القدر الممكن ندركه نحن عن الذات.. وفي القرآن يرد قوله تعالى: ((حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعلي حكيم..))، "لدينا" يعني عند الذات.. القرآن عند الذات – لدى الذات – حيث لا مكان، ولا زمان، وصفه تعالى بقوله: ((وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)).. داك المعنى القريب، ودا المعنى البعيد.. لما جعل القرآن عربي كانت الحكمة من العربية أننا، نحن العرب، (ومن ورائنا كل الناس) نفهم.. وقال: ((إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)).. لاحظ: "حم".. دي مرحلة فوق اللغة.. ودا معروف طبعا.. وكل المفسرين يقولوا ليك عنها: "الله أعلم بمراده".. ثم قال: ((والكتاب المبين)) فتنزل أقرب لينا.. ثم تدلى أكثر فقال: ((إنا جعلناه قرآنا عريبا لعلكم تعقلون)).. العلة في أن القرآن جعل "عربيا"، هي أن نفهم نحن عن الله، وباستمرار الفهم يرفعنا في درجات المراقي في التأويل، وفي التفسير.. ثم ترتفع درجاته في المراقي حتى يدخل مستويات التأويل.. ثم تتسامى المعاني في الدقة إلى أن يبقى تأويل القرآن لا يعلمه إلا الله.. ودا يبقى الذات.. القرآن، عندما يتناهى إلى الذات، لا يعلم تأويله إلا الله.. والراسخون في العلم يقولون آمنا به.. ودا لأنه لا يعرف الله إلا الله.. الذات لا يعرفها إلا الله.. ((قل لا يعلم من في السموات، والأرض، الغيب، إلا الله)).. دا غيب الغيوب، دا الذات.. معنى المثاني إذن أن الحديث الفي "الذات" تنزل "للعبد" ليفهمه.. ثم أن المثاني، باستمرار، تمشي درجات درجات، كلها مثاني إلى أن ترفعنا إلى الواحد الذي لا ثاني له.. ودا كله مراقي.. والسير فيه بإتقان العبادة.. لأن إتقان العبادة هو الذي يفتح مغاليق القرآن.. حياة النبي جعلت مفتاح القرآن.. فإذا نحن أتقنا السير خلفها بتجويد، وبذهن فاتح، يفتح لينا.. حاجة الله إلى الناس عقولهم، وقلوبهم.. ما في عمل هو مفروض علينا إلا ووراءه حكمة، هي تصفية عقولنا، وسلامة قلوبنا.. تصفية عقولنا من الظلام، والجهل، دي كل الحكمة في التشريع.. ولذلك هناك قال: ((وأنزلنا إليك الذكر)) وهو القرآن كله.. ((لتبين للناس ما نزل إليهم)) هذا بالتشريع وبالتفسير ثم قال: ((ولعلهم يتفكرون)).. العلة في إنزال القرآن، وفي إرسال الرسل، وفي تشريع التشريع، أن نتفكر: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.. ولعلهم يتفكرون)).. من المثاني ما كنا بنقوله أمبارح.. معانينا كلها إثنين، إثنين.. الإسلام النحن عايزين نبعثه، في الوقت الحاضر، عنده معنيين – المعنى القريب لينا، والمعنى البعيد.. المعنى القريب دون الإيمان، والمعنى البعيد فوق الإيمان.. دا يمكن أن يكون اعتبار يوضح المسألة ليكم..