إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

قانون وقضاة الأحوال الشخصية
قصور عن الشريعة وتخلف عن العصر

خاتمة


ومما سقناه من أمثلة مقارنة اتضح أن قانون الأحوال الشخصية هو قانون قعد به قصر نظر القضاة الشرعيين وجمودهم عن جوانب الشريعة المشرقة، وعن اختيار الآراء المناسبة والمستنيرة في الفقه السلفي، حتى جاء قانونهم تعبيرا عن كلالة أذهانهم وجهلهم المطبق.. ولا ندرى: هل ينظر هؤلاء الشيوخ للمرأة من منطلق عقدة أو حقد، أم أنهم يكيدون لها ويعادونها؟ فمع أن العمل بالمذهب الحنفي، فإنهم حرموها من الحقوق المتقدمة في هذا المذهب. وحين أعطوا المرأة حق طلب الطلاق للضرر، إشترطوا أن يتكرر عليها الضرر الذى يستحيل معه دوام العشرة جريا على خلاف مشهور المذهب. وهكذا إختاروا لها من الآراء ما يناسب تخلفهم وقصورهم الذهني، فكانوا نكبة على المرأة، ومصيبة حلت بها، وشوهوا الشريعة، وعطلوا جوانبها المشرقة والمناسبة، فنفروا عن الدين.. ثم هم، فوق كل ذلك، يسمون أنفسهم قضاة شرعيين لأن الإستعمار، يوما، أسماهم كذلك، ليخدعهم ويخدع بهم الشعب عن حقيقة غياب دينه عن حياته.. وكان جهلهم جهلا ملازما لا يفيقون منه ولذلك قعدوا بالمرأة عن نهضتها، وعن مكانتها وكرامتها حين غلها بتصوراتهم عن الشريعة، فحرموها من الانتقال الى الآراء الفقهية المتقدمة، ومن الارتفاق بجوانب الشريعة التي هي انسب للمرأة العصرية ولم ينبههم لتغيير الآراء التي جمدوا عليها تطور الحياة العاصف من حولهم، ولم تحركهم لذلك مآسى الأسر وأنين المشردين وآلآمهم.. فالحياة بخير وليس هناك بشئ ناقص ما داموا هم، ثمنا لتطبيق تلك الأخلاط من الآراء يعيشون في رخاء ودعة ويتقاضون عالي المرتبات.. بل أن كبيرهم الشيخ الجزولي، وقد جعلته أقدميته مسئولا عن تعديل قوانين الأحوال الشخصية، لم يكتفى بسلبيته وجمود قرنائه السابقين، فهو يخفى هذه القوانين، ويدافع عن بقائها بحجة أنها وافية، وأنها لا تحتاج الى تعديل... وكل سبب المشاكل الزوجية هو ضعف الأخلاق. أو ليس سوء هذه القوانين مسئولا عن عدم الأخلاق إذ هي قوانين الأسرة، والأسرة تترك أثرها على سائر المجتمع وكل الجيل؟ ولا يتورع هذا الشيخ من أن يعلن في سذاجة في ندوة المرأة بمجلس الشعب أن بيت الطاعة شر لا بد منه.. وهل يأتى الدين بالشر؟ وقد جاء أساسا لمحاربة الشر؟ وهل هناك عدو للدين أكبر من أصدقائه الجهلة هؤلاء؟ ومن هم على هذا المستوى، أليست تصفيتهم واجبا دينيا ووطنيا؟!
ولكن من المفارقات المضحكة المبكية أن هذه الأخلاط التي تقوم عليها ثقافة ومهنة الجزولي وأضرابه، وقد أوردنا نماذج منها في تصورهم للعلاقة الزوجية، لا تشرف أحدا تنسب إليه وقد خلفها الذوق العام منذ أمد، وتجاوزها وعى الشخص العادى.. ولكن الغريب أنهم حين يمارسون تطبيق تصوراتهم هذه على المرأة يُكافأُون على ذلك بيتسميتهم - جهاز قضائي - وبهذا الإسم الحديث للمحتوى المتخلف يتقاضون المرتبات العالية وينافسون في البَدَلات والدرجات حتى أصبح كبيرهم "نائب رئيس المحكمة العليا"..
إن ليل التضليل قد طال، ولكنه قد آذن بزوال.. وإننا سنستمر غير عابئين، ولا وجلين مما يُكاد.. سنمضى في محاربة الوأد الذى يمارسه هؤلاء الأشياخ، وسنضع الكلمة الصادقة، الحاسمة موضع السيف حتى نطهر الإسلام من جهالات أدعيائه، ونرد للمرأة المستضعفة إعتبارها وإنسانيتها وكرامتها (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) وقد جعل الله لهن كل ذلك (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)..
[UL]
الأخوان الجمهوريون
أم درمان ص.ب 1151
ت 56912
28/6/1975
[/UL]