إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

أمة الرسالة الثانية المسلمون


ولقد طال الحديث عـن رسالتي محمد، وقلنا إنه بلغهما جميعا في معنى ما بلغ القرآن، وسار السيـرة، ولكنـه أجمل الثانيـة إجمالا، وفصل الأولى، تفصيـلا، وأوردنا الآية الكريمة في ذلك: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون)) وقلنا إن الرسالتين مشتملتان، ومبلغتان في: ((وأنزلنا إليك الذكر))، ولكـن الرسالة الأولى ورد الأمـر بتفصيلها في ((لتبين للناس ما نزل إليهم)) فمما ((أُنزِل)) وهو أدخل في الرسالة الثانية، قوله تعالى ((يسألونك ماذا ينفقون؟ قـل العفو!!)) وعليها، وعلى غيرها، انبنى الندب إلى الصدقة في الرسالة الأولى، ومما ((نُزَّل))، وهو أدخل في الرسالة الأولى ((خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم)) وعليها انبنى تشريع الزكاة فيها، ومما ((أُنزِل)) وهو أدخل في الرسالة الثانية، قوله تعالى ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله، حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) وتلك مرتبة المسلمين، فلما لم يطيقوها ((نزُِّل)) عليهم: ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا، وأنفقوا، خيرا لأنفسكم، ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون)) وهي أدخل في الرسالة الأولى، وتلك مرتبة المؤمنين كما سبق بذلك القول، وهناك آيات كثيرة يمكن إيرادها، فمما ((أُنـزِل)) مثلا، قوله تعالى: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)) ومما ((نزل)) قوله تعالى: ((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم))..
وأحب أن أنبه القارئ، دائما، إلى الفرق بين كلمتي ((أُنزِل)) و((نُزِّل)) اللتين استعملتهما كثيرا أخذا من الآية الكريمة ((وأنزَلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم، ولعلهم يتفكرون))..

إرهاص الرسالة الثانية


وأنت حين تقرأ قول الله تعالى ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبـل أن يأتيكم العذاب، بغتة، وأنتم لا تشعرون)) تعلم أنه أمر دقيق، وجليل، ولكن، اعلم، أيضا، أن حكمة الله أرجأته تخفيفا على الذين آمنوا، حتى يجئ اليوم الذي تفصل فيه الرسالة الثانية ويصبح المسرح معدا ليحقق الذين آمنوا الإسلام، بأن يتقوا الله ((حق تقاته)) وبأن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من الله.. وستقول وماذا تعني بإعداد المسرح؟؟ وأقول إقامة المجتمع الصالح، ونظام الحكم الصالح، الذي يجعل مجاهدة الفرد في سبيل إتباع أحسن ما أنزل مجاهدة ميسرة الأسباب..
ولقد وردت الإشارة، مرات عديدات، إلى القول بأن رسالة محمد الثانية ستجيء أقرب إلى جانب النهاية، منها إلى جانب البداية، أو هي مما يلي النصرانية، والحـق أن الشبه النظري بين وصايا المسيح، ووصايا القرآن، في الرسالة الثانية، كبير، ولكن الفرق العملي أكبر، فإن المسيح حين أوصى بتلك الوصايا الرفيعة، لم يقم نظاما اجتماعيا، ولا نظاما حكوميا، يجعل تحقيق تلك الوصايا أمرا ميسورا للأفراد.. وأما الإسلام فإنه، حتى برسالته الأولى، قد أقام نظاما اجتماعيا، ونظاما حكوميا فيهما من التكافل، والإسماح، ما يجعل الفرد يستشرف، استشرافا عمليا، لتحقيق بعض وصايا القرآن الرفيعة، ونحن الآن نستقبل عهدا جديدا فيه نريد لأفراد مجتمعنا أن يحققوا كل وصايا القرآن ولذلك نسعى لإقامة نظام اجتماعي ونظام حكومي، أرقى مما كان لدينا في عهد الرسالة الأولى، وهذا هو ما عنيناه بإعداد المسرح الذي وردت الإشارة إليه آنفا..