إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

الرسالة الثانية


المساواة الاقتصادية


لقد آن الأوان لتفصيل الرسالة الثانية، وذلك بالنظر في تكميل تشريع الرسالة الأولى، بتطويره ليحقق قسطا أكبر من الهدف الديني، والعمدة في التطوير أمران، حاجة المجتمع الحاضر، وروح الإسلام، كما كان يعيشها المعصوم.. فأما روح الإسلام، كما كان يعيشها المعصوم، فهي الحرية الفردية المطلقة، وأما حاجة المجتمع الحاضر فهي العدالة الاجتماعية الشاملة.. ولا تتم العدالة الاجتماعية الشاملة إلا إذا قامت على ثلاث مساويات: المساواة الاقتصادية، والمساواة السياسية، والمساواة الاجتماعية.. فأما المساواة الاقتصادية، فهي أن يكون هناك حد أعلى لدخول الأفراد، وحد أدنى، على أن يكون الحد الأدنى مكفولا لجميع المواطنين، بما في ذلك الأطفال، والعجائز، والعاجزين عـن الإنتاج، وأن يكون كافيا ليعيش المواطن في مستواه معيشة تحفظ عليه كرامته البشرية، وألا يكون الفرق بين الحد الأدنى، والحد الأعلى، أكبر من سبعة الأضعاف، حتى لا يكون هناك تفاوت طبقي، يجعل الطبقة العليا تستنكف أن تتزاوج مع الطبقة السفلى، وتحقق المساواة الاقتصادية بالاشتراكية، وهي عبارة عن زيادة الإنتاج، باستخدام الآلة، وبتجويد الخبرة الإدارية، والفنية، ثم عدالة توزيع هـذا الإنتاج، على الأسس التي سبق ذكرها، ولا تقوم الاشتراكية إلا على تحديد الملكية الفردية بما لا يتعدى إلى وسائل الإنتاج.. فللمواطن أن يملك المنزل، والحديقة حوله، والأثاث داخلـه، والسيارة وما إلى ذلك، مما لا يتعدى إلى ملكية الأرض، أو المصنع، أو أي من وسائل الإنتاج، وحتى في هذه الحدود الضيقة، تكون الملكية ملكية ارتفاق لا ملكية عين.. وهذا يعني أن ينتقل التشريع من آية الزكاة الصغرى ((خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم)) إلى آية الزكاة الكبرى ((يسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو!!)) و ((العفو)) كل ما زاد عن حاجتك الحاضرة، من غير ادخار، ولا كنز، وهذا ما كان يفعله المعصوم، وهو روح الإسلام، ويجب أن يكون مفهـوما، فإن الملكية الفردية تُحدد بما حددناها به، لتكون الملكية للجماعة، لا للدولة، وفي ذلك احتراز من نشـوء الحكومة المركزية، القـوية، ذات الإدارة المتشعبة، الكبيرة المتغولة، التي تفوّت على الناس فرص المساواة السياسية في سبيل المساواة الاقتصادية.. فالملكية للجماعة، تدار بأساليب التعاون، يقوم فيها الناس بخدمة أنفسهم، لا ينتظرون من الدولة إلا التدريب المهني والإداري، والمشورة الفنية، والإشراف العام المنسق للتعاون بين أجزاء القطر المختلفة، وكل أمر يستطيع الناس أداءه بدون توسط الدولة يترك لهم أداؤه، ويتبع المساواة الاقتصادية المساواة في جميع الفرص وجميع الحقوق..