لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الإسلام

العبادة في الرسالة الثانية ألزم منها في الرسالة الأولى


والدولة، بالتعليم المهني، والفني، والديني، وبالتثـقيف العام والحريات العامة، تعين الأفراد إعانة كبيرة، ولكن هناك حدا يبـدأ فيه الأفراد مجهودهم الفردي في التربية، والإسلام يقـدم المنهاج التعبدي المنقول عن المعصـوم، وهـو أكمل منهاج تعبدي عرفته البشريـة، وهو في الرسالة الثانية ألزم منـه في الرسالة الأولى، وذلك لأن العقل البشري المعاصر أكثـر تطلعا إلى الحرية منه في أي وقـت سلف، ولأن الحريـة ما إليـها من سبيـل إلا عـن طريق تقليـد المعصوم، في منهاج عبادتـه، وكل ما هناك من فـرق بين الموقفيـن: موقف العبادة في الرسالة الأولى، وموقفها في الرسالة الثانية، أن الأفراد البالغين، الرشيدين، لا يُحملون عليها بالقسر والإكراه وإنما يُحملون عليها بالقدوة والإقناع، ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)) والسبب في ذلك أنـه، في الرسالة الثانية، كل شيء وسيلة إلى إنجاب الفـرد الحر، حرية مطلقة - المجتمع، والإسلام والقرآن - والعبادات من باب أولى.. فإذا ما قهرنا الفرد، وحملناه على العبادة بالقسر، والإكراه نكون قد جعلنا الوسيلة تهزم الغاية منها، وهو وضع معكوس بطبيعة الحال..

الترقي بين الرسالتين


إن كل فرد يبدأ بالإسلام الذي هو مجرد الشهادة باللسان، والعمل بالجوارح في تقليد النبي، ثم يتمكن التصديق من قلبه، بتوكيد العمل، فيصير مؤمنا، ثم يزيد الإيمان، فيدخل في طرف الإحسان، الغليظ، ثم يترقى في مراحل الإحسان.. وقد سئل المعصوم عن الإحسان فقال ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) فهذه ثلاث مراحل.. المرحلة الأولى مما يلي الإيمان وهي أن يؤمن الساير بأن الله يراه، وهو ما عبر عنه النبي ((فإنه يراك)) والمرحلة الثانية تأتي بعد ذلك، حين يقوى الإيمان بالمرحلة الأولى، وهي أن يبدأ يقين الساير بأنـه يـرى الله، وهـو ما عبـر عنه النبي ((كأنك تراه)) ثم المرحلة الأخيرة، وهي أن يرى الساير الله وهو ما أشار إليه النبي بقوله ((فإن لم تكن تـراه)) ولذلك قال بعـض العارفيـن ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن، فإنك تراه)) يشير بذلك إلى أن الإنسان محجوب بأوهام نفسه، عـن الله فإن فني عنها، فإنه يـرى الله.. ورؤية الله هي مرتبة الإحسان التي هي قمة الإسلام، وإليها الإشارة في قوله تعالى ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين)) وإليها الإشارة أيضا بقوله تعالى ((ليس على الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، جناح فيما طعموا، إذا ما اتقوا، وآمنوا، وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين)) فإذا بلـغ السايـر مرتبـة الإحسان هـذه، فقـد أصبـح مسلماً في المستـوى المقصود بقولـه تعالى: ((ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن، واتبع ملة إبراهيم حنيفا؟ واتخذ الله إبراهيم خليلا))..
وبقوله تعالى: ((ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقى)) فإن جميع المخلوقات مسلمة وجهها إلى الله، ولكنها غير محسنة، أي غير عالمة بذلك.. والقرآن يحدثنا باستسلام جميع المخلوقات، فيقول: ((ولله يسجد من في السموات، والأرض، طوعا وكرها، وظـلالهم بالغـدو والآصال..)) ويقـول: ((إني تـوكلت على الله، ربي وربكـم، ما من دابـة إلا هو آخـذ بناصيتـها، إن ربي على سـراط مستقيـم)) ويقـول ((وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم..))