إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

الإسلام علم وعمل بمقتضى العلم: وإلا فلا


وفي الإسلام العلم معناه العمل وأي علم لا يستتبع العمل فهو علم ناقص، ولذلك فإن مرتبة الإحسان مرتبة تقتضي الاستسلام، الراضي، بإرادة الله، الهادية، ومعنى ذلك في الحياة اليومية أن الإنسان يعمل الواجب المباشر، جهد الإتقان، والإحسان، فإن جاءت النتيجة وفق ما يريد فذاك، ولله الحمد، وإن جاءت النتيجة على خلاف ما يريد، جعل إرادته تابعة لإرادة الله وحمده، ورضي بإرادته، ثقة به، وإيثارا له، فإن لم يقدر على الرضا، ففي الصبر خير كثير، وليس وراء الصبر إلا السخط، وكل ساخط معذب.. ويحضرني، في هذا، حديث قدسي طريف، فإنه قيل إن الله، تبارك، وتعالى، قال لـداوُد ((يا داؤد! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد، كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد))..
فالصبر على إرادة الله مرتبة من الإحسان في طرف البداية، والرضى بإرادة الله مرتبة من الإحسان رفيعة.. قال تعالى لنبيه الكريم: ((فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك، قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار، لعلك ترضى..)) فهو يأمره بالصبر على الإرادة الإلهية حين تجري بما لا يريد، ويهديه إلى الحمد، ويرشده إلى الاستعانة على الصبر والحمد بالصلاة، ويمنيه الرضا، ((لعلك ترضى))، برضا الله عنك، ومن رضي الله عنه غمره بالألطاف، وأغدق عليه الفيوضات، وجعله مستغرقا في لحظته التي هو فيها، غير مشتغل بالمستقبل بالتمني، ولا بالماضي بالأسف.. ومن كان كذلك فهو الحر، المطلق الحرية.

التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة


قلنا، عند الحديث عن نشأة المجتمع البشري، وفي نفس الوقت الذي خدم فيه العـرف الأول الفرد، بأن قـوَّى إرادتـه وسيطـرته على نفسه، خـدم المجتمـع بأن صان حقوقـه وجعـل تماسكـه وتضامنه ممكناً، فكأن المجتمـع البسيط، في حدوده البسيطة، قـد وفّـق بيـن حاجة الفـرد، وحاجة الجماعة.. ومنذ ذلك اليوم، وإلى يوم الناس هـذا، لم يستقم ميـزان التوفيق بين هاتيـن الحاجتين، في أي فلسفة اجتماعية معاصرة، أو سالفة، ولكن الإسلام، في أعلى مستويات المجتمع المعقّدة، يقدم صورة متقنة من هذا التوفيق الدقيق..
أسلفنا القول بأن حاجة الفرد البشري هي الحرية، الفردية، المطلقة.. ونقرر الآن أن حاجة المجتمع هي أن يصبح أداة، صالحة لتحقيق الفرد الحر، حرية مطلقة، ذلك بأن المجتمع وسيلة إلى هذا الفرد، وكل ما يمّكن الوسيلة من تحقيق غايتها فهو من حاجتـها وقـد خططنا المجتمع المقبل قبل قليل في هذه العجالة ونتحدث الآن عن الفـرد الحر حرية فردية مطلقة..