الصلاة الشرعية
والخطاب بالصلاة وارد هكذا في القرآن: ((اتـل ما أُوحي إليك مـن الكتاب، وأقـم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء، والمنكر، ولذكـر الله أكبـر، والله يعلم ما تصنعون.)) و((ذكر الله)) القـرآن، وقـد قلنا إن الصلاة وسيلة إلى فتـح مغاليقـه، ولـذلك قال ((ولذكر الله أكبر)).. وكل العلم موجود في قوله تعالى في آخر الآية ((والله يعلم ما تصنعون))، وهي إشارة إلى تمام التسييـر الذي بإستيقانه يتـم الإسلام.. وقال تعالى مخاطبا المؤمنين: ((فاذكروني أذكركـم، واشكروا لي ولا تكفرون * يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر، والصلاة إن الله مع الصابرين)) ((استعينوا بالصبر، والصلاة)) يستعينـون على ماذا؟ على الرضا بإرادة الله، كما سبق القول عن الآيـة ((فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمـد ربـك، قبل طلـوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار، لعلك ترضى))..
وقال تعالى مخاطبا المؤمنيـن ((إن الصلاة كانت على المؤمنيـن كتابا موقـوتا)) ومعنى ((موقـوتـا)) هنـا، أنها، على المؤمنيـن فـرض لـه أوقات يـُؤدى فيـها، فإذا ارتفعـوا بهـا، وبالعبادات، والأعمال جميعا، وبالقرآن، عن مرتبة الإيمان، إلى مرتبة الإحسان، حيث يرون الله، تبارك، وتعالى، فقد أصبحوا أكثر من مؤمنين - أصبحوا مسلمين - وأصبح عليهم أن يقلـدوا الله، لا أن يقلـدوا محمدا، كما قال المعصوم ((تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) وأصبح معنى ((كتابا موقوتا)) في هذه الحالة، أنها فرض له وقت ينتهي فيه. ويجب أن يلاحظ أن انتهاءها لا يكون تشريعا عاما، لأن تلك مرتبة فردية، لا مرتبة عمـوم. ولرُبَّ قائـل يقـول، ولماذا لم تنتـه الصلاة بمحمد؟؟ والجـواب هـو أن محمدا ليـس مقلـدا وإنما هـو أصيل، وكل من عداه مقلد له. وهـو في أصالته يستطيع أن يحقـق فرديته بأسلوب الصلاة، كما يطلب من كل منا أن يحقق فرديته بطريق خاص ينفتح له لسياسة حياته، وفق الحق والصدق. ولقـد أشار القرآن إلى تحقيق النبي الكريم لفـرديته بقوله تعالى ((ومن الليل فتهجد بـه نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)) وهذا المقام المحمود هـو الذي قامه يوم عُرج به، وانتهى إلى سدرة المنتهى، حيث قال الله فيه ((ما زاغ البصر وما طغى)). ((ما زاغ البصر)) أي ما ارتد الخاطر إلى الماضي، ((وما طغى)) أي ما امتد إلى المستقبل، ينشغل بـه، وإنما استغرقته اللحظة الحاضرة، بالشهود، والرؤية فكأنه كان وحدة ذاتية، في وحدة مكانية، في وحدة زمانية. ولقد فرضت عليه الصلاة في ذلك المقام، ولما عاد إلى طبيعته البشرية أصبحت الصلاة معراجا يوميا له ولأمته، إلى ذلك المقام الرفيع الذي قامه بين يدي الله، تبارك، وتعالى، ولما كان هذا المقام هو مقام تحقيق الفردية، أو قل، مقام وحدة الذات البشرية، وهذا المقام مطلوب من كل مسلم أن يسعى إليه، فقد أصبحت الأصالة والتحرر من التقليد، في أخريات السير إليه، أمرا لا مناص منه..