وحدة الوجود
قلنا، في صدر هذا السفر، أنا نريد أن نرى، هل يستطيع العلم التجريبي الروحي أن يرد ظواهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد، كما رد العلم التجريبي المادي ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد، فيتم بذلك الاتساق، والتلاؤم، بين الأخلاق البشرية، والسلوك البشري، وبيـن البيئة المادية التي يعيشون فيها، وينتهي بهذا التلاؤم، هـذا النشوز الذي بـدد المساعي البشريـة أيـدي سبأ، وقطع أرحام الإنسانية بين الناس؟؟ ولعله قد اتضح، شيئاً ما، أن الإسلام يقوم، من الوهلة الأولى، على تسليم الإرادة البشرية المحدثة إلى الإرادة الإلهيـة القديمة ((ومن يسلـم وجهـه إلى الله، وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقى.)) وتجربتي الخاصة لم تـدع لي مجالا للشك في صحة هذا الأمر، ومن ثـم فإنه عندي أن جميع ظواهر السلوك البشري، من خير وشر، يرجع إلى أصل واحد هو ((إرادة الله القدير)). وفي الحق، ليس الشر أصلا، وإنما الأصل الخير، وما الشر إلا نتيجة جهلنا الذي أوهمنا أننا نستقل بإرادة، فإذا ارتفع هذا الجهل بالتجربة الروحية، فيصبح عملنا تجويـد الواجب المباشر، والانشغال بإحسانه، وتجويـده، عن التَمَنِّي، والتأسف، وبذلك نحقـق السلام، كل مع نفسه، ومن ثم يتحقـق في الأرض السلام..
استمع إلى القـرآن، كيف يحدثنا، ويهدينا إلى السلوك البشـري الرصين: ((ما أصـاب من مصيبـة، في الأرض، ولا في أنفسكم، إلا في كتاب، من قبـل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسيـر * لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور * الذين يبخلـون ويأمـرون الناس بالبخـل، ومن يتـول، فإن الله هـو الغني الحميـد)).
حسن الخلق حسن التصرف في الحرية
وما هي الأخـلاق؟؟ هي، في سبحاتها العليا، حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة! ولذلك قال المعصوم: ((حسن الخُلقِ خلق الله الأعظم)) ومن حُسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة تركك ما لا يعنيك ومما لا يعنيك اللحظة المقبلة، واللحظة الماضية، ولا يعنيـك إلا اللحظـة الحاضـرة، فـإذا ملأتـها بالعمـل المثمـر المتـقن، ثـم سـرت بحياتـك جميعـها مشتغـلا، فقـط، بالواجـب المباشر، محسنا له، جـهد طاقتـك، فإنـك تحرز وحـدة شخصيتك، وتنتـصر على الخوف، والقلـق، وتحقـق، مع نفسك، السلام. وتكون حياتك بركة عليـك، وعلى الإنسانية جميـعا، من حيـث تشعـر أنت، أو لا تشعـر.. فإن كـل حيـاة سليمة، خصبة، تخصب الحياة جميعها، بمجرد وجودها فيها..