إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

العلم المادي التجريبي


أما عن العلم التجريبي فاستمع إلى العالم العربي الكبير الدكتور أحمد زكي يحدثك في كتابه: مع الله في السماء تحت عنوان ((لو انفرط هذا الكون)) فيقول: -
((ثم نعود إلى الكون، إن هذه عناصر الأرض، وهذه مركباتها، وهي كل شيء فيها، وقد بناها بانيها من لبنات ثلاث: إلكترونات فبروتونات فنيترونات..
وتحدثنا عن الكواكب السيارة، فقلنا إن عناصرها من عناصر الأرض..
وتحدثنا عن النجوم، فقلنا إن عناصرها من عناصر الأرض، تستوي في ذلك نجوم في مجرتنا هذه، دنيانا، سكة التبانة، ونجوم في مجرات نركب إليها الضوء فلا نبلغها إلا بعد مئات الملايين من السنين..
الكون أجمع إذن، يتألف من عناصر هي بعض هذه التسعين..
الكون أجمع إذن، يتألف من تلك اللبنات الثلاث..
فلو أننا أمرنا الأرض أن ينفرط عقدها: أمـرنا أجسـام الإنسان أن تنـفرط، وأجسام الحيوان، وأجسام النبات، وأجسام الصخر بهذه الأرض، والصخور بهذه الكواكب، وأمرنا كل غاز الشمس أن ينفرط، وأن تنفرط غازات النجوم جميعها، ما قرب منها وما بعد، واختصاراً أن ينفرط كل شيء في الوجود، لنتج عن انفراطه كومات هائلة ثلاث من: إلكترونات- وبروتونات- ونيوترونات، فهل في معاني الوحدة أبلغ من هذا المعنى؟ ونقول ثلاث لبنات، وهل هي حقا ثلاث؟ وفي الوقت الذي ترد فيه المادة إلى ثلاث لبنات، يـرد العلماء ((القوى)) إلى أصـل واحد: الضـوء، الحـرارة، الأشعـة السينيـة، الأشعـة اللاسلكية، الأشعة الجيمية، وكـل إشعـاع في الدنيا، كلها صور متعددة لقوة واحدة، تلك القوة المغناطيسية الكهربائية، إنها جميعا تسير بسرعة واحدة، وما اختلافها إلا اختلاف موجة..
المادة ثلاث لبنات، والقوى موجات متآصلات..
ويأتي أينشتين، وفي نظريته النسبية الخاصة، يكافئ بين المادة والقوى..
ويقول: ان المادة، والقوى، شيء سواء، وتخرج التجارب تصدق دعواه، وخرجت تجربة أخيرة صدقت دعواه بأعلى صوت سمعته الدنيا: ذلك انفلاق الذرة في القنبلة اليورنيومية..
المادة والقوى، إذن، شيء سواء..
فماذا بقي من أشياء هذا الكون؟
بقيت الجاذبية، ذلك الرباط الذي يربط الكون أجمـع، وبقي المكان SPACE، وبقي الزمان، ويحاول أينشتين أن يوحد بينها، أن يربط بينها، وهو في نظريته، نظرية النسبية
العامة، يربط بين الزمان والمكان، فيجعـل منهما شيئاً متواصلاً، غير متفاصل وفي نظريته الجديدة، نظرية الحقل الواحد UNITED FIELD THEORY يهدف أينشتين إلى أن يثبت أن القوى المغناطيسية الكهربائية، تلك التي تتمثل في الضوء والحرارة وصور الإشعاع عامة، هي وقوى الجاذبية شيء سواء..
وأقول السـواء وما أعني بـه السوية.. ولكني أعنـي أنهما في الأصـول في أعمـاق الحقيقة الطبيعية، متواصلان، قال أينشتين: ((إن روح العالم النظري لا تحتمل أن يكون في الوجود الواحد شكلان للقوى لا يلتقيان، شكل للجاذبية القياسية، وشكل للمغناطيسية الكهربائية))..
وهكـذا، يتحلل المركّب، ويتبسط المعقّد، وتتشاكل الحقائق التي تتستر وراء الظواهر المختلفة، وتتشابه، وتجتمع كلها لتصب في مجرى واحد، تلك الوحدة العظمى التي تجـري في الكون أجمع، ولكن، هل قضى الإنسان من ذلك وطرا؟
إن الإنسان ما زال يتساءل: وما وراء كل هذا؟
إن الإنسان إن كان وجد جوابا لبعض ((كيف)) تساءل عنه، فهو ما زال يتساءل ((لماذا)) وهو يسأل في شيء من الهلع الفكري، والتقديس الديني، قال أينشتين: ((إن أعظم جائشة من جائشات النفـس وأجملـها تلك التي تستشعرها النفـس عنـد الوقـوف في روعـة أمام هـذا الخفاء الكـوني، والإظلام.. إن الذي لا تجيش نفسه لهذا ولا تتحرك عاطفته، حي كميت، إنه خفاء لا نستطيع أن نشـق حجبه، وإظلام لا نستطيع أن نطلع فجره، ومع هذا نحن ندرك أن وراءه شيئا هو الحكمة، أحكم ما تكون، ونحس أن وراءه شيئا هو الجمال، أجمل ما يكون، وهي حكمة، وهو جمال، لا تستطيع أن تدركهما عقولنا القاصرة، إلا في صور لهما بدائية أولية.. وهذا الإدراك للحكمة، وهـذا الإحساس بالجمال، في روعـة، هـو جوهر التعبد عند الخلائق)).. ويقول أينشتين، وهو أعلـم علماء الأرض في الكـون وظواهـره، وأحقهم بالكفـر، إن كان علم يدعو إلى كفـر، وأولاهم باتباع ما اعتاد بعض علماء الغرب ومقلـدوهم من أهل الشرق، من إغفالهم ذكـر الله، يقـول أينشتين: ((إن الشعور الديني الذي يستشعره الباحـث في الكـون، هو أقـوى حافـز على البحـث العلمي، وأنبل حافـز)) وهو يقول: ((إن ديني هو إعجابي، في تواضع، بتلك الروح السامية التي لا حد لها، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة العاجزة، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة، مهيمنة، تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للأفهام، إن هذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله))!!) انتهى حديث الدكتور العالم أحمد زكي..