بسم الله الرحمن الرحيم
(ومن أظلمُ ممَّن افترى على الله الكذبَ، وهو يُدْعَى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدى القوم الظالمين!!)
صدق الله العظيم
مقدمة الطبعة الرابعة:
الآية التى صدَّرنا بها هذه المقدمة من الطبعة الرابعة من هذا الكتاب إنما تُغلظُ النذارة، وتشدّدُ النكيرَ على كل من يُدْعَى إلى (الإسلام)، فى وقت مجىء أمته المسلمة، فينأى بجانبه، ثم يذهب ليفترىَ على دعوة (الإسلام) الكذب!! ووقت هذه الآية قد جاء اليوم، بمجىء وقت الدعوة إلى الإسلام، وبمجىء الأُمّة المسلمة فهاهى الدعوة إلى الإسلام تظهر باسم (الدعوة الإسلامية الجديدة) فتبدو غريبة، أشدَّ الغرابة، كما هو الموعود النبوي الصادق: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء، يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. ومن أدلّ الدلائل على الغرابة الصادقة التى تتسم بها هذه الدعوة أنها تبدو غريبة، ومنكرة، حتى بالنسبة لمن عرفوا، بين المسلمين، برجال الدين، ومن هم، عند المسلمين، مظنّة العلم بالدين!! فهاهم يواجهونها بأنكر صنوف التشويه، والتحريف، التى وقعت، أو يمكن أن تقع على دعوة جديدة، على الإطلاق!! هاهم يلعنون دعاتها من على منابر المساجد، ويهدرون دماءهم، ويخوضون فى أعراضهم أسوأ الخوض وأفجره!!
فليعلم الناس، كافة الناس، ممن تبلغهم هذه الدعوة على خير وجوه التبليغ، أنهم إنما يُدعوْن إلى (الإسلام)، الذى لا إسلام غيره، منذ اليوم!! وهذه الدعوة إلى الإسلام إنما تقع فى وقتها، وتخاطب أمّتَها، لأول مرة فى التاريخ!! فقد دعا النبيُّ، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، الناس فى مكة إلى (الإسلام)، ونزلت هناك آيات الإسلام، وهنّ أصول القرآن، فلم يستجيبوا له!! فنسخت الدعوة إلى (الإسلام)، ونسخت بذلك أصول القرآن، وهاجر النبي الكريم إلى المدينة.. وهنالك دعا الناس إلى (الإيمان)، ونزلت آيات الإيمان، وهنّ فروع القرآن، ناسخات لأصوله، فاستجابوا له!! وظهرت، يومئذ، الأُمّة المؤمنة، التى إنما نعيش اليوم فى أخريات أيامها، وشُرِّع لها على أساس آيات القران الفرعية، إرجاءً لآيات القرآن الأصلية حتى تجىء أُمّتُها وهى الأُمّة المسلمة التى ندعو اليوم إلى ظهورها من بين أفراد البشرية المعاصرة!!
وخصائص الأُمّةِ المسلمة المقبلة التي تختص بها، فى مقابل الأُمّة المؤمنة الماضية، هي أن تشريعها الجماعي، إذ يقوم على أصول القرآن، إنما يقوم على المسئولية، لا على الوصاية، كما كان تشريع الأُمّة المؤمنة الذي يقوم على فروع القرآن.. (ويتوفر متن هذا الكتاب على تفصيل التفريق بين الأصول التي قامت على المسئولية، والفروع التي قامت على الوصاية) هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإن حظَّ أفراد هذه الأُمّة المسلمة المقبلة إنما هو السعي إلى بلوغ مراتب أصحاب الشرائع الفردية!! لأنهم هم إنما يرتفعون من مستوى (الإيمان) إلى مستوى (الإسلام)!! (ويتوفر متن هذا الكتاب، كذلك، على تفصيل التفريق بين الإسلام والإيمان).. والإسلام مرتبة فرديات.. وفى مرتبته يبلغ الفرد العلم اليقيني بالله تعالى بعد أن كان مؤمناً به، مجرد الإيمان.. والعلم اليقيني بالله هو الاطِّلاع على بعض أسرار الحقيقة الإلهية الأزلية.. الشهود الذاتي الذي اتّفق للنبي الكريم في ليلة المعراج، عند تخلف جبريل عنه، في سدرة المنتهى.. وهذا العلم اليقيني بالله هو العلم اللدُنّي، المأخوذ مباشرة، بلا واسطة، من لدُنِّ الله تعالى.. وهو علم بأسرارالأُلوهية يوجب على العبد الأدب اللائق بالربوبية.. ومظهر هذا الأدب هو (الإسلام) أو (الاستسلام) لله تعالى.. لإرادته من غير اعتراض عليه، لا في السر، ولا في العلن!!
هذا هو دين (الإسلام).. وهو دين الأنبياء، وهو الدين الذى به عند الله عبرة، والذى لا يقبل، فى وقته، وعند مجىء أُمَّته، دينا غيره.. (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه، وهو فى الآخرة من الخاسرين!!) وهو الدين الذى صار به إبراهيم الخليل مسلماً (إذ قال له ربه: أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين) وهو الذى صار به النبي الكريم مسلماً بل أوَّل المسلمين (قل: إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ، وأنا أوَّلُ المسلمين!!).. وقد كان النبي الكريم المسلم الوحيد فى الأُمّة المؤمنة الماضية، وهو ليس منها، وإنما هو من الأُمّة المسلمة المقبلة، التى قد كان هو طليعتها إذ كان (أوّل المسلمين).. وقد وصف النبي الكريم أفراد الأُمّة المسلمة المقبلة بإخوانه، فى حديث (الإخوان) المشهور، الذى يرد نًصّه فى متن هذا الكتاب.. فهم إخوانه فى دين (الإسلام)، بينما كان أفراد الأُمّة المؤمنة التى عايشها، أصحابه.. ذلك بأنهم كانوا مؤمنين، وليسوا مسلمين، كما هو مسلم.. وقد قال لأصحابه، عند انصراف جبريل، فى حديث جبريل المشهور: (هذا جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم).. ذلك بأن جبريل قد أتى ليعلِّم دين الأُمّة المؤمنة!!
وقد بشَّر النبي الكريم بمجئ الأُمّة المسلمة، وبالعصر الذهبي (للإسلام) الذي هو أمامنا، فقال: (إن من عباد الله أُناساً، ماهم بأنبياء، ولا شهداء، ويغبطهم الأنبياء، والشهداء، يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالى!! قالوا: يارسول الله، تخبرنا من هم؟؟ قال: قومٌ تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس.. ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون) – رواه ابو داؤد..
فالإسلام رسالتان.. رسالة الأُمّة المؤمنة، وقد مضى وقتها!! ورسالة الأُمّة المسلمة، وقد جاء وقتها!! وقد جاء النبي الكريم بالرسالتين معاً، وتضمَّنهما القرآن، معاً، غير إنه قد وقع فى حق الرسالة الأُولى التفصيل بمجئ أُمّتها، بينما تنتظر الرسالة الثانية التفصيل عندما تجئ أُمتُها!! ولم يقع فى حق الرسالة الثانية تفصيل إلاّ فى معنى أن النبيَّ قد عاشها، فى خاصة نفسه، وقد صارت بذلك سنته، وسنته هذه ستكون هى شريعة الأُمّة المسلمة المقبلة..
فالأُمّة المقبلة دينها دين الأنبياء – وهو (الإسلام)، بينما دين أُممهم (الإيمان)، وأُممهم مقلدة لهم، فشرائعها شرائع جماعية، بينما هم أُصلاء، على شرائع فردية، فلا تطابق صلاة نبيٍ صلاة نبيٍ آخر، ولا يقلد نبيٌ نبياً آخر!! وقدوة التقليد للفرد المبتدئ من الأُمّة المسلمة المقبلة هو النبي الكريم، خاتم النبيين، فهو فى البداية يكون مؤمناً بالله تعالى مصدقاً للنبي الكريم، متّبعاً له فى قاعدة سنته، وهى تقليده فى خاصة نفسه كمسلمٍ لله، حتى يبلغ أن يتبعه فى قمة سنته، وهى التأسّي به في الأصالة.. فسنته فى قمتها، هى الأصالة.. هى كونه على شريعة فردية، لا يُقلِّد فيها أحداً من العالمين كما هى سنة سائر الأنبياء!!
كل ما في الأمر أن الأنبياء، قد جاءوا فرادى، عبر التاريخ، فكانوا طليعة الأُمّة المسلمة المقبلة، التى هم منها ديناً، وإن تقدموها عهداً، بينما ستضُمّ الأُمّة المسلمة المقبلة سائر أفرادها الذين هم على دين الأنبياء، فى عصر واحد، وفى بيئة كوكبية واحدة!! وقد عبّر النبي عن الأُمّة المقبلة بإخوانه، كما عبّر عن الأنبياء بإخوانه (الأنبياء أبناء امٍّ واحدة..) فأفراد الأُمّة المقبلة (لا هم بأنبياء، ولا شهداء، ويغبطهم الأنبياء والشهداء، يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالى).. ومكانهم من الله تعالى هو مكان عبوديتهم له.. (إسلامهم) له!!
هذه هى دعوتنا!! دعوة إلى (الإسلام)!!
إلى مجئ الأُمّة (المسلمة) التي لم تظهر، كأمة، فى التاريخ من قبل!!
فليعلم كل من تبلغه هذه الدعوة، على خير وجوه التبليغ، أنه إنما يُدعى إلى عودة (الإسلام)، وإلى إحياء (السنة) بعد اندثارها!! وليعلم أين يضع نفسه!!
والآن إلى الكتاب ليفصِّل من دقائق حقائق الدين ما أوردناه هنا، مجملاً، وعلى الله التكلان!!