تأميم قناة السويس
(لقد كنا أول من عارض تأميم الثورة لقناة السويس، وذلك غداة تأميمها، ولم يكن إعتراضنا منصباً على التأميم في حد ذاته، بقدر ما كان منصباً على الطريقة التي جرى بها التأميم.. ذلك بأنا كنا موقنين بأن الثورة قد تطرفت في التحدي حتى تجاوزت القصد، وأنها لن تأمن عواقب هذا التطرف مما قد يضطرها إلى إلتماس الحماية عند الشيوعية الدولية، فتقع بذلك في الفخ الذي نصبوه لها عندما سلحوها فوق حاجتها مما أغراها بالتحدي، وأضراها بالمناجزة، ومنّاها بالغلبة، وأعجلها عن اصطناع الأناة، وبعد النظر.. ولقد يعلم أقل الناس ذكاء أن قناة السويس ذات أهمية بالغة للدول الغربية، وأن لها فيها حقاً، أيسر ما يقال عنه أنه حق مكتسب، يصعب عليها جداً أن تقابل ضياعه من بين يديها بعدم اكتراث، أو حتى بصبر وتحمل، يضاف إلى هذا أن التأميم قد جرى بطريقة فيها من التحدي، والتحقير ما نال من هيبة هذه الدول أبلغ النيل مما حملها على ارتكاب ما ارتكبت من حماقة في حق مصر، ولم يكن المكسب وراء كل هذه الفصول للغرب ولا لمصر، إنما كان للشيوعية الدولية وحدها، ولقد يظن بعض قصار النظر أن مصر قد خرجت من هذه المعركة ظافرة بتمصير القناة، ولو نظر هؤلاء إلى أبعد من أنوفهم لعلموا أن مصر قد وضعت، بفعلتها تلك، قناتها، ونفسها، والدول العربية، بل والإنسانية جمعاء في خطر عظيم، من جراء سيطرة الشيوعية الدولية.. ويقول قصار النظر هؤلاء أن روسيا لا تتوجه بعداوتها إلا صوب الدول الغربية، وأنها لا مطمع لها فينا نحن الدول الصغيرة، ولا هي ترمي من وراء مساعدتنا إلا إلى هزيمة الدول الاستعمارية وتحرير الشعوب، المُستعمَرة، واستقرار السلام العالمي لخير الإنسانية أولاً وأخيراً)
(وقد كنا نريد للثورة أن تسلك بالتأميم سبيلاً يستخلص لمصر حقوقها في أرضها من غير أن يعطي الفرصة للشيوعية الدولية أن تظهر بمظهر المدافع عن المستضعفين المغلوبين مما خدع العرب عنها، ومكّن لها في ديارهم تمكيناً. ولقد كان هذا السبيل ممكنا وميسوراً ـ وهو سبيل معروف لدى الثورة وليس غريباً عليها، وقد سلكته مرة ودافعت عن سلوكه، وقاتلت من عارضوها في ذلك كل مقتل.. ولكن قد كان ذلك قبل أن يكيد الشيوعيون كيدهم، ويغدقوا على الثورة من السلاح، والعتاد، والعطف ما أنساها نفسها، وغرها عن حقيقتها، وأعجلها عن إصطناع الأناة، وأغراها بمواقف المسرحيات والبطولات شأن كل الدكتاتوريات)
بعد فوات الأوان؟
ولقد تداعت الأيام بمصر جمال لتسير الشوط كله، ولتقع في براثن الشيوعية التي تبغي أن تظل الدول العربية، وعلى رأسها مصر، في قبضتها، ووسيلتها في ذلك أن تمدها بالسلاح، وبالمال بالدرجة التي توجب الثناء على الشيوعية، والإنخداع عن نواياها، ثم لا تبلغ بمساعدتها لمصر أن تجعلها مستغنية عنها.. وهذه خدعة جازت على العرب طويلاً. وأخيراً، بعد تجارب مريرة، أخذ السادات يدركها، ويجأر بالشكوى من روسيا بسببها..