خاتمة:
إن "الفكرة الجمهورية" إنما هي "الثورة الثقافية" وقد رأينا، مما سقناه في هذا الكتاب، كيف كانت مواقف الجمهوريين جد لصيقة بالشعب، وبقضاياه.. وهذه هي الثورة الثقافية الشعبية، تلتقي برجل الشارع، في قلب الشارع، وتخاطب فكره، ووجدانه، بشعار الثورة الخلاق: "لا إله إلا الله" ليبدأ بها تغيير النفس أولاً، ذلك بأن تغييراً لا يبدأ من الداخل لا يغير من الواقع شيئاً: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))..
إن دعوتنا هذه هي دعوة الإسلام، عائدة، كما بدأت قبلاً، حذوك النعل بالنعل.. ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ، فطوبى للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)).. فدعوتنا، في المعنى، تبعث الإسلام في مستوى السنة ـ عمل النبي الكريم في خاصة نفسه - وهي، في المبنى، تتخذ نفس الشكل الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في نهوضه، بأمر دعوة الناس، والبروز إليهم في مواقعهم، مخاطباً إياهم بالشعار الخالد ((أيها الناس!! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)).. وإن في انفتاح الجمهوريين على الشعب، في الحركة الميدانية، بشعار الثورة الثقافية هذا، لتأسياً بالنبي الكريم.. فقد كان بذاته الشريفة يعرض لوفود العرب في الأسواق، عارضا عليهم الدعوة، ومبلغاً إياهم ما يخرجهم من الظلمات إلى النور: ((هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم))..
الثورة الثقافية عندنا قد بدأت منذ ثلاثين عاماً.. بدأت بنفس واحدة.. وهي الآن تعتمل في مئات الأنفس، وتجد تعبيرها في تغيير سلوك، وأخلاق من استنشقوا نفحتها، من الدعاة، الذين يسعون بها اليوم بين شعبهم، يبغون به، وبالإنسانية، الخير.. في حرصٍ، وفي مودةِ، وفي إخلاصِ الرائد الذي لا يكذب أهله.. لا يساومون في الحق، ولا يلوون على شيء دونه.. في صمامة الداعية، وفي ثباته.. يطالعهم، كلما لاحت قواطع الطريق، ذلك الموقف الصميم للنبي الكريم، إذ عرضت عليه قريش، بواسطة عمه أبي طالب، ترك دعوته: ((والذي نفسي بيده، يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني، ووضعوا القمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه)).
إن "الفكرة الجمهورية" هي الإسلام، وهي بذلك أداة التغيير الوحيدة، والحاسمة، ليس للسودان، ولا للمسلمين، وحسب بل للإنسانية جمعاء.. فما للإنسانية من مُرْشِد، ومُسلِّك، ومخرج من وهدتها غير محمد.. وليس لها من سبيل يجنبها ويلات الحروب، وينزلها منازل السلام الثابتة، غير الإسلام في مستوى سنة محمد، صلى الله عليه وسلم.. وما "الفكرة الجمهورية" إلا دعوة بلسان الحال، وبلسان المقال، لبعث سنة النبي، وبعث الإسلام، من ثم.
فمن سرّه أن يرى الإسلام مجسداً في اللحم والدم، فلينظر إلى الجمهوريين.. وهو بعد، مدعو ليدخل، مع الداخلين، سبل السلام والمحبة..
والله هو المسئول أن يدخلنا مدخل صدق، ويخرجنا مخرج صدق، وهو نعم المولى، ونعم النصير..
الأخوان الجمهوريون
أم درمان ص. ب 1151 ـ ت 56912
الطبعة الأولى الإثنين 10/5/1976
11 جمادى الأولى 1396