التاريخ يعيد نفسه
لقد تدافعت الأحداث واشتد الصراع بين الأحزاب الطائفية نفسها، وصارت الحكومات إذا أصبحت إحداها لا تأمن أن تمسي، من فرط التكالب على السلطة.. وكان الحال في أوائل عام 1969 يشبه الحال عام 1958، وكأنما أعاد التاريخ نفسه فكانت المؤامرة تنسج في القصر بين رجال الطائفية، لإجازة "الدستور الإسلامي المزيف" بأي سبيل.. وقد صدر بيانهم بتاريخ 8/5/1969 ونشر بجريدة الصحافة:
(أصدر الحزبان المؤتلفان البيان التالي حول مفاوضاتهما التي تمت مساء أمس الأول بالقصر الجمهوري..
اتفق الحزبان على أسس الدستور الرئيسية على أن تقدم مسودة الدستور للجمعية في شهر يوليو 1969 بحيث تتمكن من إجازته في وقت أقصاه آخر ديسمبر 1969 فإذا حان ذلك الوقت ولم تتمكن الجمعية من إجازته في مرحلة القراءة الثانية، تعرض المواد الرئيسية التي لم تُجز على استفتاء شعبي تكون نتيجته ملزمة وهي: إسلامية الدستور أو علمانيته، رئاسية الجمهورية، أو برلمانيتها، إقليمية الحكم، أو مركزيته. وأن يشتمل الإستفتاء أية مواد أخرى يتفق على أهميتها حينذاك .. والتزم الحزبان على أن يتفاوضا مع الأحزاب والهيئات الأخرى لجمع كلمتها حول هذا المشروع والتزما أن يشملا في الإتفاق النقاط اللازمة لضمان حقوق الأقليات والحريات العامة والحريات الدينية، والله ولي التوفيق.
إمضاء: محمد عثمان الميرغني، إسماعيل الأزهري، الهادي عبد الرحمن المهدي، علي عبد الرحمن الأمين، الصادق المهدي، عبد الحميد صالح، حسين الهندي).
مؤامرة خسيسة
وكلما مرّ يوم تكاتفت جيوش الظلام، وازداد سعرها للإجهاز على آخر ما تبقى من أمل في خلاص هذا الشعب.. وفي هذا الأثناء، والليل قد احلولك، ضاعف الجمهوريون نشاطهم في التوعية بالكتابة والمحاضرة، وقد تحرك في أبريل 1969 وفد الأستاذ طائفاً بالشمال والشرق، حتى انتهى بالغرب. وكانت المحاضرات لا تنقطع إلا في أثناء السفر، وكان ختامها في الأبيض. ولقد عجز السلفيون عن مواجهة هذا النشاط، والتوعية الشعبية، في مستواهما، فدبروا مؤامرة خسيسة ردها الله إلى نحرهم، فقد دفعوا أحد السَُذَّج للإعتداء على الأستاذ، وهو يقف على المنبر يحاضر فاستهجن المواطنون بالأبيض هذا العمل المنكر وأدانوه. كان ذلك في مساء الثاني والعشرين من مايو 1969.. فأصبح الناس في 25 مايو وقد تسلّم الجيش السلطة، وأسقط في يد الطائفية المتآمرة.. وكان هذا بمثابة إنقاذ يشبه ما جرى في صبيحة 17 نوفمبر 1958 كما سبق أن بيّنا.. ولقد جاء تقويمنا لثورة مايو عندئذ بأنها حالت بين الطائفية وبين الاستئثار بالسلطة وفرض إستغلالها للشعب باسم الدستور الإسلامي المزيف!. ولا يزال الخطر الطائفي مستتراً رغم ما اصاب تنظيم الطائفية من ضربات، فهو لا يقتلع نهائياً إلا بالتوعية الدينية الصحيحة، ولقد ظل الجمهوريون كشأنهم يمارسون عملهم في التوعية في جد وإخلاص لا يألون، ولا يصدهم إرجاف المرجفين من الطائفيين والسلفيين الذين
((يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون
))