الباب الثالث
نحن الذين نعرف كيفية الصلاة الصحيحة!
إن المسلمين اليوم لا يعلمون كيفية الصلاة الصحيحة بما يكفي!! ولا يعلمون من آداب الصلاة كثيرا!! هم لا يعلمون أن الحضور في الصلاة يبدأ من الحضور في الوضوء.. وأنه يجب للوضوء ما يجب للصلاة من الحرمة! فلا يثرثر المتوضئ أثناء وضوئه! وأن الوضوء جلسة "محاسبة"!!
هم لا يعرفون الجلسة الخفيفة، بين الركعة الوترية، والركعة الشفعية، هذه الجلسة التي تكون بعد الرفع من السجدة الثانية وقبل القيام إلى الركعة الثانية، أو الركعة الرابعة، في الرباعية.. هم لا يعرفون أن هذه الجلسة من "السنة" وأن بها تنعقد الحركة، السابعة من حركات الركعة!
هم لا يعرفون أن الصلاة حضرتان: حضرة إحرام، وحضرة سلام، لكل منها آدابها... هم لا يعرفون أن "الصلاة الوسطى" من قوله تعالى: "حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين".. هي المعاملة!! وإنها هي حضرة السلام!!
ولقد رسم الأستاذ في كتاب "تعلموا كيف تصلّون" طريق التوبة، والدخول في الإسلام من جديد للتائب، وطريق السلوك، والترّقي في مراقيه، للسالك...
كيفية الطهارة والصلاة وآدابهما
قال الأستاذ محمود محمد طه في صفحة 50 من ذلك الكتاب:
((فإذا علمت من (الباب الأول) من هذا (الكتاب) ما عظم أمر الصلاة في صدرك فأقبل على صلاتك بروح جديدة.. وأعلم أنك لم تكن تصلي، فيما مضى.. هذا حديث يساق لكل مسلم، في يومنا الحاضر، مهما كان حظه من المجاهدة، والتدين ـ:"صل فإنك لم تكن تصلي ـ وأول ما تبدأ به عهدك الجديد: "التوبة النصوح"..))
ثم ذكر الأستاذ محمود أركان التوبة النصوح التي لا تتم التوبة إلاّ بصحتها.. وأردف قائلا:
((ولتوكيد تخليفك الماضي وراء ظهرك، اغتسل غسل الجنابة، كأنك قد دخلت الإسلام لتوك..))
وذهب يعدّد آداب الغسل، ويصف كيفيته الصحيحة.
ثم قال عن الوضوء
((وإنما من أجل الحضور في الصلاة فرض الوضوء مقدمة لها، وهو طرف منها، تجب له من الحرمة ما يجب للصلاة))..
وعدّد آداب الوضوء ووصف كيفيته الصحيحة، كجلسة "محاسبة" يحاسب فيها المتوضئ نفسه على ما أجترح كل عضو من أعضاء الوضوء، فيستغفر الله لذنبه، فإن الحواس والجوارح أبواب يدخل منها النور أو الظلام على قلوبنا..
ثم ذكر أوقات الصلاة، وفصّل هيئتها، وأقوالها، وآدابها... وتناول الوسائل المعينة على الحضور فيها، تفصيلا شديدا.
حضرة الإحرام وحضرة السلام
ثم قال:
((للصلاة حضرتان: حضرة (الإحرام)، وحضرة (السلام).. فأما حضرة الإحرام فهي الصلاة الشرعية المعروفة، لأوقاتها، وكيفياتها.. وهي تبدأ (بتكبيرة الإحرام)، وتنتهي بإتمام ركعاتها، وترية كانت، أم شفعية، وبالخروج منها بعبارة: (السلام عليكم).. وأما حضرة السلام فتبدأ بالخروج من حضرة الإحرام، وتنتهي بإسلامك إلى حضرة الإحرام في الصلاة المقبلة.. وهي، هي المعاملة التي قال عنها النبي: (الدين المعاملة).. ولكلتا حضرتي الصلاة آداب، لا تستقيم إلا بها.. والمعنى الشامل لآداب كلتيهما هو الحضور مع الله أثناء أدائهما..))
وكان الأستاذ محمود قد بيّن الأدب في حضرة الإحرام فقال عن الأدب في حضرة السلام:
((والأدب، في حضرة (السلام)، كما هو في حضرة (الإحرام)، جماعه الحضور مع الله.. فهو يقع بين (المراقبة) و(المحاسبة).. فبالمراقبة استدراك الأمر قبل أن يفلت.. تراقب جوارحك، وحواسك، وتدفع شرك عن الناس.... ثم، إن أنت زدت عن هذه، فتحتمل أذى الناس.. ثم، إن أنت زدت عن هذه، فتوصل الخير إلى الناس.. فإن أدنى مراتب (الصلاة الوسطى) إنما هو كف الأذى، واحتمال الأذى.. فإن أنت أعيتك المراقبة، وأفلت منك الزمام، وتورطت في الهلكة، فإنك بالمحاسبة ترقع ما وهن من سيرتك بين الناس.. والمحاسبة تجري أثناء الوضوء..))
هذا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه، وهو يعلّم الناس الصلاة الصحيحة.. الصلاة الزكية... وقتها وهيئتها وأدبها.. حتى تصبح حياة المصلي كلها صلاة.. "والذين هم على صلاتهم دائمون".. فيرقى بعبادته ومعاملته مراقي الإسلام، ويحقق بهما العبودية لله.