إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

ماذا قال الأستاذ محمود محمد طه عن الصلاة؟

الباب الرابع

صلاة المعراج وصلاة الصلة


والأستاذ محمود محمد طه إذ يدعو إلى بعث الإسلام، إنما يدعو إلى هذا البعث على المستوى العلمي، في عصر العلم و"العالمية"!
ومن ثمّ، تمييزه الدقيق، تمييزه العلمي بين النص، والنص، من نصوص القرآن الكريم، ونصوص الحديث الشريف!
ومن هذا التمييز العلمي الدقيق التمييز بين الحديث، "الصلاة معراج العبد إلى ربه" والحديث: "الصلاة صلة بين العبد وربه"، وعلى هذا التمييز يقوم فهم "الصلاة" فهناك صلاة "المعراج" وصلاة "الصلة"... أولاهما وسيلة إلى الثانية...
وهذا التمييز ضرورة، لا محيص عنها، من أجل بعث الصلاة من جديد.. فحركة التغيير، حيثما كانت، إنما تقوم على الفهم.. ودعوتنا، كلها، إنما هي للناس عامة، ولعلماء الفقه، خاصة، ليفهموا الإسلام فهما جديدا، حتى يبعثوه بعثا جديدا، فينشئهم، بفضل الله، خلقا آخر.

ما هي صلاة المعراج؟؟
وما هي صلاة الصلة؟؟


قال الأستاذ محمود محمد طه في صفحة 92 من كتابه "تعلموا كيف تصلون":
((إن صلاة (المعراج) ـ الصلاة الشرعية ـ وسيلة إلى صلاة (الصلة).. فنحن إنما لنا صلاتان: صلاة كبرى، وهذه لم يكن جبريل حاضراً فرضيتها، وإنما فرضت على النبي وقد سقطت، من بينه وبين ربه، وساطة جبريل.. وأخبرنا عنها النبي فقال: (الصلاة صلة بين العبد وربه).. وصلاة صغرى، وهذه قد جاء جبريل بكيفيتها، وأوقاتها.. وأخبرنا عنها النبي فقال: (الصلاة معراج العبد إلى ربه) ولقد أمر تعالى النبي أن يعرج بصلاة (المعراج) إلى صلاة (الصلة).. قال تعالى في حقه: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك.. عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا!!) فصلى النبي صلاة معراجه يرتقي بها، كل يوم، إلى صلاة الصلة.. وندبنا نحن لنصلي صلاة معراجنا، لنسير بها، كل يوم، إلى صلاة صلتنا.. وصلاة المعراج هي شريعته الخاصة به، كنبي.. وهي شريعته لأمته، كرسول.. يجئ من هذا الوضع أننا نصلي صلاة المعراج، من حيث الهيئة، كما يصليها، غير أنه هو أصيل، ونحن مقلدون.. ولقد جاءت عبارته لنا في التقليد هكذا: (صلوا كما رأيتموني أصلي).. فإذا نحن استعملنا صلاة المعراج في تقليد النبي بإتقان ـ حركة أجسادنا، وحالة قلوبنا ـ فإننا نعرج بها إلى صلاة الصلة.. وبصلاة الصلة تتم العبودية.. وعند العبودية تسقط الواسطة، ويقوم العبد في مواجهة الرب..))

هذا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه مميّزا بين صلاة "المعراج" وصلاة "الصلة" تمييزا علميا دقيقا.

كيف نعرج بصلاة المعراج إلى صلاة الصلة


وقال في صفحة 66 من كتاب "تعلموا كيف تصلّون":
((.. ثم إن الصلاة ارتقاء في مراتب النفوس السبع.. وهي، في حقيقتها، إنما فرضت في مرتبة النفس السابعة ـ النفس الكاملة ـ ثم نزل منها السلم إلى مرتبة النفس الأولى ـ النفس الأمارة ـ ليرتقي بها المرتقي، من هذه النفس الأمارة، إلى النفس الكاملة.. ففي مقام النفس الكاملة فرضت صلاة (الصلة)، وهي صلاة (الحقيقة).. ومن هذه تنزل السلم، فجاءت في أدنى درجاته، صلاة (المعراج)، وهي الصلاة الشرعية.. وقد أخبرنا النبي عن كلتيهما فقال: (الصلاة صلة بين العبد وربه).. وقال: (الصلاة معراج العبد إلى ربه) ولكنا لم نفهم عنه، كما ينبغي.. وحكم الوقت يطلب الينا أن نفهم فهماً جديداً، ودقيقاً، هاتين العبارتين، فلا نظل بصلاتنا الشرعية في أول عتبة من عتبات السلم، وإنما نعرج عليها، كما هو مراد الله لنا أن نفعل، لنرقى مراقي النفوس، في القرب منه تعالى.. نرقى من النفس الأمارة، إلى النفس اللوامة، إلى النفس الملهمة، إلى النفس المطمئنة، إلى النفس الراضية، إلى النفس المرضية، إلى النفس الكاملة.. وهذه المراقي تحققها صلاة (المعراج)، إذا عرجنا بها إلى حيث تتحقق، عند النفس الكاملة، صلاة (الصلة).. ونحن لا نستطيع أن نعرج بصلاة (المعراج) إلى مقام صلاة (الصلة) إلا إذا كان هناك قدر، دائماً، من صلاة (الصلة) في صلاة (المعراج).. ولا يتم لنا ذلك إلا إذا أحسنا الأداء على نحو مما وصفنا لك هنا.. وفي الحق، فإنه لا تكون صلاة (المعراج) صلاة، على الإطلاق، إلا إذا كان فيها هذا القدر من صلاة (الصلة) ـ قل أو كثر ـ أعني من الحضور مع الله فيها.. هذا هو معنى صلاة (الصلة).. ثم إن هذا الحضور يزيد بالتجويد، كل حين، وغايته أن تكون مع الله، كما هو معك، وهيهات!!))

هذا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه عن الترّقي على صلاة "المعراج"، إلى صلاة "الصلة".
فصلاة "الصلة" هي الحضور مع الله بلا غفلة.. ولقد يفيد المصلّي المجوّد أن يعلم، بتأكيد شديد، أنه ((لا تكون صلاة "المعراج" صلاة، على الإطلاق، إلاّ إذا كان فيها هذا القدر من صلاة "الصلة" – قلّ أو كثر – أعني من الحضور مع الله فيها.. هذا هو معنى صلاة (الصلة).. ثم إن هذا الحضور يزيد بالتجويد، كل حين، وغايته أن تكون مع الله، كما هو معك، وهيهات !!))
هذا التوجيه له أمضى الأثر في سرعة إفضاء صلاة "المعراج" إلى صلاة "الصلة".. فالحضور في الصلاة هو "روح" الصلاة..
والصلاة كما ورد في قول الأستاذ محمود محمد طه، آنفا، علم نفس!! لأن بوسيلتها يكون الترّقي من درجة، إلى درجة من درجات النفوس.. بدأ بالنفس الأمارة بالسوء – النفس الحيوانية – وانتهاء – بالنفس الكاملة – النفس الإنسانية!! وحكم الوقت لآيات النفوس أكثر مما هو لآيات الآفاق، لأنه وقت إفضاء الوسائل إلى غاياتها: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟" ولكل درجة من درجات النفوس أشراطها، ولها عقباتها.. فمن عرف نفسه فقد عرف ربه، كما قال النبي الكريم.. عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم..