الباب الخامس
الصلاة بين المؤمن والمسلم
ومن أجل بعث الإسلام لا بد من التفريق بين "المؤمن" و"المسلم" وبين "أمة المؤمنين" و"أمة المسلمين".. بل أن هذا التفريق ضرورة لبعث الصلاة!
وتبرز أهمية التفريق بين المؤمن والمسلم في التفريق بين صلاة وصلاة.. فإن للمؤمن صلاته، وهو فيها مقلّد للنبي الكريم، وللمسلم صلاته، وهو فيها أصيل، متأس بالنبي الكريم في الأصالة.. وسنرى جلية هذا الأمر بعد التمييز بين "أمة المؤمنين" و"أمة المسلمين" فيما يلي:
أمة المؤمنين وأمة المسلمين
وقال الأستاذ محمود محمد طه في صفحة 85 من كتابه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" – الطبعة الأولى:
(ولقد بينا أن الإسلام قد جاء في مرحلتين لأمتين.. مرحلة (الإيمان) لأمة المؤمنين.. وهذه تقع في ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان.. ولقد حواها حديث جبريـل المشهور.. ومرحلة (الإيقان) لأمة المسلمين، وهي أمة لم تجئ إلى اليوم، وإنما هي مقبلة.. وقد عناها النبي الكريم بحديث الإخوان المشهـور.. فإنه قد قال: واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعـد!! قالوا: أولسنا إخوانك، يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي!! واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعـد!! قالوا: أولسنا إخوانك، يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي!! واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعـد!! قالوا: ومن إخوانك، يا رسول الله؟! قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا أم منهم؟؟ قال: بل منكم!! قالوا: لماذا؟؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا!! وهذا الحديث الشريف مأخوذ من القرآن الكريم.. من قوله تعالى: (هـو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانـوا، من قبـل، لـفي ضلال مبيـن * وآخرين منهم، لما يلحقوا بهـم.. وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله، يؤتيـه من يشـاء.. والله ذو الفضل العظيم).. أشار إلى الإخوان الذين لما يأتوا بعـد، بقوله: (وآخرين منهم، لما يلحقوا بهم).. وجاء بقوله: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. والله ذو الفضـل العظيـم).. في مقام الرد على التساؤل (لماذا؟؟) الذي ورد الرد عليه في الحديـث بقـوله: (لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعواناً)..
أمة المسلمين التي لما تأت بعد يكون دينها ذا سبع مراتب: ثلاث مراتب (الإيمان).. وثلاث مراتب (الإيقان).. ثم تتوج هذه ست المراتب بمرتبة الإسلام.. وهذا هو الإسلام الذي عناه الله، تبارك، وتعالى، حين قال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.. وهو في الآخرة من الخاسرين).. ومراتب الإيقان، التي لم ترد في حديث جبريل، حواها القرآن.. وهي فوق مراتب الإيمان.. هي مراتب (علـم).. مراتب علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. وهذه هي مستوى آيات الأصول..)
هذا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه في التفريق بين "المؤمن" و"المسلم" وبين "أمة المؤمنين" و"أمة المسلمين"... وهو كما قلنا تفريق ضروري للتفريق بين "صلاة التقليد" وصلاة "الأصالة"
وسنرد فيما يلي على شبهة "سقوط الصلاة" التي يثيرها معارضونا ضدنا إما عن قصد وإما عن سوء فهم... فهل تسقط الصلاة؟
الصلاة لا تسقط وإنما يسقط التقليد
قال الأستاذ محمود محمد طه في كتابه "رسالة الصلاة":
(ويصبح شأن الآية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان، الذي هو مرتبة الأمة الأولى، أن الصلاة الشرعية، في حقه، فرض له أوقات يؤدى فيها، فإذا ارتقى: بحسن أدائها بتجويده تقليد المعصوم، حتى ارتقى في مراقي الإيقان، التي ذكرناها، حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، واطمأنت نفسه، فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة (موقوتا) في الآية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وذلك المعنى، في حقه هو، أن الصلاة الشرعية فرض، له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية، من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم.. فهو، حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم.. الحجاب النبوي.
إن الإسلام، في حقيقته، ليس ديناً بالمعنى المألوف في الأديان، وإنما مرحلة العقيدة فيه مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه ـ مرحلة الشريعة فيه، مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة ـ حيث يرتفع الأفراد، من الشريعة الجماعية، إلى الشرائع الفردية، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة، وتكون الشريعة الجماعية محفوظة، ومرعية، لمصلحة السلوك، والتربية، والتنظيم، للقاعدة البشرية، التي تستجد كل يوم، وتجاهد بالتجارب كل حين لترقي المراقي.)
هذا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه.. ونحب ان يقف القارئ أكثر عند هذا الطرف من قوله:
(حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية، من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم.. فهو، حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم.. الحجاب النبوي...)
بهذا فنحن لا نقول بسقوط الصلاة، وإنما نقول بسقوط التقليد، بعد التجويد، وبلوغ مرتبة الأصالة..
والآن إلى الرد على شبهة أخرى تثار ضدنا بناء على شبهة "سقوط الصلاة" وهي: "كان النبي الكريم يصلي حتى توّرمت قدماه إلى أن التحق بالرفيق الأعلى!!!" وقد كانت من الشبهات التي أثيرت في محكمة الردة – أو بالأخرى، مهزلة محكمة الردة – ورد الأستاذ محمود عليها في كتاب "بيننا وبين محكمة الردة" ردا شافيا يجتثها من جذورها.
لماذا كان النبي على صلاته حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟
قال الأستاذ محمود:
(إذا وضح من هذا أن الصلاة لا تسقط وانما يسقط التقليد يصبح قول المدعي الأول في حقنا أمام المحكمة (وفات عليه أن الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه كان يصلى الى أن التحق بالرفيق الأعلى حتى تورمت قدماه) قولا في غير محله، وذلك لأن النبي لم يكن مقلدا لأحد من العالمين وانما كان أصيلا – هو لا تعترضه عقبة التقليد في الصلاة الشرعية وانما تعترض أمته من ورائه – وقد ورد هذا الأمر في كتابنا (رسالة الصلاة) صفحة 34 حيث يقول تحت عنوان التقليد (صلوا كما رأيتموني أصلي)!! (هكذا أمر النبي في تبليغ رسالة ربه.. فالصلاة معراج النبي بالأصالة ومعراج الأمة من بعده بالتبعية والتقليد)
هذا ما قاله الأستاذ محمود
لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟
(أما أصحاب النبي فقد كانوا من المؤمنين، وقد سبقت الاشارة الى أن المؤمنين لن ينفكوا عن التقليد، وانما يخاطب بسقوط التقليد من ارتفع درجات الايمان الثلاث، ودخل في درجات الايقان الثلاث، وبلغ مرتبة الاسلام الذي يمثله الرضا بالله..)
هذا أيضا ما قاله الأستاذ محمود محمد طه في كتاب "بيننا وبين محكمة الردة" ردا على شبهة أخرى حول "صلاة الأصحاب". ولقد بيّنا، فيما سلف من القول، أن السالك المجوّد من أمة المسلمين المقبلة يرتفع من التقليد إلى الأصالة، فيؤتى شريعته الفردية.. كما بيّنا أن الأمة المسلمة المقبلة هي أمة "الأخوان" الذين اشتاق إليهم النبي الكريم وهو بين أصحابه!!!