بسم الله الرحمن الرحيم..
تنتظم هذه الجلسة، جلسة الندوة الاسبوعية المعتادة، الخميس الثاني من ديسمبر عام ٧١، بالمنزل بالمهدية الحارة الاولى، الساعة الآن السادسة والنصف تقريبا.. الجلسة استئناف للندوة المخصصة للخواطر التي جرت لعدة اسابيع، قبل مؤتمر عيد الفطر المبارك، وكنا قد وقفنا في نقطة يصلُح ان نواصل منها الحديث.. تلك النقطة هي ان الفطرة هي العقل القابل للتناقض.. في قول من أقوال الاخوان.. ثم قيل ان الفطرة هي العقل غير القابل للتناقض.. ثم جاء الحديث ليقول انه الفطرة عند انطلاقها لتباشر وتمارس الواقع، وعندما تصطدم بالواقع، الفطرة عندما تصطدم بالواقع تضطر للتناقض.. وتناقض الفطرة هو منهاج الحياة، وسوق الفطرة من التناقض لتصل الى ألّا تكون متناقضة هو منهاج السلوك الديني.
الحياة باصطدامها مع الفطرة في البيئة توجِد التناقض فيها، ثم ان السالك الديني يحاول ان ينتقل من الفطرة المتناقضة الى الفطرة غير المتناقضة.. وانه المرحلة المقطوعة من بداية الامر بالصوره دي، من الفطرة المتناقضة الى الفطرة غير المتناقضة، يقع فيه مضمار تهذيب وتنغيم الخواطر، وفض العقد النفسية، وهو أصل موضوعنا.. ثم قيل بعد النقطة دي كلام عن الخوف، وانه لولا الخوف ما تقدمت العقول، فالخوف صديق في مرحلة وعدو في مرحلة.. لولا الخوف ما ظهر العقل في المكان الاول، وإذا لم ننتصر على الخوف لا يحصل الكمال للبنية البشرية في المكان الثاني.. فكأننا نحن نسير بالخوف في مرحلة معيّنة، ويكون فيها الخوف، الخوف المعقول بطبيعة الحال، صديق.. ثم عند تلك المرحله ونحن متجهون في الترقي، يصبح الخوف عدو معوق ولا بد انه الناس يخلصوا منه.. فكأنما في مرحلة الخوف نكبت، وفي مرحلة التحرر من الخوف نفض الكبت ونحل العقد.. وده أصل موضوعنا، وده ما قالوه الصوفية، ((سيرك منك وصولك اليك)).. "سيرك منك" في الفطرة المعقدة، الفطرة المتناقضة، "وصولك اليك" في الفطرة المستقيمة السليمة.
ده موضوعنا الذي نحب أن نواصله في هذه الندوة، ونرجو ان يباشر بالصورة اللي تجعل موضوع السلوك موضوع علمي مجسد، بقدر ما تعطي الكلمات من معاني.. وأحب برضو ان اذكر اننا نحن نعتقد انه الموضوع ده هو اهم موضوع في السلوك كله، بل هو الحقيقة السلوك.. لا يكاد يكون في موضوع اخر الا هو موضوع بسبيل منه وجانبي.. ولذلك اي وقت نصرفه في تشريح الامر ده وتبيينه وقت غير ضايع، ولسنا حريصين على ان تكون الندوة دي هي الندوة النهائية لموضوع الخواطر.. ان كانت هي النهائية كان وبها، وان لم تكن فإنا راغبون في ان نعطي فرصة ثانية وفرصة ثالثة وفرصة رابعة، الى ان يكون موضوع الخواطر هو الموضوع الجلي الواضح في أذهان الاخوان.. الندوة الآن مفتوحة للتداول..
(.....) في مضمار النفوس أعطيت بإجمال، اعطاء طيب، فيما قاله “يوسف” ومشى فيه “أدروب”، وصورة بروز الكبت، الكبت جايي من وين، أعطيت من “إبراهيم مكي".. ولكن يبدو انه القاعدة الاتسامى عليها الحديث في مسألة مراتب النفوس، القاعدة دي بتحتاج لنظر.. هل هي فعلا الكبت بدأ في مرحلة الانسان؟ انا اعرف انكم قبل كده قلتوا غير كدا.. في مرحلة الانسان في كبت مؤكد، لكن هل الكبت بدأ بمرحلة الانسان وللا قبل مرحلة الانسان، وسببه شنو؟
(.....) يعني الفطرة.. نحن بدينا، الفطرة القابلة للتناقض.. الفطرة هي العقل القابل للتناقض، دي نقطة بدايتنا.. يمكن ان تمشوا لما هو قبلها إذا شئتم، او يمكن ان تبتدوا منها.. لكن يمكن ان نعرف الفطرة شنو والتناقض شنو، سببه شنو والكبت جايي كيف.. يمكن دي بدايات تصلح القاعدة للحديث اليجيء عليها فيما بعد.
(.....) (الطاعة والتناقض والعصيان).. وانا يبدو لي انه دي ما كلمة جديدة، قيلت قبل كده.. الله فطر الاشياء طايعة ليه.. الله فطر الاشياء كلها طايعة.. ده الكلام الـ "لقدام"، وهنا الطاعة المثّل بيها، القال عنها ربنا ((وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم))، او يقول ((افغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون))، او يقول ((ان كل من في السماوات والارض الا آتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)).. دي الفطرة، المفطورة عليها الاشياء.. طيب.. بعدين “عماد” قال التناقض المعصية.. "أحمد الحسين"، قال الفطرة هي الطاعة والتناقض الدخلت فيه.. المعصية.. المخالفة يعني.. من المرتبة دي عايزين نحن تفسير أكثر بقى.. الصورة في جملتها صحيحة، لكن عايزين تفسير..
التناقض هو المعصية، الفطرة هي الطاعة والتناقض هو المعصية.. شنو المعصية أصلها؟ وسببها شنو؟
(.....) المواضيع متجهة لكن بس في تفاصيل يمكن كنا نحتاج فيها لكلام أكثر.. الفطرة قيل انها هي الطاعة.. الله فطر الاشياء على طاعته، لأنه هو الإله الواحد المهيمن ولا يُعصى.. ما يدخل شيء في ملك الله الا ما يريد الله.. ومن هنا جاءت الطاعة.. كل الاشياء مطيعة لله.. و”إبراهيم يوسف" ذكّرنا بان الطاعة دي للدين العام اللهي الارادة الالهية، ((افغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون))، الدين هنا، نحن بنصرف في ذهننا في الوهلة الاولانية انه الدين بالمعنى المألوف عندنا، اللهو الدين الجوا بيه الرسل، لكن في الحقيقة الدين ده سابق لمجيء الرسل.. اللي هو الاراده الالهيه بالمعني ده.. والاشياء طايعة للارادة لا تعصيها.. وفي هذه المرحلة الاشياء والعناصر والوجود كله مسيّر تسيير مباشر بالقهر الارادي.. هنا لا تكاد تكون في مرتبة تناقض.. كل الوجود طايع.. ثم الطاعة بالقهر الارادي والصهر المواجه للعناصر، في مراحل التطور، برزت الحياة من الماده الميتة وهنا قال "علي": ارادة الحياة.
ارادة الحياة زيادة على مرتبة العناصر الصماء، بأن دخلت حركة تلقائية في المادة.. دخلت ارادة.. يمكن للانسان ان يقول دخلت اراده.. ودي ما سميت ارادة الحياة.. الحي مريد وارادته تظهر في حركاته، في ان يحصل طعامه ويحصل تناسله، ويفر من الالم ليحتفظ بالحياة.. ودي ما سميت، نحن كلامنا ده عندنا في الحقيقة، سميت المادة العضوية بعد المادة غير العضوية.. اول سمة للحياة انه الحي يكون شاعر بحياته، ودلايل شعوره بحياته انه بيتحرك حركة يفر بيها من الالم ويحصل بيها اللذة.. والمرتبة دي قانونها دخل فيه مسألة اللذة.. قانون الحياة اللذة، الفرار من الالم وتحصيل اللذة.. والتناقض جاء هنا من مصادمة الرغبة الداخلية بالتنظيم الخارجي.. الحي مع البيئة.. نحن عايزين نشبع ما بنلقى الشبع، بنجوع، ويبلغ بينا الجوع الي ان نموت جوعا.. عايزين الامن، ما بنلقى الامن دائما، بنلقى الخوف.. عايزين الحياة، ما بنلقى الحياة دائما، نلقى الموت.. هنا جاء الخوف.. الخوف دخل من هنا، والتناقض اذن هو التنافر.. او يمكن ان يقال انه الكبت بدأ من بداية الحياة في حيوان الخلية الواحدة، سواء ان كانت هذه الخلية خلية حيوان او خلية نبات، والفرق هناك مافي.. لكن مجرد ما دخل الحياة البترغب في ان تتغذى وتتناسل وتحتفظ بالحياة، تخاف على حياتها، تفر مما يؤلمها، وتفر الى ما يلذها، بدأ الكبت.. والكبت سببه الطاقة الداخلية، أو الارادة لمن تصطدم مع الواقع.
"بتول" حاولت ان تقول انه من بداية العناصر في كبت، لكن ده في الحقيقة ما بيبرز.. هو مجرد بروز الزوجين ((من كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)).. مجرد ما جاءت الثنائية جاءت صورة الكبت لكنها كامنة.. ما برزت في عمل واضح الا عندما جاءت الارادة في الحي الاولاني، واصطدمت الارادة بارادة.. اصطدمت الارادة الحادثة في الحي بالارادة القديمة في الله، عند الله في تنظيمه لكونه.. فلذلك ترى انه بدايات المعصية بدأت من هنا.. ممارسة الارادة الحادثة في معارضة الارادة القديمة.. يمكن الانسان ان يشوف بدايات المعصية من هنا، لكنه في هذه المرحلة مافيش خطاب وتكليف.. ولذلك يجيء يقول ((هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)).. في مرتبة العناصر كان الانسان موجود، في مرتبة الحياة البدائية كان موجود، لكنه ما مكلف، مع انه عاصي، بمعنى انه عنده رغبة يود لو انه النظام في الكون غيرها.. عنده ارادة مصادمه لارادة.. ودي في الآخر تلقى معصية ادم هي دي.
معصية آدم عندما نهي بامر الله عن شيء معيّن مارس ارادته في معارضة ارادة الله.. الحقيقة في البداية من النقطة دي بدأت.. فكل ما هناك انه لمن جاءت معصية آدم دخل التكليف.. وقبل معصية آدم مافي حساب، زي ما نحن بنقول الطفل مثلا.. الطفل ما هو (مسئول) يعصينا لكن ما بنزعل، يعمل ما شاء لكن بنغفر ليه.. ((هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا))، في المرحلة دي.. المرحلة دي زي ما حدّاها "حسن" هناك، "حسن جكنون"، قمّتها "فإذا سويته".. التسوية دي تبتدئ من حيوان الخلية الواحدة، الحيوان اللا يكاد يُذكر.. لغاية ما تجيء الحيوانات العليا الفوقها نشأ الانسان بمرحلة جديدة، ونحن عندنا كلام عنها، سميت ارادة الحرية اللي هي تختلف عن ارادة الحياة اختلاف مقدار.. زيادة.
لمن جاءت ارادة الحرية جاء العقل، بعدين جاء دخل قانون جديد.. مع قانون البحث عن اللذه، جاء قانون جديد.. الحلال والحرام.. اللي هو تنظيم للذة، وجاء دخل بدخول العقل لانه أصبح في تخيل.. العقل وهو في الحقيقة بختلف عن عقل الحيوان.. عقل الانسان يختلف عن عقل الحيوان بزيادة مقدار ادته صورة من التخيل والشعور بالزمن.. من التخيل والشعور بالزمن جاءت انه عندنا لذة وقانونها ان نبحث عن اللذة، لكن بتخيلنا ومقدرتنا على الادراك الزمني قالوا لينا انه اللذة الحاضرة دي أصلها مقطوعة ومُوكلة بيها الآفة، وإذا أنتم ضحيتوا بيها في سبيل اللذة الآجلة تجدوا الخلود وتجدوا النعيم الأبدي واللذة الابدية.. ضحوا باللذة العاجلة في سبيل اللذة الآجلة.. ودي قيمة العقل هنا في تصورنا للحياة الاخرى.
هنا من المرحلة دي يمكن ان نمشي لقدام في مراتب النفوس للعبادة.. لكن الكبت كانما هو في مرحلتين، الكبت الواعي في مرحلتين.. مرحلة ارادة الحياة عارضت صور من الكبت دفعها الخوف فينا، بمعنى انه الحيوان أصبح يحتال نوع من الحيل، افتكر اتكلمنا عنه مرة وقلنا مثلا الحيوان البيفر بحياته من عدوه.. الوسيلته لان يحتفظ بالحياة من عدوه ان يفر.. الفرار ده طوّره في المراقي المختلفه، اداه يعني (.....) هي لغاية ما جاء الطائر.. الطيران كان محاولة للسرعة الشديدة، زي قفز الصيدة مثلا، وهي ساكّها الاسد، سرعة لغاية ما تتمنى لو انها تطير.. وفي الحياة المختلفة في المدارج المختلفه في الترقي، قامن الجناحين بصورة من ده.. بصورة من سرعة العدو لغاية ما أصبح الحي بيطير.. فنشأت من الزواحف الحيوانات البتطير، بعدين الاتجاهات الثانية في الحيوان البيناجز، الحيوان القوي، الحيوان العنده الانياب الطويلة، المخالب الطويلة بشتى الصور.. ده كله نوع من الكبت أبرز الفضائل دي وطور الحياة بصورها المختلفة لغاية ما برز الانسان، وهو تمادي في التحايل على التغلب على الخوف والاحتفاظ بالحياة وتحصيل اللذة..
فالكبت اذن دي صوره.. الخوف البيملي الحيلة.. وقلنا مثلا الحيوان المجتر، برضو، حيوان شاف انه لمن يبرز لاعداؤه بروز طويل بيتعرض للخطر، ما عنده حيلة.. ولا هو جراي، سريع الجري، كثير بالقدر الكافي، ولا هو مقاتل.. أصبح يبرز في اوقات بيفتكر انه عدوه فيها قد لا يصيبه، يلم بسرعة كأنه بيبلع، يجيء في مأمنه يجتر الجرة القبيلك جمعها بسرعة.. او يسير في، زي غريزة.. الكبت والحيلة هدت الى غريزة، القطيع.. انهم يسيروا في قطيع كبير ويشعروا بالامن فيه.. فالكبت اذن بدأ بصور زي دي لغاية ما جاء الكبت في مرحلة الانسان، والى حد كبير سببه المجتمع في البدايات، ثم الاديان لقدام.. ولعله من الحيل في الكبت برز الدين ونُظّم المجتمع.. ممكن من النقطة دي الناس يسيروا، اللي هي بيحكيها الفرد البشري القبيلك، اتكلم عنه لعله “إبراهيم” بصورة الانسان في الطفولة ويمشي لقدام، الانسان الساذج والبدائي يحكيه الطفل الحاضر.
ممكن ننطلق من النقطة دي او ممكن إذا كان في اسئله فيها تجيء.. الكبت برز بمصادمة الارادة مع الواقع.. الإرادة، في مرتبة ارادة الحياة، ثم في مرتبة ارادة الحرية.. في مرتبة ارادة الحرية برز العقل البشري، ويصارع في الحياة ويصادمها.. والحياة دي سواء ان كانت في البيئة الصماء، او في البيئة الاجتماعية، على اختلاف صورها، الكبت حاصل ليهو.. لغاية ما جاء في المستويات الكبيرة مع شرايعه.. في بداية الكبت، قايمة على الشرايع المختلفه الكانت عنيفة جدا بالفرد، في المجتمعات الاولانية، واضطرته ليكبت.. ومن الكبت، من الخوف من الشريعة وتطبيقها، والمجتمع ورأيه العام، واطلاع الآلهة على ما نضمر، حسب ما وصفت آلهة المجتمعات البدائية، بدأ الكبت في صور مختلفة، ولا نزال نعيش بقاياه في صدورنا.. ممكن الناس يقولوا من مرحلة بروز ارادة الحرية.. ده كلام نجيء فيه لقدام.. لكن الكبت في مستويات ارادة الحياة.. إذا كان فيه كلام نقوله لسع.. نسمع إذا كان في اسئلة تُطرح برضو على الاخوان.. لغاية ما نجيء للكبت في بروز ارادة الحرية، ثم نمشي بيه للمجتمعات الحديثه، بتطوير القوانين البتخفف علينا الكبت كل حين.
(.....) بيشوفوا أنه ينتظم الحركة كلها ويكون عليه تركيز، هو مصادمة الارادة الداخلية بالارادة الخارجية.. الصوفية يقولوا فيه "وجودك ذنب لا يقاس به ذنب".. المعصية عندما فُصلت عند ادم.. المعصية موش هي ممارسة الخطيئة، وانما ممارسة الخطيئة أثر، نتيجة للمعصية الحقيقية، اللي هي مصادمة ارادته بالارادة الكلية، مصادمة ما يريد هو بما يريد منظم الكون.. أصله المعصية ياها دي.
وبعدين الخيط ده لمن تتابعه تلقاه في القمة هو الفاصل بين العبد والرب، القبيلك اتكلم عنه “عبد اللطيف” في الستارة الخفيفة، واتكلم عنه "يوسف جورج" في ان الستارة الخفيفة من هناك ليها النفس الكاملة ومن هنا ليها النفس المرضية.. الحاجز الاخير بينا وبين الرب انه هو مريد ونحن نريد.. هو يريد ونحن نريد، وما نستطيع دائما ان نسلم ارادتنا لارادته، فنرجع للفطرة.. نحاول ان نرجع للفطرة السليمة اللي هي الطاعة لكن يقوم بينا وبينه اننا نحن موجودين وهو موجود.. نحن نمارس ارادة وهو عنده إرادة.. ارادته ان جاءت بغير ما نرضى سخطنا، فقام الجهل، اللي هو الحجاب.. إذا كان الخيط ده تابعتوه من مستويات ارادة الحياة وارادة الحرية، لغاية ما تمشي لآخر السير السرمدي، يبقى في وحدة تنتظم السلوك ويمكن ان تبرز فيها الخواطر كأنما معلقة على عمود فقري، من كثافة للطافة.
(.....) ارادة الحرية مارست وجودها.. ما الطاعة انكار للحرية..
(.....) صحي، لكن الجاهل ما بيعتبر كده.. نحن عندما نكون جهلة حريتنا في مخالفة الاوامر.. ما هي دي مرتبة بين الجهل والعلم.. نحن عندما نكون جهلة حريتنا في ان نفعل ما نشاء بصرف النظر عن الاوامر والحقوق هي شنو، ولّا نفر من المسؤولية دي نحن جهلاء.. لمن نكون جهلاء نعمل ما نريد ونفر من المسؤولية، تحت ظلام نفر من القانون.. دي ممارسة الحرية عند الجاهل.. او يكون ما هو حر، خايف ما يعمل حاجة، ده بيسمي عبد.. لكن الحر في مرتبة الجهل مخالفة وفرار.. الجاهل يخالف ويفر، والعالم والعارف قد يخالف ويتحمل مسؤولية مخالفته، بعدين العقوبة البتجيء تعلمه كيف يسلك لقدام.. لغاية ما يجيء العارف الاصله ما بخالف، وده ما سميناه رجعة للفطرة السليمة اللي هي الطاعة، الطاعة عن طريق العقل.. الفطرة السليمة بعد ما يدخل العقل في التناقض ينفي التناقض ويرجع للطاعة مرة ثانية يبقى دي العبودية.. الطاعة عن طريق إدراك العقول، دي العبودية.. فإذن المخالفة للقوانين هي ممارسة لارادة الحرية.. يمكنك ان تقول كده طوالي.. انه المعصية سببها ارادة الحرية.. اللي هي ارادة الحياة وزيادة، كأننا بنرى نحن انه في لذة معينة، نحن اُمرنا ان لا نقربها، لكن ارادتنا او نفسنا مندفعة ليها، فنمشي مع ارادتنا نحن مخالفة لارادة الله.. يعني نحن لمن نعمل الحرام، مثلا لمن نشرب الخمرة ونحن منهيين عنها، ارادتنا الداخلية قويت علينا حتى خالفنا ارادة الشريعة.. فدي ممارسة لارادة الحرية الفينا، وهي وارادة الحياة اختلافهم اختلاف مقدار زي ما قلنا.. كانما ارادة الحرية قمة لارادة الحياة.. يعني كأنه بدل يقولوا لينا إذا ما شربتوا الخمرة هنا، طاعة لامر الله، الله يمتعكم بالشرب في الجنة، الخمرة الموعودين بيها هناك لا غول فيها ولا تأثيم، انتظروها.. نحن ارادة الحرية الحاضرة فينا لجهلنا تحملنا على مخالفة الامر ده، متمسكين باللذة الحاضرة، مضحين باللذة الآجلة.. دي ارادة الحرية عند الجاهل.. ارادة الحرية عند العارف تسوقه ليحمل نفسه، عبر المغريات الحاضرة، ليستمتع باللذة الآجلة، لانه ثقته، يقينه، ادراكه وفهمه، باليقين في موعود الله، قوي على ان يسوقه عبر المغريات الحاضرة ليحجز نفسه، ويمنع نفسه من الاسترسال في اللذة، في ممارسة ارادته هو، طاعة لارادة الله.. فلذلك يجيء يقول ((لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)).. فالشاهد في موضوعك انه المعصية الحصلت من آدم هي ممارسة ارادته في معارضة ارادة الله، وظهرت هنا في الامر والنهي.. ((ولا تقربا هذه الشجرة)) فهو قربها.. وكل عمل نحن نعمله في مخالفة ارادة الله انما هي وجودنا مع أنفسنا وممارستنا لارادتنا.. نحن دائما بنقول عن حديث داؤود حديث في غاية البيان، ((يا داوود إنك تريد وأريد)).. هي الثنائية برزت من هنا، ((إنك تريد واريد، فان سلمت لما اريد كفيتك ما تريد، وان لم تسلم لما اريد اتعبتك فيما تريد ثم لا يكون الا ما اريد)).. فهي اذن أصله التفاعل بيننا وبينه في الارادة دي، ودي ما قال عنها "علي" قبيلك بالأمانة.. الامانة العُرضت على السموات والارض، ((انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا)).. الانسان وحده هو العنده ارادة حرية في الوجود كله.. الحيوان عنده ارادة حياة وهو ما مكلف.. لمن دخلت ارادة الحريه دخلت بالعقول وجاء بيها التكليف، والنهي والامر، وتمثلت ارادة الله في افعل ولا تفعل.. حرام وحلال.. نحن نعصي، لمن نعصي عصينا بممارسة ارادتنا في غير ارادته، في تنفيذ امر نريده نحن، وان كان ما يريده هو.. ده في الحرام والحلال، بعدين في تفسير الامور كلها الحاجة اليقدرها هو في كونه نحن عندنا رغبة في غيرها، فنسخط عليه.. نسخط على ارادة الله.. نحن عايزين الصحة نلقى المرض، نسخط ما نرضى.. عايزين الغنى نلقى الفقر، نسخط ما نرضى.. هدي المعصية.. المعصية هي ممارسة المريد لغير ما يريد الله، ممارسة المريد لما يريد في غير ما يريد الله، في غير ما يرضي الله.. دي كأنها.. ولذلك انا افتكر انه الخيط يمكن ان تلتقطوه من البدايه دي.. التناقض جايي من معارضة الكون الخارجي اللي هو مظهر لارادة الله، لارادتنا نحن الداخلية.. معارضة الكون الخارجي، اللي هو ما نسميه واقعنا، لارادتنا نحن.. ده التناقض.. وده يبتدئ من بداية الحياة.. ارادة بإزاء إرادة.. وده السير السرمدي.. نحن في السرمد نسير لله لنتخلص من ارادتنا لنرضى بارادته.. بعدين بتجيء مثلا النفس المرضية.. وهي الحقيقة ما من نفس مرضية الا طرف منها مجاهد في الرضا.. فلذلك النفس المرضية مطلق الرضا لا تكون، لا تجيء.. لو كانت هناك نفس ظنت انها مرضية مطلق الرضا، هي نفس ماتت، ما مترقية.. ودي قلناها مرة في القصة بتاعت عبد السلام ابن مشيش، لمن قال ليه الشاذلي تلميذه: كيف أصبحت؟ قال: "اصبحت اخاف من برد الرضا كما تخاف انت من نار التدبير".. برد الرضا يعني لقى نفسه راضية بالله رضا كالمطلق، لا تتحرك لسخط، عرف انه دي نفس ماتت.. ما بتترقى.. فالنفس المرضية مطلقة الرضا ما تجيء كلية، لانها هي نفس مساوية لنفس الله.. فكل نفس مرضية طرفها مجاهد في ان ترضى.
(.....) في اتجاه أنه (؟؟؟) اللي هي انه الانسان بعقله الفي رأسه، قد يكون ما هو متأثر في قلبه، او ما هو ادراكه للحقائق الحاضرة ما مؤدية للايمان.. هنا تجي مسألة الدين في الحقيقة.. الايمان بشنو، لمن نقول الايمان، الايمان بالغيب.. ((الذين يؤمنون بالغيب)).. الغيب الله، والغيب باكر.. الدقيقة المقبلة غيب، والله غيب الغيوب، وايماننا بيه "يؤمنون بالله" تلقى "واليوم الاخر" يجيء مع الايمان بيه هو الزمن.. واليوم الآخر موعود الله في الجنة مثلا، وده معنى تفكيرنا في المستقبل.. العقول دي نشأت نشأة عملية بالصراع في الحياة دي، وفي الواقع ده.. ولذلك العقل في مرتبة الحيوان ما عنده الشعور بالزمن لبكرة.. وظيفته الاسترسال الحاضر في تحصيل اللذة والفرار من الألم، يتفاعل مع الوقت الحاضر.. بعدين لمن جاء الخيال اللي هو العقل البشري، زايد على العقل الحيواني التخيل.. بكرة.. ومنها اننا بنخزن لبكرة، التخيل ده جاء ايمان بالغيب، وجاء الدين على اساسه، وانه الحاضر ده أصله منتهي بالموت، وانه الحياة الباقية هي الحياة المقبلة.. جاءت الاديان من هنا وطالبت بالايمان، بقت العقول المدركاتها مؤثرة في القلوب بالايمان هي العقول المطلوبة في الحقيقة والناجية.. ولذلك الصوفية قالوا العقل عقلان، عقل معاش وعقل معاد.. المعاد ده دخل فيه المستقبل.. معاد، يعني الامر البنعود ليه في تأويل حياتنا لمن نموت، في اخريات حياتنا لمن نموت.. ولذلك هناك برضو يجيء يقول، ((ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)).. عندهم عقل المعاش ده ما بينجِّي، الا إذا انتقل واتصل بعقل معاد، تخيل لما يكون عليه امرنا بعد ما نموت.. نؤمن بالغيب، موعود الله في الغيب من جنة او نار.. بدايتها الجنة والنار.. وبدايتها، بداية ما نؤمن بيه الجنة والنار.. من اجل النار خوفنا من النار يخلينا نترك الحرام الحاضر، رغبتنا في الجنة تخلينا نمارس الحلال الحاضر ونفر من الحرام، نفر من المعصية للطاعة.. قالوا عقل المعاش ما بينجّي، والناس الهنا قد يكونوا في قمة من الادراك لكنه عقلهم ده ما بيه عبرة ولذلك قالوا.. هناك قال، ((وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير))، لكن في امور الدنيا كانوا بيسمعوا ويعقلوا.. لكن ما بيسمعوا ويعقلوا في امور الدين، ((وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير)).. هم بعقل المعاش بيعقلوا لكن بعقل المعاد ما بيعقلوا.. ما بيؤمنوا بالغيب، فلذلك تلقاه قد يكون مادي او ملحد، ومتوسع في دنياه لانه ما مؤمن بحياة بكرة.. او قد يكون مؤمن لكن ايمانه ضعيف بالصورة الما يحمله على العمل.. او سلبي ما مهتم.. يجوز ما يكون ملحد بفلسفة، لكنه ما هو صاحب عقيدة تحمله على العمل.. فده قال عنه عقل المعاش، ده ما ينفع، ما هو علم.. حتى هناك ربنا يقول، ((وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)).. فيجيء التمييز بقى هنا، السؤال الفرعي يسوقنا للاجابة على السؤال الاصلي، اللي هو انه الناس العندهم عقول ذكية لكنهم يمشوا في سبيل المعصية ما عندهم ايمان، والايمان هو فعل العقول في القلوب.. لمن يكون في صلة بين العقل والقلب، يجيء الايمان.. دي العبارة القال عنها “أدروب” ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق)).. الناس البيعلموا علم الآفاق وحده قد لا يصلوا إلى نجاة، الا إذا كان علم الآفاق وسيلة الى علم النفوس.. ((وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون؟)).. فدي الاجابة يمكن على احمد بعد الاجابة الفرعية.
(.....) العقلين ديل بيعملوا عند المؤمن بتجاوب بيناتهم.. عقل المعاش يؤثر على عقل المعاد، وعقل المعاد يؤثر على عقل المعاش.. يجيء من هنا الخطأ والصواب، ويجيء الاستغفار والرجوع بالتأثير الزي ده.. عقل الانسان الكافر الما ماشي لله، المبعد من الله، يشتغل عقله المعاشي بانفصال عن عقله المعادي، وكأنما الدنيا دار اقامة.. ما عنده شعور بغيرها، اتجرد للعمل فيها بكل حرص، بكل تضحية بأي قيمة.
الامر كله بارادة الله، لكن لله حكمة في الارادة لأنه ((من آمن فقد آمن بقضاء وقدر ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر)).. من آمن عقله المعاشي تدبير لمعاده، من كفر عقله المعاشي تدبير لدار اقامته اللي هي الدنيا، وما عنده شعور بغيرها.. لكن الاثنين بارادة الله ولله حكمة في ارادته.
(.....) انه دي النهايه، وبيتحلل وبيبقى تراب وانتهى خلاص، ولذلك هو حقه يكون حريص على دنياه دي لانه دي كل ما عنده، او قد يكون ما متأكد هل داك عنده حياة ثانية او ما عنده.. في غالب علمنا انه في حياة ثانية لكن صورتها وايماننا بيها، يقيننا بيها، ماهو كافي، ليخلعنا وينزعنا من البقاء الحاضر لنفكر فيها تفكير عملي يؤثر على اخلاقنا وتصرفاتنا.. النتيجة تقرب ان تكون واحدة.. يعني نحن المسلمين هسع لمن بنعمل للدنيا بحرص، ايماننا بالآخرة في، لكنه ضعيف.. نحن ما منكرين للحياة الاخرى لكن ما عندنا يقين بيها بالصورة اللي تصلح تصرفاتنا في الحياة دي لنتجافى عنها ونعمل للاخرى في سبيل دنيانا، كأن نتخذ الدنيا مزرعة للآخرة.
أكثر المسلمين كأنما عندهم الايمان بالعقيدة في انه الحياة الأخرى في، لكن اليقين بالحياة دي، حتى تلقاه يعمل ما يقطع ميراثه من الجنة.. في سبيل الحياة دي ليعملها هنا، لانه يقينه بدي قوي وايمانه بديك ضعيف.. فهي دي.. الصورة تجي من هنا.
(.....) الحمار عنده عقل.. ((يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم))، ربنا يقول عنهم كده.. ((ان شر الدواب عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون))، ديل نحن لمن نكون زي الحيوانات مسترسلين في تحصيل لذتنا الحاضرة، فالحيوان عنده عقل.. نحن لذلك قلنا انه الكبت بدأ من الحياة الاولانيه في الحيلة في ان نحصل.. العقل بدأ عند الحيوان البسيط البيفر من الالم ويفر للذة، ويحتال على عدوه بصورة من الفرار أو صورة من الاستخفاء.. من الوقت داك العقل بدأ في جرثومة بسيطة لكنه عندما جاء عند الانسان قفز قفزة بيها كان التكليف وبيها كان تكريم الانسان، فالحيوان عنده عقل.
(.....) عنده عقل ظاهر كمان يعني.. الحيوان بـ
(.....) بيعيش في المستقبل.. الحاسة بالزمن ماها قوية، عنده الحاسة بالزمن.. في حشرات اقتصادية، النمل والنحل، بيدخر قوته للشتاء، لمن ما بيكون بيبرز مثلا النمل، او الخريف بيدخر ليه، ففي حاسة بالزمن.. ونحن اختلافنا من الحيوان اختلاف مقدار، يعني ما نحن جينا لاننا بنعقل وهم ما بيعقلوا، كانهم جمادات، الشجر بيعقل في مستوى من المستويات البيها لو زرعته في الظل بيمشي للشمس ويمشي للنور ليحافظ على حياته.. دي مستويات.
عن طريق، ما هي جرثومة العقل ذاته
(.....) على اي حال يا احمد الغريزة الانت بتسميها ما هي أصل العقل ["ما" توكيد].. بعدين العقل ممكن تقولوا حتى الذكاء هو الطرف الرفيع من الغريزة.
(.....) الشاهد انه الندوة برضو اتفتحت في مجالات برضو الانسان ما هو آسف انها مشت فيها، يبدو انها مسألة الخواطر وطريق الخلاص من الكبت المسلط على الحياة من بدايتها، موضوع راح يأخذ جلسات عديدة.. زي ما قلنا ما بنبخل عليه بالزمن لانه انا بفتكر انه بيصعّد الاتجاه اللي بيكون بعدين موكد في السلوك الارادي، نحن لغاية الآن ما وصلنا السلوك الارادي، ولو انه ناس “يوسف” وبعض الاخوان ادونا منه صورة.. لكنه عايزين نبتدئ فيه.. يمكن نقطتنا الجاية راح تكون السلوك الارادي في مرحلة الكبت الارادي بعوامل ما هي عوامل الاعتبارات، القيم الواعية، زي السالك، لغاية ما يجيء مستوى المجتمع البكون فيه الانسان مكلف سالك، ودي يمكن يكون موضوعنا المقبل.. في كبت بإرادة الحرية، بعد ما قطعنا الكبت بارادة الحياة.. الكبت بارادة الحرية في عمر المجتمع البشري الورثناه مما بدأ آدم مثلا او الانسان الاولاني المكلف، اللي عرف الحلال والحرام لغاية ما جينا نحن في حياتنا القصيرة نشأنا على موروث من التراث البشري ومن الوراثة اللي في بنيتنا وفي تكويننا.. بنقيف هنا ونستأنف نقاشنا إن شاء الله في جلسة الاسبوع المقبل.