إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
ثورة رفاعة ١٩٤٦: التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين
خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة - ديسمبر ٢٠٠٢
يقول د. خالد المبارك : ".. وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال " .. ليس للاستاذ محمود موقف يحتاج لمراجعته، فموقفه كان واضحاً في حينه، ولايحتاج لمبررات بعد الاستقلال، وقد ذكرنا طرفاً منه اعلاه، وإنما انت، وبسبب الغرض من عشيت عيناك عنه .. وانت لم ترجع الي أي مرجع، في هذا الصدد قبل الاستقلال أو بعده ، والا فقد كنت تجد في كتاب : "معالم علي طريق تطور الفكرة الجمهورية" مثل هذا النص مثلاً "وبعد فأن عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ورغم سوء هذه العادة البالغ وذلك لسببين أولاً : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. مثل هذه العادات الحساسة المتأصلة في مجتمع مثل مجتمعنا، لايقتلعها القانون وحده، وماينبغي له ان يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائياً هو التربية والتوعية الشعبية" صفحة (52) – صدر الكتاب في مايو 1976م .. ان من يقول مثل هذا القول لايمكن ، في شرعة العقل السليم، أن يتهم بأنه يساند الخفاض .
أن الاستاذ محمود هو ضد الخفاض من حيث هو، لا الخفاض الفرعوني فقط .. وموقفه هذا معلن وواضح، وهو ماينسجم مع طبيعة دعوته بداهة .. فقد جاء في هذا الصدد من كتاب "الخفاض الفرعوني" الصادر في اكتوبر 1981م عنوان جانبي يقول : "الخفاض ليس سنة " !! ومما جاء تحت هذا العنوان "أصبح من الشائع بين الناس أن هناك نوع من الخفاض يسمي { خفاض السنة } وهذا خطأ شائع : فالاسلام عندما جاء في القرن السابع لم يسن الخفاض، وانما كانت ممارسة الخفاض سابقة لمجئ الاسلام بأمد بعيد، كما راينا عند حديث عن تاريخ الخفاض .. وفي حديث أحمد، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" ، وهذا حديث واضح في التدليل علي ان الخفاض ليس سنة، فالنبي الكريم لم يسمه سنة، وانما سماه مكرمة، في حين سمي الختان بالنسبة للرجال سنة .
والمكرمة في الختان أنما تجئ من حكم الوقت، الذي جعل الوصاية علي المرأة وما يتفرع عليها من تشاريع هي الوسيلة للصون والعفة .. فالختان حتي في المستوي المهذب منه هو تشريع مرحلي، وليس اصلاً في الاسلام، وإنما الاصل هو العفة التي تقوم في الصدور، صدور الرجال والنساء، وهذه ليس سبيلها الكبت وإنما سبيلها هو التربية" صفحة ( 46) .. وهذا قول لا يملك امثالك ان يقولوا به، رغم ماتدعي من تقدميه، لانك لا تملك السند الديني الذي يقوم عليه، ولا يمكن من غير سند ديني معالجة قضية الخفاض التي ارتبطت في ذهن الشعب بالدين .
ثورة لم يحركها قانون:
بقي امران، ليظهر مدي تجني د. خالد المبارك، ومجافاته التامة للحقيقة .. أولهما : ثورة رفاعة اساساً لم تتحرك لمقاومة قانون الخفاض الفرعوني، أو اي قانون أخر .. هي لم تحركها مقاومة قانون وأنما حركتها احداث .. اقتيدت امرأة الي السجن، هكذا بدأت الاحداث وتحرك الثوار وأطلقوا سراحها .. ثم أقتيدت مرة اخري في جنح الليل، بصورة لا تمت بصلة لعمل الحكومات، فاستفز ذلك الثوار فتحركوا لاطلاق سراحها، الي اخر سلسلة الاحداث المعروفة .. فالمحرك للثورة هو مقاومة الحدث، وليس مقاومة قانون فلم يكن الثوار مشغولين بالقانون بقدر أنشغالهم بسجن المرأة، كفعل خاطئ ومهين.. وقد يكون القانون صحيحاً – وهو هنا غير صحيح – ولكن تنفيذ القانون يجئ خاطئاً .. فحركة الجماهير كانت ضد الظلم، وضد الاذلال، وقد جاء في خطبة الاستاذ محمود بمسجد رفاعة، تلك الخطبة التي حركت الجماهير، قوله : "ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، ايها الناس وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصر عن الجهاد ، وهو قادر عليه البسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه .. ايها الناس : من راي منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأي منكم الذليل ولم ينصره، فلن ينصره الله علي عدو . الا ان منظر الظلم شنيع، الا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأي مظلوماً لاينصف من ظالمه، ومن رأي ذليلاً لاينتصر علي مذله، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الي النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر" .. هذا ما حرك الجمهور، الاهانة والذل والظلم، اين هذا من قولك الذي انتحلته!!
ثم ثانياً : ثورة رفاعة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب علي مختلف اعمارهم ، وانتماءاتهم الحزبيه والدينية، ومستوياتهم التعليميه والاجتماعية .. فهي ليست قاصرة علي الجمهوريين وحدهم .. فاذا كانت لك عداوة خاصة مع الجمهوريين، ماكان ينبغي ان تنداح فتشمل سكان رفاعة جميعهم، بل وتاريخ البلاد.
من الذين اشتركوا في الثورة مثلاً الشيخ الصديق الازهري والشيخ محمد لطفي عبد الله وقد اصيب بالرصاص البدري عبد الرحمن
أما قائمة الشرف من من حكم عليهم بالسجن فتضم : عباس المكي – عوض القريض – احمد الامين – محمد الياس – الزبير جاد الرب – عبد العال حسن – أحمد عثمان –حمد النيل هاشم – علي مالك – محمد الحاج علي – بابكر وقيع الله – عبد الله حامد الشيخ – حسن أحمودي – منصور رجب – عابدون عجيب – والصبي اسماعيل العشرابي الذي حكم عليه بالجلد، وهولآء جميعهم ليس من بينهم من الجمهورين سوي الاستاذ محمود محمد طه، اما بقية الجمهوريين الذين حكم عليهم بالسجن فقد كانوا بالخرطوم، وهم : عثمان عمر العتباني – سعد صالح عبد القادر – ذو النون جبارة .. فالثورة ضمت الختمي الي جانب الانصاري الي جانب التجاني والقادري، ومن لا طريقة له .. ومن ينتمي الي حزب الاشقاء الي جانب من ينتمي الي حزب الامة ..
وهؤلاء النفر الكريم، وغيرهم ممن اشتركوا في الثورة، ليسوا من العوام والرجعيين، كما تفضلت انت ووصفتهم، في معرض تحقيرهم، والزراية بهم !! فهم ابناء المدينة التي انتهت اليها ريادة التعليم في السودان منهم من هو رائد للتعليم ليس في مدينة رفاعة فحسب، وانما في السودان عموماً، فاذا جئت انت لتحقرهم، وتصفهم بالعوام، فان ذلك لا ينقص من قدرهم، وانما يعود عليك انت .
معذرة ايها الاباء الكرام الاحرار، فان لمثل صنيعكم تلد الامهات الرجال، فقد فديتم الوطن واعززتم الدين ، ونصرتم المستضعين، فلا يقدح في صنيعكم ارجاف المرجفين، وليس بالغريب ان يكون في الأسرة ابن عاق، فهو لم يصنع اكثر من انه عرض صورته علي مرآتكم الصافية، فظهر حجمه وبانت قامته .