إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الدعوة الوهابية قامت منذ البداية على محاربة ما اعتبره ابن عبدالوهاب شركا، وهذا الذي اعتبره شركاً، يتمثل في: بناء القباب، وزيارتها، وزيارة القبور، والتبرك بها، والتمائم، إلى آخر هذه الصور من النشاطات التي يقوم بها الصوفية، والشيعة.. وعمل الوهابية في هذا الجانب ـــ اذا استثنينا العمل في تبرير النظام السعودي ـــ هو النشاط الأساسي للجماعة، بل يكاد يكون نشاطهم الوحيد!! فالتوحيد، عند الوهابية، هو محاربة تلك الصور من النشاط الشيعي الصوفي، التي اعتبرها الوهابية شركاً.. فالتوحيد عندهم هو ترك البدع والشرك، المتمثل في تلك المظاهر، اعتماداً على الله.. ولكن من هو الله، في نظر الوهابية!؟ هذا ما سنراه بعد قليل..
نحب أن نقرر هنا، مسألة هامة جدا ًبالنسبة للوهابية، وهي أن الدعوة الوهابية دعوة سلبية تماماً!! بمعنى أنها تدعو لترك أشياء معينة في العقيدة، وفي الممارسة، وهي أشياء جانبية جداً، في حياة البشر اليوم.. أما من الجانب الإيجابي، فالوهابية، لا تدعو لأيِّ شيء!! هي لا تملك أيِّ رأي ـــ خطأ أو صوابا ـــ حول القضايا الأساسية، في السياسة والاقتصاد، والتربية والفن، والعلم والمعرفة..الخ.. فالوهابية دعوة للترك، وليس للعمل.. حتى موضوع التوحيد، هم لا يذكرون للناس، رأيهم في قضاياه الأساسية، بل كثير من الوهابية، لا يعرفون رأيها في هذه القضايا!!
الوهابية كدعوة دينية، تعتبر نفسها دعوة سلفية، وتعتمد اعتماداً تاماً، على فكر بن تيمية، ثم بن القيم، وبعض كتابات بن عبدالوهاب، وبعض كتابات أنصار الدعوة اللاحقين، التي هي ليست أكثر من تعبير عن فكر بن تيمية.. وفكر الوهابية، وشيخهم بن تيمية، فكر (ظاهراتي)، يقوم على الأخذ بظاهر النص القرآني، دون أيِّ تأويل.. فهم في أخذهم بالظاهر، لا يعتبرون حتى موضوع المجاز اللغوي.. وهذا الأخذ بالظاهر، جعلهم فيما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، من (المجسمة) فطبيعة الله عندهم طبيعة مادية، فيها، ذات الله، محددة، ومحدودة، بالزمان والمكان، حسب ما ورد ، في ظاهر النص!! عن ذلك تعالى الله علواً كبيراً..
ونحن هنا لكثرة المادة الواردة في هذا الموضوع، سنورد بعض النصوص، الواردة في المصادر المعتمدة عندهم، خصوصاً، بن تيمية، مع الإشارة إلى هذه المصادر..
نحن نشير إلى كتاب ابن تيمية(مجموع الفتاوى) بكلمة ( فتاوى) مع ذكر رغم المجلد والصفحة..
يقول بن تيمية: (إن محمداً رسول الله يجلسه ربه على العرش معه) فتاوى 4 ص 374.. وفي تبرير تجسيد الله، يذهب ابن تيمية إلى أنه كون الإله ذو جسم أو جسد، ليس مما يعيب، بدليل أن الله تعالى، لم يعب، على بني اسرائيل في اتخاذهم العجل، ان العجل له جسم أو جسد فهو يقول: " الوجه الثالث وهو أنه سبحانه قال ألم يروا انه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، فلم يذكر فيما عابه كونه ذا جسد، ولكن ذكر فيما عابه به أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، ولو كان مجرد كونه ذا بدن عيبا ونقصا لذكر ذلك، فعُلم أن الآية، تدل على نقض حجة من يحتج بها على أن كون الشيء ذا بدن عيبا ونقصاً.." 5/220
أما أبا يعلي، وهو من المعتمدين عند الوهابية، فيقول: (والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه) كتاب (طبقات الحنابلة) ـــ طبعة دار الكتب العلمية ط 1 سنة 1997م ص 32.. ويقول حافظ الحكمي (قال النبي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل إلى السماء الدنيا جلس على كرسيه، ثم مد ساعديه) من كتاب (معارج القبول) ـــ طبعة دار الكتب العلمية ـــ ط 1 ص 235 ..
ويقول محمد زينو (إن الله فوق العرش بذاته منفصلا عن خلقه) من كتابه (مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لاصلاح الفرد والمجتمع) طبعة دار الصُميعي بالرياض ص 21..
وفي كتاب عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي يقول الدارمي: (إن كرسيه وسع السموات والأرض، وأنه ليقعد عليه فلا يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وأن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله) طبعة دار الكتب العلمية ص 74.. ويقول من ص 85 (وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهاءه ضعفوا عن حمله، واستكانوا، وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته، ولو لا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة، ولا السموات والأرض، ولا من فيهن، ولو قد شاء ـــ يعني الله ـــ لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته، ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم)!!
وفي كتاب رد الدارمي المصدر السابق ذكره جاء قوله (كل شيء هالك إلا وجه نفسه الذي هو أحسن الوجوه، وأجمل الوجوه، وأنور الوجوه.. وأن الوجه منه غير اليدين، واليدين منه غير الوجه) ص 159..
يقول بن تيمية: (وجمهور المسلمين يقولون إن القرآن العربي كلام الله، وقد تكلم به بحرف وصوت) فتاوى 5 ص 556 ويقول العيثيمين، من كتابه (فتاوى العقيدة) طبعة مكتبة السنة ط1 1992م: (في هذا إثبات القول لله، وأنه بحرف وصوت، لأن أصل القول لا بد أن يكون بصوت، ولو كان قولاً بالنفس لقيده الله كما قال تعالى: " ويقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا الله" [المجادلة]، فإذا أطلق القول فلا بد أن يكون بصوت).. ويقول أبو يعلي: (وكلم الله موسى تكليماً من فيه ـــ يعني فمه ـــ وناوله التوراة من يده إلى يده) من كتاب (طبقات الحنابلة) ج 1 ص 32 ـ33 الصادر من مطبعة دار الكتب العلمية.. ويقول الدارمي من المصدر الذي سبق ذكره ص 75: (ولو قد قرأت القرآن وعقلت عن الله معناه، لعلمت يقيناً، أنه يدرك بحاسة بينة في الدنيا والآخرة، فقد أدرك موسى منه الصوت في الدنيا، والكلام هو أعظم الحواس)..
ويقول الدارمي ص26 من المصدر المذكور: (فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرمه وشرفه بها، وآثره على جميع عباده، إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد وخلق آدم بمسيس).. ويقول ص 35: (عن ميسرة إن الله لم يمس شيئاً من خلقه غير ثلاث: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده).. ويقول من ص 30 (فلما قال خلقت آدم بيدي، علمنا أن ذلك تأكيد ليديه، وأنه خلق بهما).. وفي (كتاب التوحيد) لابن خزيمة، يقول محمد خليل هرّاس المعلق على الكتاب: (فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة، فإن قالوا إن الباء هنا للسببية أي بسبب إرادته الإنعام، قلنا لهم بماذا قبض؟ فإن القبض محتاج إلى آلة، فلا مناص لهم لو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرح به الكتاب والسنة) ص 63.. ويقول من ص 64: ( هذه آية صريحة في إثبات اليد فإن الله يخبر فيها أن يده تكون فوق أيدي المبايعين لرسوله، ولا شك أن المبايعة إنما تكون باليد لا بالنعمة ولا بالقدرة).. ويقول العثيمين: (وعلى كل فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك وكل واحدة غير الأخرى).. ومن كتاب (فتاوى العقيدة)، يقول العثيمين: (إن الله يأتي إتياناً حقيقياً للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق) ص 112.. ويقول من ص 114: (فإن ظاهره ثبوت إتيان الله هرولة، وهذا الظاهر ليس ممتنعا عن الله، فيثبت لله حقيقة).. أما محمد خليل هرّاس فيقول من كتابه[شرح نونية ابن القيم] مانصه: (فهو صريح في فوقية الذات، لأنه ذكر أن العرش فوق السماوات، وهي فوقية حسية بالمكان، فتكون فوقية الله على العرش كذلك ولا يصح أبدا جعل الفوقية هنا على فوقية القهر والغلبة ) ص 249..
هذه بعض النصوص أوردها سامي قاسم امين في كتابه (الوهابية)، الذي نشرته مكتبة مدبولي، وهو لم يورد سوى ما ورد في المصادر التي نشرها الوهابية بأنفسهم من دور النشر التابعة لهم، في السعودية ومصر، أو التي يتعاملون معها في بيروت.. والنصوص جميعها من كتابات الثقاة من مفكري الوهابية، وعلى رأسهم، بن تيمية، مفكرهم الأساسي، ومن كتابه الأساسي (مجموع الفتاوى)، وابن خزيمة، ومحمد بن صالح العثيمين، والدرامي، وابي يعلي، ومحمد زينو، وحمد خليل هرّاس.. وبالطبع من غير الممكن أن تقوم دور النشر السعودية أو تلك التي يملكها الوهابية، خارج السعودية، بنشر شيء يخالف عقيدتهم..
الوهابية، في النصوص المنقولة أعلاه، يؤكدون تجسيد الذات، ويعتبرون ذلك من بدائه الأمور التي لا يقبل العقل غيرها، فعندهم، بداهة، القبض لا يكون إلا بيد، فلا معنى عندهم لتأويل اليد في حق الله تعالى، فنقول نعمة أو قدرة أو غيره، وقد أوردنا قولهم (ولا شك أن المبايعة تكون بالأيدي لا بالنعمة ولا بالقدرة) ويقولون (فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة) ويقولون (فبماذا قبض، فإن القبض محتاج إلى آلة فلا مناص لهم لو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرح به الكتاب والسنة) ولكن ما هو الفرق في هذه الأمور الحسية بين الذات الالهية والخلق!؟ فلننظر في قول ابن باز ـــ أحد أكبر علمائهم ـــ الذي أورده سامي قاسم ص104 ـــ 105، والذي جاء فيه وهو يرد على الصابوني، صاحب(صفوة التفسير) فجاء من أقوال بن باز: (ثم ذكر الصابوني ـــ هداه الله ـــ تنـزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصماخ واللسان والحنجرة وهذا ليس بمذهب أهل السنة، بل هو من أقوال أهل الكلام المذموم وتكلفهم، فإن أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبتون له إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في النصوص نفي هذه الأمور ولا إثباتها، فالواجب الكف عنها وعدم التعرض لها لا بنفي ولا بإثبات).. الواقع أن الإثبات، ورد في، النصوص، وهو موضوع الخلاف.. فالوهابية يؤكدون ظاهر النص وغيرهم يؤوِّلونه.. يقول ابن باز في موضع آخر، من نفس النص، مناقضاً نفسه: (أقول: إن الأخ الصابوني ـــ هداه الله ـــ قد جمع في هذا الكلام حقا وباطلا يعلمه كل صاحب سنة، فإليك أيها القارئ المؤمن التفصيل في ذلك: أما الوجه، واليدان والعينان والساق والأصابع فقد ثبت بالنصوص من الكتاب والسنة الصحيحة، وقال بها أهل السنة والجماعة، وأثبتوها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه.. وهكذا النـزول والهرولة جاءت بها الأحاديث الصحيحة، ونطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثبتها لربه عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه ولا يعلم كيفية هذه الصفات إلا هو سبحانه).. إذا فالصفات ثابتة، بالنص، وهذا أمر لا يمكن الاختلاف حوله، وإنما الاختلاف حول المعنى.. الوهابية يرون أنها تُؤكد كما يعطيها ظاهر النص دون أي تأويل، والصابوني، وبقية المسلمين، يرون أنه لا بد من التأويل، لأنه هو(ما يليق به سبحانه فهو غير مشابه لخلقه).. والوهابية، يرون أن تأويل ظاهر الصفات، هو إنكار لها!! ويعتبرون ذلك، إنكاراً على النبي، وإنكارا على الله، لأنها وردت بنصوص القرآن والسنة.. يقول ابن باز: "فإنكار الصابوني هذه الصفات إنكاراً على النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنكاراً على الله عز وجل، لأنه سبحانه ذكر بعضها في كتابه العزيز وأوحى البعض الآخر لنبيه)!! بمثل هذا الالتواء، يكفِّر الوهابية جميع المسلمين!! الاختلاف ليس في ورود الصفات، أو عدم ورودها، وإنما الاختلاف في معانيها، هل هي صفات حسِّية؟ كما يزعم الوهابية، ويصرون على زعمهم أم الجانب الحسي فيها يحتاج إلى تأويل، ليستقيم مع (الوجه الذي يليق به سبحانه)!؟
إن عبارات مثل(الوجه الللائق به سبحانه) (وغير مشابهة لخلقه)، عند الوهابية، عبارات لا معنى لها، فهم كما رأينا من النصوص، يثبتون الصفات المادية، بصورتها المادية، حسب ظاهر النص، ويوكِّدون ذلك توكيداً شديداً، ويعتبرون من يخرج عنه خرج من الدين.. فالاختلاف بين الله تعالى، وخلقه بالنسبة للصفات الحسية عندهم، اختلاف قائم، ولكن يقع في إطار الطبيعة المادية.. فالله تعالى عندهم، فوق العرش حسِّياً (إن الله تعالى فوق العرش بذاته، منفصل عن خلقه).. وهو تعالى عندهم له يد يحسُّ بها (خلق آدم بمسيس).. واليد، والوجه، والعينين وكذلك الحس، والسمع، والنظر، والحركة، كلها، عندهم أمور حسية، كما هو ظاهر من النصوص التي أوردنا بعضها.. فلا مجال، للاختلاف بين الله تعالى، وخلقه، حسب تصورهم هذا، إلا أن يكون اختلافاً في إطار نفس الشيء.. وأسوأ من ذلك الوهابية، يرون أن ظاهر النص يحكم المعنى ويحدده، دون الحاجة إلى أيِّ تأويل، وهذا في نظرهم في إطار ما يليق به تعالى!! وأهل التأويل، يرون أن ما يليق به تعالى، وبكماله، تجاوز ظاهر النص، ومحدوديته، إلى ما وراء ظاهر النص، فالتوحيد هو الذي يحكم النص، ويعطيه دلالته، لا العكس، كما هو الحال عند الوهابية.. فإذا قال تعالى(جاء ربك) فالاختلاف بينه تعالى وبين خلقه، ليس في صفة المجيء، حتى نقول المجيء يتم، ولكن بصفة، تختلف عن مجيء الخلق، وإنما الاختلاف في طبيعة المجيء.. فالمجيء، حسب ظاهر اللغة، لا يكون إلا لغائب، والله تعالى في ذاته، ليس بغائبٍ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً..
إن مشكلة الوهابية كلها، مردها، إلى مبدئهم الأساسي، الذي يقوم على الأخذ بظاهر النص بحرفية، دون تأويله.. فهذا المبدأ يلغي الفكر، إذ يجعل المعاني جاهزة، ولا تحتاج إلى أيِّ إعمال فكر، ويجعل ظاهر النص هو الذي يحكم المعنى، ويحدده، دون أيِّ فرصة للتسامي في إدراك المعاني، وكل ذلك مما يحجر الفكر، ويجعلهم عبدة نصوص..
وعلى كلٍّ، التأويل، وارد في ظاهر النص، من كتاب وسنة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا لابن عباس بقوله: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".. وجاء في القرآن الكريم، قوله تعالى: "هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل، قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".. فالوهابية من"الذين نسوه من قبل" وممن "خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".. هم ممن يفترون على الله!!
الوهابية، أمام هذه الآية، إما أن يقبلوها على ظاهرها، كما هي دعوتهم، فيقبلوا بذلك مبدأ التأويل، فيهدموا مذهبهم كله.. أو يؤوِّلوها، فيهدموا أيضاً مذهبهم كله..
إن تصور الوهابية للألوهيَّة، يقع دون قامة أطفال العصر بكثير!! ومع ذلك يخاطبون العصر الذي هم خارجه!! وقد جعلهم الاعتماد على الأخذ بظاهر النص، ينكرون أمورا هي من بديهيات، حقائق العصر، ويدركها حتى الأطفال، من ذلك مثلاً إنكار بن باز دوران الأرض حول الشمس، وتكفير من يقول به!! وقد جاء من أقواله، في كتابه: (الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب، وعلى جريان الشمس وسكون الأرض) المطبوع بمطبعة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنة 1395هـ، جاء ما نصه: (أما بعد، فلقد شاع بين كثير من الكتاب والمؤلفين والمدرسين في هذا العصر، أن الأرض تدور والشمس ثابتة، وراج هذا على كثير من الناس، وكثر السؤال عنه، فرأيت أن من الواجب أن اكتب في هذا كلمة موجزة ترشد القارئ إلى أدلة بطلان هذا القول، ومعرفة الحق في هذه المسألة).. إلى أن يقول: (فمن زعم خلاف ذلك، وقال إن الشمس ثابتة لا جارية، فقد كذب، وكذّب كتابه الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد.. ومن قال هذا القول فقد قال كفراً وضلالاً، لأنه تكذيب لله، وتكذيب للقرآن، وتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام قد صرح بالأحاديث الصحيحة، أن الشمس جارية، وأنها اذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها، تحت العرش، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وكل من كذب الله سبحانه، أو كذب كتابه الكريم أو كذب رسوله الأميِّ عليه الصلاة والسلام فهو كافر، ضال، مضل، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، مرتداً، ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين كما نص على هذا أهل العلم) يمكن الرجوع للنص والكتاب في الموقع binbaz.org.sa ..
هذا النص بكل ما فيه من جهالة جهلاء، هو ينسجم تماما مع فكر الوهابية، فطالما أن المبدأ الأساسي، هو الأخذ بحرفية النص، فكل وهابي ملزم بأن يرى ما رأى بن باز، لأنه يقوم على المبدأ الأساسي للوهابية..
وبالطبع القضية من أساسها مطروحة، طرحا خاطئاً، فمن يقولون أن الأرض تدور حول الشمس، لا ينفون حركة الشمس، ولا يرون دوران الأرض حولها يقتضي ثباتها، بل لا يرون أي شيء ثابت في الكون الحادث.. هذه أمور قامت بذهن ابن مباز، لجهله الفاضح، بأوليات علم الفلك.. ومثل هذه القضايا العلمية، التي تتناقض، مع فهم بن باز الذي يقوم على ظاهر النصوص، أكثر بكثير مما يخطر بذهن بن باز، وجميع أهل الأرض، تقريبا، يؤمنون على الأقل بعدد منها، بالطبع ما عدا بن باز وجماعته.. وعلى ذلك جميع أهل الأرض في نظر بن باز وجماعته، كفارا كفرا مركبا، ومتعددا، بحسب عدد القضايا التي يؤمنون بها، فتكفرهم، وفق منهج بن باز وجماعته!!
التكفير، وسلب الأموال، والقتل، عند بن باز وجماعته قاصر على المسلمين فقط.. أما غير المسلمين، وهم كفار أصلا، بالإضافة إلى أنهم يعتنقون نفس الأفكار التي يكفر بها بن باز المسلمين، فهؤلاء لا يتجرأ بن باز وجماعته أن يتعرضوا لهم بكلمة، ولا حتى أن ينصحوا حكومتهم أن توقف استغلالهم لها وللمسلمين!!
وكلام بن باز يثير العديد من الأسئلة: طالما أن الجري مثل القبض لا يتم إلا بآلة، فما هي آلة الشمس في جريها، هل هي أرجل أم عجلات!؟ وماهي هيئة سجود الشمس!؟ وكيف تسجد الشمس بين يدي ربها تحت العرش، وهو فوق العرش!؟.. إن الخطاب النبوي يقوم على الحكمة الواردة في قول المعصوم: "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم"..
لا أعتقد أننا في حاجة للحديث عن الصفات المعنوية، فمبدأ الوهابية، في التعامل معها، هو نفس المبدأ: الأخذ بحرفية ظاهر النص.. فالله تعالى عندهم: يمكر، ويخدع، ويمل ...الخ، وفق المعنى الذي يعطيه ظاهر الكلمات!! عن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.. كل الاختلاف، عندهم، أن هذه الصفات المذمومة، هي في حقه تعالى محمودة.. يقول العثيمين، مثلا: (لا يوصف الله بالمكر إلا مقيدا، فإن قيل كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره مذموم، قيل أن المكر في محله محمود) من كتاب (فتاوى العقيدة) طبعة مكتبة السنة ص 50.. فهم لا يقبلون أن تأول صفة المكر، في حق الله، لتصبح دلالتها محمودة، وإنما يصرون على أن يكون نفس المكر الذي يعطيه ظاهر النص، ويقولون إنه محمود!!
إن المفارقات لأمر التوحيد عند الوهابية، كثيرة جداً، ولكن ما تقدم يكفي، فهو يعطي تصوراً لغيره..
الوهابية يزعمون أنهم أنصار السنة فما موقفهم من السنة، وبالذات من صاحب السنة، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. هل هو أفضل من موقفهم من التوحيد!؟ سنرى أنه أسوأ بكثير!!