إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الوهابية

خالد الحاج عبد المحمود


الموقف من النبي الكريم


على التوحيد يقوم أساس الدين كله، فأي خلل في هذا الأساس تتصدع له جميع أركان الدين.. والعقيدة الوهابية، تقوم على فساد حقيقي في التوحيد، أدَّى إلى فساد حقيقي في عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم.. وفساد العقيدة الوهابية، مردُّه كله، إلى الأساس الذي تقوم عليه دعوتهم، وهو التمسك بحرفية النص.. وهم لشدة تمسكهم، بهذا المبدأ الفاسد، يعمون عن حقيقة أمرهم، ويتهمون من يقول بخلاف قولهم، بفساد العقيدة.. وحجتهم في ذلك، أن الصفات الإلهية وردت في القرآن، فمن يأوِّلها إنما يحرِّف دلالتها!! فلنستمع إلى كاتبهم د. صالح بن فوزان، من كتابه (عقيدة التوحيد)، كيف يجادل في هذا الأمر.. والكتاب من المصادر الهامة التي تستخدمها الجماعة في نشر دعوتها، ويقول عنه، صاحبه، في المقدمة:(هذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وشيخ الإسلام محمد بن سليمان، وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة) فهو يشير إلى الصفات، والنصوص المتعلقة بها، فيقول: (فقد أخبرنا سبحانه أن له وجها.. وأن له يدين.. وأنه يرضى ويحب ويغضب ويسخط إلى غير ذلك مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم) ص 6 .. ثم يذهب ليقول عن مذهب أهل السنة والجماعة: (إنهم يثبتون أسماء الله وصفاته، كما وردت في الكتاب والسنة، على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولايأوِّلونها عن ظاهرها، ولا يحرِّفون ألفاظها ودلالاتها عن مواضعها)!! ص 63.. وهو يعتبر من لا يرى رأيهم الباطل هذا ممن ينكر الأسماء والصفات!! وهو يزعم أنه يرد عليهم من عدة وجوه، فيقول: (الوجه الأول: إن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه الأسماء والصفات، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم فنفيها عن الله أو نفي بعضها، نفي لما أثبته الله ورسوله، وهذه محادَّة لله ولرسوله) ص 66.. فهو يعتبر تأويل الصفات، وتفسيرها على الوجه الذي يليق بالله تعالى نفي لها، ومحادَّة لله!! ويقول في الوجه الثاني: (إنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من يسمي بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء، المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله سبحانه أسماءً وصفاتاً تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهم، فكما أن لله تعالى ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماء وصفات المخلوقين، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لا يوجب الاشتراك في الحقيقة، وقد سمى نفسه عليماً، حليماً، وسمى بعض عباده عليما)!! ص 66 .. إن هذا النص كله، يناقض أساسيات التوحيد، ويقوم، على جهل فاضح.. وأخطر ما فيه أنه يجعل للمخلوقات ذوات، بإزاء ذات الله!! (إن لله سبحانه وتعالى ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين)!! إن هذا القول الفاسد، يجعل في الوجود ذواتا متعددة ـــ ذات الله ـــ وذوات المخلوقات!! وهذا قمَّة الشرك.. وما عليه التوحيد، أن المخلوقات، ليست لها ذوات بإزاء الذات الإلهية، فالمخلوقات من حيث ذواتها عدم، لا تستطيع أن تقوم بذاتها ولو للحظة، وهذا هو معنى الاسم(القيوم) – أي الذي تقوم به الأشياء..
فالمخلوقات ليست موجودة مع الله، حتى تكون لها ذوات إزاء ذاته، وإنما هي موجودة به.. وليست معه!! هذا القول الفاسد يجعل الحقيقة في الوجود متعددة، وهذا منتهى البطلان.. فالحقيقة، في الوجود واحدة هي: ذات الله، وكل ما عداها ومن عداها، هو مظهر لإرادة الذات الالهية، وليس له وجودا ذاتياً مستقلاً عنها.. وهذا هو معنى افتقار المخلوقات، فهي من حيث وجودها واستمرارية وجودها تفتقر إليه تعالى، بصورة مطلقة، فلا تستطيع أن تقوم بذاتها ولو للحظة حتى يكون لها ذات مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!! ومن هذه الجهالة، تنبع كل الجهالات الأخرى.. فهو يقول من النص أعلاه: (فإن لله سبحانه أسماء وصفات تخصه وللمخلوقات أسماء وصفات تخصهم)!! ثم يمضي فيقول: (وكذلك وصف نفسه بصفات، ووصف عباده بنظير تلك الصفات، مثل قوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه)، فوصف نفسه بالعلم، ووصف عباده بالعلم فقال: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا..) ص66.. لاحظ كلمة (نظير)!! إن من أوَّليات التوحيد أن علم الخلق ليس (نظير) علم الله، بل وليس له وجود بإزاء علم الله، وإنما هو منه!! العلم واحد، هو علم الله، يُعلّم منه، من خلقه، ما يشاء!! ولا يوجد، ولا يمكن أن يوجد، علم بخلاف علم الله، الذي لا علم غيره!! وإن معنى النصوص التي أوردها بنفسه، مثل: (ولا يحيطون بشيء من علمه)، فالعلم منسوب اليه تعالى، فالإحاطة بشيء منه تمتنع، إلا إذا شاء الله، (إلا بما شاء) وهذا معنى الآية الآخرى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، فنحن لا نعلم من عندنا، وإنما نعطي العلم (وما أوتيتم).. إن الكلمات مثل:ـ سبحانه، وتنـزه، وعدم المماثلة، عند الوهابية، مجرد كلمات، أقوالهم تناقضها بصورة جلية..
إن الذين يأوِّلون الأسماء والصفات، لا ينفونها، كما يزعم الوهابية، وإنما يؤكدونها، ويفسرونها بالصورة التي تستقيم مع كمال الله.. وهذا هو معنى التأويل ومقتضاه.. هم ينفون المعنى الذي يقوم على الظاهر، الذي يؤكده الوهابية.. فالقول بأنهم ينفون ما أثبته الله، هو اتِّهام بالباطل، وتحريف للقول..
يقول صاحب الكتاب: (إن من يأوِّلون الأسماء والصفات، يفعلون ذلك للشبهة التي بنوا عليها جميع مذاهبهم وهي: الفرار من مشابهة الله لخلقه، بزعمهم)!! وهو يقول إنهم التزموا حيال ذلك أحد أمرين:
1. إما تأويل نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة..
2. وإما تفويض معاني هذه النصوص إلى الله، ويقولون الله أعلم بمراده منها، مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها.. ص 65
ثم يذهب ليلحقهم بالكفار الذين قال الله فيهم: "وهم يكفرون بالرحمن"!!.. ويذهب ليرد على هؤلاء المأوِّلين الذين نسبهم لسلفهم من الكفار، فيقول: (إن إثبات الصفات كمال ونفيها نقص..).. وهذا لا علاقة له بالموضوع، فالاختلاف ليس حول الإثبات والنفي، وإنما حول الأخذ بالظاهر أم تأويله.. ثم يقول: ( إن تأويل الصفات عن ظاهرها، لا دليل عليه، فهو باطل.. وتفويض معناها يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم معناه، مع أنه أمرنا أن ندعوه بأسمائه، فكيف ندعوه بما لا نفهم معناه؟) واضح جدا التهافت في الحجج فالتأويل لا (يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم) وإنما العكس هو الصحيح، فالتأويل هو الفهم عن الله برد الأمور إليه، والأخذ بالظاهر هو تغييب للفهم، ورفض مبدئي له..
والغريب أن صاحب الكتاب، يأوِّل سجود الكائنات بالخضوع، فيقول: (وسجود الكائنات المقصود به الخضوع) ص 26، ويرفض أن تُأوَّل اليد بالنسبة لله تعالى، فيقال مثلا، المقصود بها قدرته!! ويعتبر من يقول مثل هذا القول هو ممن يحاد الله، ويحرف الكلم، ويسير على نهج سلفه من الكفار!!
والوهابية، كما رأينا، من أقوال صاحب الكتاب، في النقطة (2) يرفضون مجرد تفويض العلم لله، بالنسبة للأسماء والصفات، ويفترضون أن هذا يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم.. وهذا يعني أنهم يعتبرون فهمهم السقيم هو الفهم الوحيد، والواضح، بالصورة، التي لا يحتاج معها تفويض العلم لله.. وقولهم هذا، يعني عندهم، أن كون الله أنزل إلينا، ما نفهم، يعنى أننا نستطيع فهمه ابتداءً، ولا نحتاج أن نفوض فهم شيء منه إلى الله!!
أجدني قد أطلت في هذا الموضوع، لأنه شيء أساسي جدا، بالنسبة لدعوة الوهابية، وخلاصة ما أريد قوله هو: بالنسبة للأسماء والصفات، وبالنسبة للقرآن عموما، إما أن نأخذ بظاهر النص أو بالتأويل.. والأخذ بظاهر النص، وبصورة حرفية، هو ما تقوم عليه دعوة الوهابية جميعها فهو أساس هذه الدعوة، فإذا صح صحت الدعوة، وإذا بطل بطلت.. وهو، كما أرى، شديد البطلان، وبطلانه أمر يلحق بالبداهة.. فالظاهر، أي ظاهر، هو بالضرورة محدود ومتعدد.. وهذا هو معنى الظهور.. وأي قول للوهابية، عن كمال الله، وتنزيهه، طالما أنه مرتبط بتصورهم الأساسي عن الظاهر، هو قول باطل، شديد البطلان، لأنه مقيد بالظاهر والله تعالى، من حيث ذاته، تعالى عن كل قيد..
واذا انتقلنا إلى الحديث عن موقف الوهابية من النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن فساد عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقل عن فساد عقيدتهم في الله تعالى، فالأصل الذي تقوم عليه عقيدتهم واحد، هو حرفية الأخذ بالظاهر.. وبفساد التوحيد، يفسد كل شيء، في الدين، كما سبق أن ذكرنا..
في كتاب (عقيدة التوحيد)، المذكور أعلاه، يجيء قولهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الشهادة له بهاتين الصفتين: نفي الافراط والتفريط في حقه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا ممن يدَّعي أنه من أمته، أفرط في حقه، وغلا فيه، حتى رفعه فوق مرتبة العبودية إلى مرتبة العبادة من دون الله، فاستعان به من دون الله، وطلب منه ما لا يقدر عليه من قضاء الحاجات وتفريج الكربات!؟) أرجو ملاحظة أنهم دائما يضيفون من عندهم، عبارة (من دون الله) لتجريم الآخرين بالباطل.. وعبارة (وطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله) تفيد بأنهم يعتقدون، أن هنالك أشياء يقدر عليه الخلق، وأشياء لا يقدر عليها إلا الله!! وهذا هو الشرك الحقيقي، والذين يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم، يعلمون ابتداء، وهو من أوَّليات الإيمان، أنه (لا حول، ولا قوة، إلا بالله..) وأنه، لا فاعل في الحقيقة، لكبير الأشياء، ولا لصغيرها، إلا الله، وهذا هو معنى الألوهية الحقيقي.. فهم، لشركهم، يتوهمون أن هنالك شيء يقدر عليها الإنسان، من ذاته، وأشياء لا يقدر عليها إلا الله.. إن ما يقوله الوهابية عن غيرهم، من الشرك، ينطبق عليهم هم بالذات.. ويقول من نفس المصدر أيضا: (من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فإنه يُكفَّر إجماعاً) ص47.. وهنالك ملاحظة أخرى، وهي أنهم دائما، ينسبون آراءهم، التي يخالفون فيها بقية المسلمين إلى اجماع المسلمين!؟ المهم أن قضية (الوسائط) هذه، أو قضية التوسل، من أهم وأشهر قضايا الوهابية، ومذهبهم.. والتوسل عندهم على نوعين: توسل مشروع، وتوسل غير مشروع.. أما التوسل المشروع، فهو: التوسل إلى الله بإظهار الضعف، والتوسل بدعاء الصالحين الأحياء، والتوسل بالاعتراف بالذنب، والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، والتوسل إلى الله بالإيمان والأعمال الصالحة.. المصدر السابق ص 142.. أما التوسل الذي لا يجوز فهو: طلب الدعاء من الأموات (لأن الميت لا يقدر على الدعاء كما كان يقدر عليه في الحياة).. ومن التوسل غير المشروع عندهم، التوسل بجاه النبي، يقول المصدر السابق: (والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره لا يجوز) ص 143.. ويذكر المصدر الحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عظيم) ويقول حديث مكذوب، ويستدل على ذلك، بشيخه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 1ـ 318 ـ319.. ويواصل المصدر ليقول: (والتوسل بحق المخلوق لا يجوز) ص 144.. وهنا لم يقيد المخلوق بأنه حي أو ميت!! ويواصل فيضيف، لأنواع التوسل غير المشروع: ( الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق، فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة والاستعانة بالأموات والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله، من شفاء المرضى، وتفريج الكربات، ودفع الضرر، فهذا النوع غير جائز وهو شرك أكبر) ص 146.. وهو يقول عن الشرك الأكبر: (يخرج صاحبه من الملة، ويخلد صاحبه في النار، إذا مات ولم يتب منه) ص 77.. فالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، عندهم شرك أكبر (يخرج صاحبه من الملة ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب عنه)!! هذا، وفي نفس الوقت قتل المؤمن، عندهم، كفر أصغر لا يخرج صاحبه من الملة، ويورد المصدر، الحديث النبوي: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والحديث الآخر (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) ولكنه يصنف القتال، والقتل هنا ضمن الشرك الأصغر، مع الحلف بغير الله!!راجع ص 82 ـ 83..
في الواقع الوهابية، يرفضون التوسل بالنبي في حياته وليس فقط، بعد انتقاله، إلى الرفيق الأعلى، فها هو شيخهم الأكبر يقول مثلا: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".. ولم يقل سلني، ولا استعن بي.. وقد قال تعالى: "فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب")..المنهاج 4/243-244.. وقد أورد كتاب تاريخ المذاهب الفقهية ص 458 أن ابن تيمية (نـهى أن يستغاث إلا بالله فلا يستغاث بأحد من عباده ولو كان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم).
إن موقف الوهابية من النبي الكريم، كله يقوم على سوء الأدب مع الجناب النبوي، وهو سوء أدب في بعض الحالات، يتردد الانسان من مجرد نقله، حتى من أجل الرد عليه، ومن ذلك ما أورده أحمد بن زيني دحلان عن ابن عبدالوهاب وتلاميذه بقوله: ( كان ينعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا بعبارات مختلفة، ويقول أن قصده المحافظة على التوحيد ومنها أنه يقول: إنه "طارش"، وهو في لغة المشرق بمعنى الشخص المرسل من قوم إلى آخرين، ومراده أنه صلى الله عليه وآله وسلم حامل كتب، أي غاية أمره أنه كالطارش الذي يرسله الأمير أو غيره في أمر للناس ليبلغهم إياه ثم ينصرف!! حتى إن بعض أتباعه كان يقول عصاي هذه خير من محمد لأنها ينتفع بها في قتل الحيَّة ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع أصلا، وإنما هو طارش وقد مضى) كتاب (الدرر السنية في الرد على الوهابية) ص 145.. إن مثل سوء الأدب هذا في حق الجناب النبوي، عند الوهابية كثير جداً ومتكرر، وعندنا في السودان، سمعنا روايات كثيرة عن الوهابية، في هذا الصدد، ونفس عبارة العصى أوردها د. محمود السيد صبيح، في كتابه (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته).. وصور سوء أدب الوهابية مع الجناب النبوي، عديدة ومتنوعة، منها أنهم ينهون عن عبارة (سيدي) في حق النبي الكريم، وينهون عن زيارته، ويعتبرونها بدعة، وقد أورد أحد دعاة الوهابية وهو محمد ناصر الدين الألباني، في كتابه(مناسك الحج والعمرة) العديد من النقاط لما أسماه (بدع الزيارة في المدينة المنورة).. وهي تزيد على العشرين نقطة!! منها التوسل به صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه.. راجع سامي قاسم أمين كتاب (الوهابية) ص 23 ـ 26.. وبالطبع معروف عن الوهابية، أنهم يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، من البدع والضلالات!!

إن الذين يتوسلون بالنبي الكريم، وحتى بمن هم دونه من الصالحين، يجدون بركة ذلك بصورة جلية، لا يشكون فيها، والتجارب في هذا المجال لا حصر لها، ولكن الوهابية بسبب من حرمانهم، ينكرون عليهم ما يجدونه، ويدفعهم الغلو، إلى المبلغة في الإنكار، وقد وصل الغلو بابن تيمية أن ينكر الرؤية النبوية، ويصف صاحبها بنقص الإيمان!! فقد حدث هذا في تعليقه، على حكاية العتبي، والحكاية يرويها العتبي بقوله: (كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم، جاءوك، فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما"، وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك ربي، ثم أنشأ يقول:

يا من دفنت بالبقاع أعظـمه فطاب من طيبها القاع والأكم
الفداء لقبر أنت ساكـــنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم، فقال: "يا عنتبى اِلحق الأعرابي فبشره، أن الله قد غفر له..
عن هذه الحكاية، جاء قول بن تيمية، من كتابه (قاعدة في المحبة) 1ـ 191ـ192 ما نصه: (وأما ما ذكره بعض الفقهاء عن حكاية النبي عن الأعرابي الذي أتى قبر النبي وقال: ياخير البرية إن الله يقول: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم، جاءوك، فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما".. وأنني جئت، وأنه رأى النبي في المنام، وأمره أن يبشِّر الأعرابي فهذه الحكاية ونحوها، مما يذكر في قبر النبي، أو غيره من قبور الصالحين فيقع مثلها لمن في إيمانه ضعف وهو جاهل بقدر الرسول، وبما أرسل به..)!! هكذا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، عند بن تيمية تقع لمن في إيمانه ضعف وهو جاهل بقدر الرسول!؟..
والعنتبي، هذا الذي يتطاول عليه ابن تيمية، بهذه الصورة السمجة، هو من شيوخ الإمام الشافعي..
وابن عبدالوهاب، ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان ويعتبر ذلك يدخل في الآذان ما ليس منه!! هذا مع إن الصلاة على النبي تكون بعد نهاية الآذان.. وحسب رواية أحمد زيني زحلان، وصل الأمر بابن عبدالوهاب أن قتل من يخالفه، في هذا الأمر!! يقول دحلان في رواية عن بن عبدالوهاب (أنه قتل رجلا أعمى كان مؤذنا صالحا ذا صوت حسن، نهاه عن الصلاة على النبي وآله وسلم في المنارة بعد الآذان، فلم ينته، وأتى بالصلاة على النبي وآله وسلم، فأمر بقتله، فقتل، ثم قال: (إن الربابة في بيت الخاطئة الزانية أقل إثما ممن ينادي بالصلاة على النبي في المنابر..))!! كتاب (عنوان المجد) 1ـ 15..
إن الوجوه لمحاولة الوهابية، التقليل من شأن النبي صلى الله عيه وسلم، عديدة، ومتنوعة، ونحن لسنا في حاجة لمتابعتها، فما ذكرناه كاف جدا لبيان فساد عقيدتهم، وسوء أدبهم مع الجناب النبوي.. ومما لا شك فيه، عندنا، أن سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، يحبط العمل.. وسنرى ذلك.. ومع هذا الفساد في العقيدة، وسوء الأدب، فإن أيِّ كلام للوهابية، عن اتِّباع النبي، ومحبته، هو مجرد خداع لأنفسهم، ولغيرهم..
وبالطبع للوهابية، العديد من المواقف، والآراء في محاربة الأولياء والصالحين، والتجني عليهم، وهذا ما اشتهروا به طوال تاريخهم، وما يقوم عليه، جل العمل في دعوتهم، ونحن لا نحتاج لمتابعة آراءهم ومواقفهم في هذا الصدد، فمن يكون سيء الأدب مع سيد الأنبياء والمرسلين، فطبيعي أن يكون موقفه كذلك، مع من هم دونه، من السائرين على نهجه..