الصلاة وسيلة التغيير
إن فضل الصلاة المجودة لفضل عظيم، على الفرد وعلى المجتمع، فهي أداة التغيير الحقيقي لكليهما.. فهي تغير داخلية الفرد، وتقوم سلوكه، فتجعل سريرته، وسيرته عامرتين بالخير، ولا خير في أحد لم ينطو باطنه على الخير، ولم يتسم ظاهره بالاستقامة.. ولقد كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة)..
والسبيل لكل خير هو الصلاة، فهي بما تصفي النفس، وبما تكسبها من الأنوار عقب كل وقت من أوقاتها، أصبحت الوسيلة الواسلة للرضا وللسعادة.. ولقد قال عنها القران: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار.. لعلك ترضى!!).. فالرضا هو الغاية من الصلاة.. فمن لم يكن عقب صلاته أكثر رضا بالله منه قبلها، ومن لم يترجم رضاه بالله حسن معاملة للناس، ومسالمة لهم، فليست له صلاة.. ذلك بان الله غني عن عبادتنا وانما المحتاج اليها نحن وذلك بما تعود به علينا من سعادة وراحة بال، والمحتاج اليها أيضا الناس، والأحياء والاشياء من حولنا، بأن نكف اذانا عنهم وان نتحمل اذاهم، وان نوصل الخير إليهم..
وفى حديث النبي نجد تأكيد أن الصلاة هي أنجع وسيلة لتغيير الفرد، ولتخليصه من نقائصه.. فقد قال: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقولون ذلك يبقى من درنه؟؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئا.. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا!)..
الصلاة قرة عين، ما هي؟؟
إن صلاتنا يجب أن تحاكي صلاة النبي في ظاهرها، وفي باطنها، جهد الطاقة وإنما بذلك أمرنا بقوله حين قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).. وما جاء خراب صلاة المسلمين اليوم إلا لأنهم قد حاكوا صلاة النبي في ظاهرها واهملوا محاكاة باطنها.. فهم قد يتقنون هيئة الصلاة، ولكنهم يفتقدون الحضور فيها.. فإن أحدهم اليوم عندما يكبر تكبيرة الإحرام يصير قلبه نهبا للخواطر والأفكار فيما اعتاده من حياته اليومية، فتارة يجول بفكره في الماضي وتارة يجول في المستقبل..
ماذا فعل قبل أن يقف في صلاته هذه؟؟ وماذا سيفعل بعد أن ينصرف منها؟؟ وليس لوجود الله الذي كبره بلسانه، حظ في قلبه، حتى إذا ما انتهى إلى حضرة السلام كان قلبه أكثر ظلاما منه قبل أن يدخل في صلاته لأنه وقف بين يدي الكبير المتعال ثم لم يتأدب معه اذ لم يحضر في صلاته، وكانت الدنيا أكبر همه، في حين أنه لو وقف بين يدي موظف له حاجة لديه، مثل ضابط المجلس البلدي مثلا لما زاغ بصره عنه، ولو قد فعل لاستاء منه الضابط، وربما طرده من عنده.
فهذه هي صلاة المسلمين اليوم، فأين هي من صلاة النبي التي كان يجد فيها راحته حيث كان يقول: (أرحنا بها يا بلال).. وكان يفزع اليها كلما حزبه أمر، كما روت السيدة عائشة وهي تخبر عنه..
لقد كانت صلاته، صلى الله عليه وسلم، قرة عين له، وبذلك أخبر.. إذا قال (حبب إلى من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة..)..
وما جعلت الصلاة له هكذا إلا لأنه كان يحسنها، وكان لا يدع شيئا ينقص من حضوره فيها.. فهو يحرص عندما يقول (الله أكبر) أن يكون قلبه مفرغا تماما لله فلا يشغله عنه شاغل، حتى لقد أثر عنه انه وقف مرة للصلاة، ورفع يديه لتكبيرة الاحرام، ثم ترك التكبيرة، وهرول إلى الحجرة، والناس وقوف مشدوهون مما فعل.. ثم عاد وقال لهم (لعلكم راعكم ما فعلت؟؟ قالوا بلى!! يا رسول الله!! قال: إني تذكرت أن في بيت آل محمد درهما فخشيت أن القى الله وأنا كانز!!)