إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

صلوا!! فإنكم اليوم لاتصلون

صلاة الليل


إن الصلوات الخمس قد كانت في حق الامة هي الحد الادنى... ولكن من اجل بعث الإسلام فإن إحياء السنة لا معدى عنه الان، وعلى رأس ذلك (صلاة الليل) كما كان يصليها النبي الكريم، فهي تتوج عمل العابد المجود إذ بها يسهل، في هدأة الليل وفي صفوه الدخول على النفس وغمر سراديبها بالأنوار...
وفي حق صلاة الليل قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) وقال تعالى عنها ايضا، (ان ناشئة الليل هي اشد وطئاً وأقوم قيلا).. وهي أفضل ما تكون من الثلث الاخير من الليل وهي ليست بأي حال من الاحوال كما يؤديها المسلمون اليوم في اول الليل وفي رمضان وحده وبعضهم قد يبلغ بعدد ركعاتها العشرين ويسمونها التراويح وذلك من مظاهر مفارقتهم للسنة.. قالت السيدة عائشة عندما سئلت عن صلاة النبي (كان ينام أوله ويقوم اخره فيصلي) وقالت ايضا (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد لا في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة) هذا هو نهج السنة الذي ينبغي علينا أن نلزمه بالصدق والوعي والمحبة..
إن صلاة الليل فرض في حق النبي.. فهو قد كان يقضيها في النهار إذا فاتته ولكنها في حق الامة قد كانت ندبا.. وأما اليوم فإن بعث الدين بعد اندثاره انما يتم في مستوى السنة حيث قال النبي (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها..) وعلى هذا فإن وقتنا الحاضر يقضي بأن تبعث السنة وفي طليعة ذلك (صلاة الليل) فهي اليوم تصير فرضا على الجميع وهو الأمر الذي عليه الجمهوريون اذ هم دعاة بعث السنة واحيائها وسياسة حياة الفرد والمجتمع وفقها...

كيف تحيا الصلاة


إن صلاة المسلمين اليوم ميته وذلك بأنهم لا يعرفون لها غاية تؤدي اليها وهم انما يتعاملون معها كواجب يؤديه أحدهم ثم ينتظر الجزاء عليه يوم القيامة وحسب.. وما هكذا حقيقة الصلاة فهي وسيلة إذا احسنت تفضي إلى غاية.. تلك الغاية هي القرب من الله.. والقرب من الله ليس بقطع المسافات وانما بتقريب صفاتنا من صفاته تعالى، فصفاته هو في الكمال المطلق وصفاتنا نحن في جانب النقص، وعملنا نحن في الصلاة انما هو أن نتخلص في كل يوم من قدر من نقص صفاتنا، ونحقق قدرا من صفات الكمال.. هذه وظيفة الصلاة التي تؤديها لنا كمعراج فإنه قد قال عنها (الصلاة معراج العبد إلى ربه) وانما معراج الصلاة (سلم الصلاة) لا يؤدي إلى غايته عندنا، كما يؤدي السلم الحسي إلى غايته لدى الصاعد عليه، لفرق واحد بسيط هو أن الصاعد على السلم الحسي يعرف إلى اين هو ذاهب، حين يصعد درجات السلم.. فمثلا أنت إذا كنت ذاهبا إلى مكتب ضابط المجلس البلدي في الدور الثاني من البناية فإنك تستعمل درجات السلم درجة بعد درجة بطريقة تلقائية لا تحتاج منك إلى تفكير.. أنت تفعل ذلك ولا تقف قطعا عند الدرجة الاولى من درجات السلم.. ولكننا نحن حين نصلي بحكم العادة من غير أن نعرف إلى اين نحن ذاهبون بمعراج الصلاة (سلم الصلاة) فإننا نقف في الدرجة الاولى فتجد الرجل يصلي إلى أن يبلغ سن الثمانين والتسعين من غير أن تغير الصلاة لا في اخلاقه ولا في عمله ولا في دينه!! ولن يؤدي معراج الصلاة إلى الغاية منه إلا إذا عرفنا إلى اين نحن ذاهبون، وبنفس الوضوح الذي نحن به نعرف إلى اين نحن ذاهبون بالسلم الحسي الذي ذكرناه بالنسبة لمكتب الضابط... نحن ذاهبون بمعراج الصلاة إلى الله فنحن نقرب منه تعالى كل درجة نعلوها من درجات المعراج نحوه.. إذا كانت أذهاننا مفتوحة، وإذا كانت صلاتنا حية، ولا تحيا الصلاة إلا إذا دخل الفكر فيها، وأول الفكر أن الصلاة وسيلة وليست غاية في ذاتها.. هي وسيلة توسلنا إلى مقام الرضا بالله.. نحن عبيد وهو رب هو يدبر امرنا، فوجب أن نرضى بتدبيره.. وإن ساقنا الجهل والغرور إلى السخط عليه، فإن فكرنا يجب أن يراجع حالنا حتى يسوق أنفسنا إلى الرضا، وحتى لا نقيم على السخط إلا ريثما نتحول عنه، بفضل الله، ثم بفضل الصلاة التي دخلها الفكر الذكي، إلى الرضا بالله ربا.. وعلامة الرضا بالله ربا تتجلى في تعاملنا مع الناس، فيجب أن يسلم الناس من لساننا ومن يدنا، وفي الحقيقة من أن نظن بهم ظن السوء.. هذه هي علامة الرضا بالله ربا وهذا الرضا هو ثمرة الصلاة المجودة – الصلاة الذكية – الصلاة التي تقود من التقليد إلى الأصالة ومن الشريعة الجماعية إلى الشريعة الفردية.