صلاة الأصالة
صلاة الأصالة تقوم في مقابل صلاة التقليد، فصلاة الصلة يعطاها الفرد من الله بلا واسطة وهو بذلك يكون أصيلا فيها، لأنه غير مقلد لأحد في تلك الصلاة، وقيمة هذه الصلاة أنها وسيلة للشهود الذاتي لصلاة الصلة.
الشهود الذاتي يعني الإدراك الوتري لله بعد أن يكون العابد مدركا لله الإدراك الشفعي وهذا في مستوى العقل – مستوى الاسماء والصفات والأفعال.. والعقل بطبيعته يدرك بالأضداد - بالزوجية، فلولا الظلام ما عرف النور، وهكذا.. فبالعقل يعرف ويؤمن الإنسان بوجود الله، خالق الخلق، ولكن ليتم له اليقين بوجود الله، يلزمه أن يدرك الإدراك الوتري، وهو ما يعبر عنه بالشهود الذاتي، الذي عنده تتوحد ذات الفرد فلا يكون هناك عقل وقلب، كل على حده، وإنما هي الوحدة المنتظمة لجميع الجوارح.. فلا تكون هناك ثنائية وانما هي الوحدة وقد عبر عنها النبي بقوله (ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت الله)..
وعبر عنها القران (اذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى..).. وفي تلك المرتبة لم يكن بين النبي وبين الله واسطة.. فقد تخلف جبريل عند سدرة المنتهى وهي نهاية الإدراك الشفعي – العقلي - وفي مرتبة الشهود الوتري فرضت صلاة الصلة ولم يكن جبريل حاضرها.. ثم في مقام سدرة المنتهى حيث وقف جبريل فرضت الصلاة الشرعية وعلم جبريل النبي كيفيتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وصارت هي له في المقام الاول ولنا نحن في المقام الثاني... وكانت له هذه الصلاة الشرعية معراجه اليومي بها يعرج إلى صلاة الصلة في مستوى الشهود الذاتي فكان في كل صلاة من كل يوم يحقق قدرا من صلاة الصلة مستهدفا تمامها على النحو الذي كان عليه ليلة المعراج حين قيل عنه (ما زاغ البصر وما طغى) ...
ونحن بتقليدنا له في الصلاة الشرعية ينبغي أن نحقق بها كل يوم قدرا من صلاة الصلة – اي الحضور مع الله مستهدفين (صلاة الأصالة) وهي التي ستكون وسيلة الفرد منا إلى تمام صلاة الصلة - الشهود الذاتي – فالشهود الذاتي لا يحصل إلا إذا كان الفرد غير مقلد لان التقليد حجاب عن هذه المرتبة كما كان جبريل حجابا يقف بين النبي وبين ذات الله حتى توقف عند سدرة المنتهى فتقدم النبي وحده حيث توحد وقد عبر عن ذلك القرآن بقوله تعالى (اذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى...) وفي الشهود الذاتي يكون العبد اقرب ما يكون إلى الله وإذا كان المقصود من كل حياتنا وعبادتنا أن نلاقي الله – (يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه).... وإذا كان تمام سعادتنا إنما هو في تمام قربنا من الله فانه يصبح طبيعيا أن يفض التقليد - تقليدنا للنبي في صلاته - إلى الأصالة.... والنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الصلاة الشرعية لان عقبة التقليد لم تكن تعترض سبيله، لأنها هي صلاة أصالته التي توصله للشهود الذاتي، ولأن الأصالة هي حظ المسلم والنبي هو أول المسلمين بمعنى أن إسلامه قد كان الاستسلام التام لله واليقين به (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وانا أول المسلمين).
وأما لماذا لم يترك الأصحاب التقليد – الصلاة الشرعية – فلأنهم لم يكونوا في مستوى (الإسلام) وانما كانوا في مستوى (الإيمان) وقد ندبوا إلى مستوى الإسلام بقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) فقالوا (يا رسول الله أيّنا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟) فنزل في حقهم: (فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، واطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم... ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون..) فالدعوة إلى الأصالة، وسقوط التقليد دعوة إلى أصل الإسلام وهي رهينة بوقتها.. ووقتها إنما هو حين يحين مجيء الإخوان في مقابلة الأصحاب والحديث بذلك وارد ومشهور..
الصلاة لا تسقط إطلاقاً
إن الصلاة لا تسقط إطلاقاً، ولكن الذي يسقط هو التقليد، وذلك حين يؤدي غرضه، ويفضي بالعابد المجود إلى صلاته الفردية – صلاة أصالته.. وصلاة أصالة كل أصيل لا تسقط، وإنما هي تلطف وتدق ولكنها لا تسقط لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة!!