إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هذا هو الشيخ
محمد متولي الشعراوي

الجهاد في مفهوم الشعراوي:


وأما حديث الشيخ الشعراوي عن الجهاد، فقد جانبه الحق، والدقة، في كل جزئية من جزئياته.. وهو قد سار في ذلك سيرة كثير من الدعاة السلفيين المعاصرين الذين يدّعون أن الإسلام لم يفرض بالسيف، وإنما كانت حروبه دفاعية، ضد من منعوا الناس من سماع دعوته، وهم يسوقون هذا القول في مواجهة هجوم المستشرقين الذين يتهمون الإسلام بالعنف والقسوة.. وليس الحق، بطبيعة الحال، مع هؤلاء المستشرقين كما أنه ليس مع أولئك الدعاة السلفيين.. ذلك بأن الأصل في الإسلام هو الإسماح، ودعوة الناس بالحسنى: (أدع الى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين). وظلّ العمل على هذا الأساس في مكة مدة ثلاثة عشر عامًا، ولمّا لم يستجب الناس للدين الجديد، واصّروا على عبادة الحجر، وقطع الرحم، ووأد البنت، وقتل النفس، وائتمروا بالنبي ليقتلوه، جاء الأمر بالهجرة الى المدينة، ونسخت آيات الإسماح بآية السيف (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا، واقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم). والحكمة وراء هذا النسخ هي حمل الناس على مصلحتهم التي لم يدركوها، ومصادرة حريتهم التي أساءوا التصرّف فيها، ولم يكن هناك قانون لمصادرتها به، ولذا لم يكن بد من السيف.. على أن يبقى الأصل المنسوخ مرجأ حتى يتهيأ الناس له، وقد تهيأوا له الآن، بفضل الله، ثم بفضل ما بلغته الإنسانية من تقدم في مجالات الحياة المختلفة، حتى لقد أصبح من غير العملي، ولا من الحكمة الآن، أن نحمل السيف في وجه الناس: إمّا أن يسلموا، وإمّا أن يقاتلوا، كما حدث في الماضي.. والحق، اذن، هو:
1) إن الإسلام في أصله، في الآيات المكية ليس فيه جهاد بالسيف لحمل الناس على الإسلام.. ولكن في فرعه، في الآيات المدنية، فيه قتال كبير، لمن لم يسلم.
2) إن بعث الإسلام في هذا العصر إنما يقوم فقط على الأصل – على الإسماح..
وعلى ضوء هذا الذي قرّرناه من أمر الجهاد، وحكمته، ومرحليته، يصبح قول الشيخ شعراوي، في هذا الصدد، مجرّد دعوى لا يحتاجها الإسلام، ثم هي لا تغني من الحق شيئا، فاسمعه ماذا قال في كتاب (حوار مع الشيخ شعراوي – اعداد أحمد زين) ص ٨٣: (هناك قوى كانت تحكم العالم وتفرض عليه أشياء وخرافات تقتنع بها فجاء الإسلام ليكبت هذه القوى وليقول كلمته امام الناس ثم يطرح القضية على الناس قضية الحق قضية الدين الحنيف فمن آمن بها آمن بقلبه ومن لم يؤمن ظلّ على دينه.. ولذلك نجد في سماحة الإسلام في هذه البلاد ووجدت أمم من اليهود وامم من المجوسيين وأمم من النصارى لم يتعرّض لهم الإسلام وظلّوا في حماية منهج آخر، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولو أن الإسلام فرض بالسيف كما يقولون لما وجد الاّ مسلم في أي ارض يدخلها الإسلام.. فوجود غير المسلمين في أراضي الإسلام.. لم يجيء لحمل الناس على مبدأ من المبادئ التي لا يستطيبها سلوكهم ولا يقبلها قلبهم إنما أراد فقط أن يزيح المعوقات في اختيار البدائل) انتهى..
اللّهم إن في هذه مجافاة بينة للحق، ليس للشيخ الشعراوي عذر فيها، إذ من له بقول الله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، وقوله ايضا: (ستدعون الى قوم أولي بأس شديد تقاتلوهم أو يسلمون) وقول النبي: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا الاّ إله الاّ الله وأن محمدا رسول الله)، في مقابل قوله – أعني الشعراوي –: (فمن آمن بها آمن بقلبه ومن لم يؤمن ظلّ على دينه) فأي القولين نصدق، قول الله تعالى، وقول رسوله، وما جرى عليه العمل في الإسلام أم قول الشعراوي هذا؟!
إن الله أمرنا في الماضي أن نقاتل المشركين أينما كانوا، ولا نقبل منهم بديلا عن القتال إلاّ الإيمان.. ويجيء شعراوي ليقول من لم يؤمن بالإسلام يظل على دينه!! إن هذا لا سند له البتة، لا من القرآن، ولا من الحديث، ولا من العمل الذي جرى فيما مضى.. وهذا معلوم من الشريعة بالضرورة، وهو في وقته قد كان حكيما، ومبرّرا.. قال ابن كثير، في تفسيره، عن آية السيف في الجزء الثالث صفحة ٣٦٤ ما يلي: (وقوله: "واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" أي لا تكتفوا بمجرّد وجدانكم لهم بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيّقوا عليهم الواسع وتضطّروهم الى القتل أو الإسلام ولهذا قال: "فإن تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم إن الله غفور رحيم"). بل من قال للشيخ الشعراوي إنه: (وجدت أمم من اليهود وامم من النصارى وأمم من المجوسيين لم يتعرّض لهم الإسلام وظلّوا في حماية منهج آخر لهم ما لنا وعليهم ما علينا)؟ ألم يعلم الناس أن الله تعالى قد قال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)؟!