إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

حادث الهوس الديني بجامعة أم درمان الإسلامية


لقد ذكرنا ان ابرازنا لهذا الحادث، انما يأتي من اتخاذه كمؤشر لظاهرة الهوس الديني التي يمكن أن تهدد أمن بلادنا.. فالبيان الذي اصدره الطلاب الذين اسموا أنفسهم (طلاب الجامعة المؤمنين) في يوم 28 سبتمبر 1981، والسلوك الذي سلكته هذه الجماعة، يعتبر نموذجا لظاهرة الهوس الديني، اكتملت له معظم مواصفاتها.. فبيان هذه الجماعة، جاء بيانا عاطفيا متشنجا، خاليا من أي مضمون فكري، ولا يحتوي الا على السباب والتهديد والإرهاب.. فالبيان قد قال مثلا عن اتحاد الطلاب، وبرنامجه الثقافي: (لقد اضطلعتم جميعا على برنامج الخزي والعار والفساد الذي طرحه الإتحاد الفاسد العميل الذي هو وصمة عار في جبين هذه الجامعة)!! مجرد كلمات انشائية لا تحتوي الا على السباب الذي لا يمكن أن يصدر من فرد تلقى اي قدر من التربية الدينية أو يعيش مجرد السلوك السوداني العادي.. ومن نماذج السباب الذي يحتوي عليه هذا البيان قوله: (لقد دعا الإتحاد للمرة الثانية جمهوري صفيق فاجر يدعى (دالي).. وقولهم: (ان المؤمنين لن يتركوا هؤلاء السفلة يدخلون من أبواب الجامعة ولا أن تطأ أقدامهم النجسة ارض الجامعة).. هذه مجرد نماذج للإسفاف، وساقط القول، الذي حشد في بيان هؤلاء الطلاب، وقد قال النبي الكريم: (ليس المؤمن بطعان، ولا لعان، ولا فاحش، ولا بذيء).. فليبحث هؤلاء الطلاب أولا ايمانهم، قبل انشغالهم بالآخرين، ان كان يهمهم أمر ايمانهم!! ان اسلوب السباب هذا الى جانب دلالته على عدم التربية، يدل على الخواء الفكري، وعلى التعصب الأعمى، وهي ظواهر ملازمة للهوس الديني..
وهؤلاء الطلاب، على ما هم عليه من خواء فكري، ومن افتقار الى ابسط القيم الدينية، وعلى قلة عددهم، يعتبرون أنفسهم أوصياء على غيرهم، يصدرون الأوامر ويحددون الخيارات التي لا بديل لها، ويلوحون بالتهديد!! فقد جاء في بيانهم ما نصه: (وانه امام المسئولين والإتحاد أحد خيارين لا ثالث لهما.. أما ايقاف هذا العبث فورا حقنا للدماء، وهي الفرصة الأخيرة لذلك، وأما فنحن قربان هذه الجامعة، ونحن الفداء لكرامتها)!! فمن أين يستمد هؤلاء الطلاب هذه السلطة التي يتحدثون بها، وهم حتى من حيث العدد فئة قليلة؟! انه الوهم، الذي يمد لهم فيه الهوس الديني الذي يعيشونه.. فهم لا يفكرون تفكيرا موضوعيا وانما هي مجرد انفعالات لا تمت للواقع بصلة.. وهم قد تصوروا ان وزنهم في الواقع، هو نفس الوزن الذي يعطونه لأنفسهم!! فلما لجأوا للعنف، ودخلوا التجربة العملية، اتضح لهم انه في الحقيقة لا وزن لهم حتى في مجرد الشجاعة الجسدية، واتضح لهم ان الواقع العملي شيء يختلف عن الحديث الإنشائي والأخيلة الواهمة..