السـلام
إن السلام القائم اليوم بين الكتلتين ، سلام محموم ، لا تقف وراءه قيمة أخلاقية ، وإنما هو سلام أملاه الخوف من وسائل الدمار الرهيبة التي يزخر بها كوكبنا .. هذه الوسائل التي لم يعد مستخدمها يضمن نتائج استخدامها !! ولقد فشلت الحضارة الغربية ، بشقيها ، الرأسمالي ، والشيوعي ، في أن تحقق للإنسان سلاما ، هذا في الوقت الذي أملت فيه الوحدة الجغرافية التي تمت للكوكب ، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العلمي ، على الناس أن يتخلقوا بالأخلاق التي بها يتعايش الجيران ..
هذا السلام لن يحل في الأرض قبل أن يحل في كل نفس ، وهو لن يجيء إلا نتيجة للعلم بحقيقة العلاقة مع البيئة .. والتناقض في الوجود إنما هو أساسا بين العبد والرب ، أو قل بين الإرادة الحادثة ، والإرادة القديمة .. وكل صور الصراع التي مر بها الإنسان ، في جميع أطواره ، سواء أكانت مع البيئة ، أم مع المجتمع ، إنما هي بسبيل من هذا الصراع الأساسي ، ولن تتم وسائل تصفية هذا الصراع بالعنف ، كما ظنت الماركسية ، وإنما تتم بالسلم ، أو قل بالحوار الذي يسوق الإرادة المحدثة بسلطان الفكر الثاقب ، الذي يعرف دوره تماما ، إلى التسليم للإرادة القديمة .. وهذا إنما يكون بالاطّلاع على القوانين التي تسيّر الحياة ، وبالحياة وفقها .. وهذا هو مستوى الحاجة الحياتية لمجيء المسيح ..
إن السلام إنما يكون بالتحرّر من الخوف .. والمجتمع الديمقراطي الاشتراكي ، بل حتى المجتمع الشيوعي ، ليس سوى وسيلة لإعانة الإنسان على تحقيق السلام مع نفسه ، ومع محيطه ، ذلك أن السلام المطلوب إنما يكون بزوال كل معايب السلوك الملتوي مما ورثه الإنسان في إهابه نتيجة للجهل ..
إن الحرص ، والطمع ، والشره ، والحقد ، والحسد ، لا تزول إلا إذا قنع الإنسان بما عنده ، واستغنى من أن يمد عينه إلى ما عند غيره ، من نعمة ، على أي صورة كانت تلك النعمة .. والسالك في هذا المضمار إنما يبدأ مجاهدا ، ولا تتحقق قيمة القناعة إلا إذا اختفى شعور المجاهد بالمجاهدة .. فالشعور بالمجاهدة كبت ، وانتفاؤه فض للكبت .. ففض الكبت إنما يكون في زوال الشعور بالحرمان ، فالمحروم لا يكون حرّا .. فلا بد ، لنكون أحرارا من أن نجد حاجتنا لنستغني عمّا عند الغير ، على أن نجدها من يد الله ، في صورة حق ، لا من أيادي الآخرين ، في صورة صدقة .. هذا الميزان إنما يحققه ، في القاعدة ، القانون الدستوري الذي يقوم على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية .. فالنهج الذي يقدم للجماعة إنما هو الاشتراكية ، وبها كفاية الحاجة ، والديمقراطية ، وبها كرامة الإنسان .. والنهج الذي يقدم للفرد إنما هو النهج النبوي في العبادة . وفي المعاملة .. وبهذا النهج تتحقق في الدم واللحم ، كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ، وبها تتم وحدة البنية البشرية ، ويتم التواؤم مع البيئة .. ومن ههنا يجيء السلام ..