إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

المسيح

السـلام


إن السلام القائم اليوم بين الكتلتين ، سلام محموم ، لا تقف وراءه قيمة أخلاقية ، وإنما هو سلام أملاه الخوف من وسائل الدمار الرهيبة التي يزخر بها كوكبنا .. هذه الوسائل التي لم يعد مستخدمها يضمن نتائج استخدامها !! ولقد فشلت الحضارة الغربية ، بشقيها ، الرأسمالي ، والشيوعي ، في أن تحقق للإنسان سلاما ، هذا في الوقت الذي أملت فيه الوحدة الجغرافية التي تمت للكوكب ، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العلمي ، على الناس أن يتخلقوا بالأخلاق التي بها يتعايش الجيران ..
هذا السلام لن يحل في الأرض قبل أن يحل في كل نفس ، وهو لن يجيء إلا نتيجة للعلم بحقيقة العلاقة مع البيئة .. والتناقض في الوجود إنما هو أساسا بين العبد والرب ، أو قل بين الإرادة الحادثة ، والإرادة القديمة .. وكل صور الصراع التي مر بها الإنسان ، في جميع أطواره ، سواء أكانت مع البيئة ، أم مع المجتمع ، إنما هي بسبيل من هذا الصراع الأساسي ، ولن تتم وسائل تصفية هذا الصراع بالعنف ، كما ظنت الماركسية ، وإنما تتم بالسلم ، أو قل بالحوار الذي يسوق الإرادة المحدثة بسلطان الفكر الثاقب ، الذي يعرف دوره تماما ، إلى التسليم للإرادة القديمة .. وهذا إنما يكون بالاطّلاع على القوانين التي تسيّر الحياة ، وبالحياة وفقها .. وهذا هو مستوى الحاجة الحياتية لمجيء المسيح ..
إن السلام إنما يكون بالتحرّر من الخوف .. والمجتمع الديمقراطي الاشتراكي ، بل حتى المجتمع الشيوعي ، ليس سوى وسيلة لإعانة الإنسان على تحقيق السلام مع نفسه ، ومع محيطه ، ذلك أن السلام المطلوب إنما يكون بزوال كل معايب السلوك الملتوي مما ورثه الإنسان في إهابه نتيجة للجهل ..
إن الحرص ، والطمع ، والشره ، والحقد ، والحسد ، لا تزول إلا إذا قنع الإنسان بما عنده ، واستغنى من أن يمد عينه إلى ما عند غيره ، من نعمة ، على أي صورة كانت تلك النعمة .. والسالك في هذا المضمار إنما يبدأ مجاهدا ، ولا تتحقق قيمة القناعة إلا إذا اختفى شعور المجاهد بالمجاهدة .. فالشعور بالمجاهدة كبت ، وانتفاؤه فض للكبت .. ففض الكبت إنما يكون في زوال الشعور بالحرمان ، فالمحروم لا يكون حرّا .. فلا بد ، لنكون أحرارا من أن نجد حاجتنا لنستغني عمّا عند الغير ، على أن نجدها من يد الله ، في صورة حق ، لا من أيادي الآخرين ، في صورة صدقة .. هذا الميزان إنما يحققه ، في القاعدة ، القانون الدستوري الذي يقوم على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية .. فالنهج الذي يقدم للجماعة إنما هو الاشتراكية ، وبها كفاية الحاجة ، والديمقراطية ، وبها كرامة الإنسان .. والنهج الذي يقدم للفرد إنما هو النهج النبوي في العبادة . وفي المعاملة .. وبهذا النهج تتحقق في الدم واللحم ، كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ، وبها تتم وحدة البنية البشرية ، ويتم التواؤم مع البيئة .. ومن ههنا يجيء السلام ..