عمل الصوم في الكبت وفض الكبت:
فإن الكبت الذي يتم بالصيام، نتيجة لتقييد شهوتي البطن، والفرج، انما يعمل على اخراج الرغائب المكبوتة، في أعماق العقل الباطن، إلى السطح حيث تتعرض لأنوار العقل الصافي، القوي، فيبدأ في تحريرها، واطلاقها من حبسها، وذلك انما يتيسر للعقل بفضل معرفته بالأسباب التي أدت إلى وضع الرغائب في القيد.. فالصوم يحرك الداخل، ويتركه يغلي كغليان القدر على النار، فتظهر الرغائب المكبوتة، في الرؤي وفي الشعور، وفي الخواطر، وهي قد صعدت من القاع، ومن الظلام بفعل الصوم، بفعل الكبت الموجه، أو قل بتقييد شهوتي البطن والفرج. فيقيم العقل الحجة في مناقشتها، واقناعها، بارسال ضوء العلم اليها، واحدة إثر أخرى، كلما لطفت وتنورت حتى يفك عقالها ويرسلها في الهواء الطلق، لتعمل على تنمية الشعور وتقوىة الفكر، وبعث الحياة في جميع أطراف الجسد، وحينئذ، يتحرر الإنسان، ويتم له الكمال.. وهذا عمل يبدأ التحقيق فيه ولا يقع الفراغ منه، وانما يكون حظ كل عابد من الكمال، ومن الحرية، هو مقدار تحريره لعدد المظاليم، والمساجين المكبلين في عقله الباطن من الرغائب والخواطر القديمة..
فتقييد شهوتي البطن، والفرج، في القانون الأول، أبرز العقل، وتقييد هاتين الشهوتين في الصوم، يقوي العقل وذلك بشحذ الذكاء فيه، وهو يعمل، بذلك، في نفس الوقت، على فض الكبت الذي أوجده القانون الأول، وبهذا العمل الطردي، والعكسي، تكتمل دائرة التحرر من الخوف، وتتم العبودية لله: (وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون).. والعبودية هي الحرية من كل ما سوى الله.. ومما يجب التحرر منه، الكبت، الذي يسيطر على تفكيرنا، وعلى شعورنا.. ولما كان الصوم عملا في تحقيق الحرية، ومن ثم، العبودية، جاء تعريفنا له بأنه لا يعني مجرد الامساك عن شهوتي البطن، والفرج، وانما يعني الاستعانة بتقييد هاتين الشهوتين لفطم النفس عن الرغبة في كل ما سوى الله، وهو نفس تعريف العبودية.. فالصوم عمل في محاربة الخوف لأن الخوف ينقص العبودية، فهو يتابع كل معايب السلوك التي أفرزها الخوف، ليقيم السلوك على السراط المستقيم، على الأمن، وانما يكون ذلك بالعلم.. ونعني بالعلم، العلم ببواطن النفس الإنسانية، وهو انما يبدأ بعلم الشريعة، ثم علم الطريقة، ثم علم الحقيقة..