قواعد ذهبية للسلوك:
لقد أصدرنا مجموعة من الكتيبات تتحدث عن الصوم، وفيها أوردنا طائفة لا بأس بها من آداب الصوم مما يغني عن الاعادة هنا كما ذكرنا آنفا ويمكن للقاريء الرجوع اليها في موضعها ونحيله، بصفة خاصة على كتاب: (تعلموا كيف تصلون) للاستاذ محمود محمد طه..
وسنكتفي هنا بايراد ثلاث قواعد ذهبية في السلوك لها قيمة عظيمة في حياة السالك ويمكن الاستعانة على ممارستها بالصيام..
القاعدة الأولى: تجديد النفس
(ان آفة كل عبادة أن تصبح عادة)، والعادة تعطيل للفكر، وانسياق مع النفس التي تميل إلى الكسل، وعدم التجديد.. وهذا يؤدي إلى موت العبادة، حيث تصبح جسدا بلا روح، فلا تغير الأخلاق، ولا تهدي العقول..
وتجديد النفس انما يكون بتأخيرها، وتقديم الآخرين عليها.. فالنفس، في الجبلة الثانية، مجبولة على التعالي، وحب السيطرة، تتهافت عليهما بكل سبيل، وفي قطع هذا السبيل عليها تذكير لها بحقوق الآخرين، وخروج بها من الأنانية السفلى إلى الأنانية العليا، (إلى الأنت)..
فإن كل إنسان طريق سعادته يمر بإسعاد الآخرين، فإنه وارد قول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، وأكثر ما نحبه هو نفوسنا، وحظوظها.. فكلما تحبه لنفسك أسع ليناله الآخرون.. ومن معاني تأخير النفس حبها للآخرين، وخدمتها للآخرين، فالخدمة هي إنفاق للراحة وخفض للكبرياء..
ومن أمثلة تأخير النفس في حياتنا اليومية اعطاء مقعدك في المركبات العامة، للرجل المسن، وللمرأة، وللمعوق..
ولكل إنسان ترى أنه لو وقفت في مكانه تكون أنت في وضع أريح من وضعه هو، في نفس المكان.. ولا تترك النفس تحدثك في أنك صائم، ومتعب مثلا فإنه قد يكون الآخرون أكثر منك تعبا..
القاعدة الثانية: ايقاظ العقل
وايقاظ العقل بتحييده.. وذلك بتجرده من هوى النفس.. والعقل المحايد هو العقل العادل.. وأدنى مستويات العدل أن تنصف الآخرين من نفسك.. (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).. فصاحب العقل المحايد لا يحتاج خصمه إلى شهود في تبرئة نفسه لأنه يذكر ما له وما عليه بصدق وضبط...
ومن أمثلة تحييد العقل في حياتنا اليومية أن تكون معاملة بعضنا لبعض رجالا، ونساء فيما بيننا وفيما بيننا وبين اطفالنا، بالسماحة واللين، في نهار رمضان، فلا نثور ولا نغضب بتصرفات بعضنا بحجة اننا نريد الراحة، وإننا متعبون من الصيام، ومن المؤسف أنه قد أصبح مبررا عند كثير من الناس ضيق الصدر واستيفاز الشعور بحجة الصوم، ويقع، من جراء ذلك كثير من الأذى لمن هم حولهم..
القاعدة الثالثة: النظر في عيوب النفس
وذلك بتحسين الظن في الآخرين، قال النبي الكريم: (طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب الناس).. وهي امتداد للقاعدتين السابقتين في تأخير النفس، وتحييد العقل..
فالعقل المحايد لا يبرر الأخطاء لنفسه ثم يراها للآخرين، وانما تكون أكثر الأخطاء وضوحا لديه هي أخطاؤه هو وأما الآخرون فيسوق لهم الأعذار لأنه يحسن الظن بهم..
وتأخير النفس يعني محبة الآخرين، ومما يساعد على محبتهم التغاضي عن عيوبهم، وذلك بالانشغال بعيوبك أنت.. ومن أمثلة النظر في عيوب النفس، الا نتصور كل من أفطر في رمضان قد أفطر بغير عذر فنتخذ ضده موقفا عدائيا.. وما نري قفل كل المطاعم في رمضان الا تشوفا، وسوء ظن بالناس، فإن لبعض الناس أعذارا توجب الافطار..